من الأرشيف

هل تدعم أمريكا مشروع الامبراطورية الفارسية؟

اذا اردت ان تزرع لسنة فازرع قمحا،
واذا اردت ان تزرع لعشر سنوات فازرع شجرة،
اما اذا اردت ان تزرع لمئة سنة فازرع انسانا.
مثل صيني

يدخل قادة عسكريون أمريكيون حلبة كشف المخطط الأمريكي البعيد والذي كان مخفيا بعناية، ومن بين اخر من اطلق تصريحات بالغة الوضوح والخطورة الجنرال مارتن ديمبسي رئيس الاركان للجيوش أمريكية الذي قدم موقفا واضحا جدا حول الاهداف الأمريكية في الوطن العربي لا لبس فيه (نص تصريحاته نشرت في شبكة الرأي الكويتية 16-5-2014) يؤكد ان دعم أمريكا لإيران حاليا ليس تكتيكا عابرا بل هو جزء من ستراتيجية عالمية هدفها ترتيب اوضاع العالم بطريقة تخدم المشروع الامبراطوري الكوني الأمريكي، بما في ذلك دعم انشاء امبراطورية فارسية كجزء رئيس في المشروع الأمريكي، فما الذي قاله ديمبس؟.

1 – يقول ديمبسي : ((رحيل الرئيس السوري بشار الأسد لا يحل الازمة في سورية، والحل يأتي باتفاق إقليمي فقط. هذا ما تعتقده الإدارة الأميركية،)! ان السؤال الذي لابد من طرحه هو: لم لم (تعرف) أمريكا وقتها، كما يشترط ديمبسي، ان رحيل الاسد مرهون باتفاق اقليمي فقط واصرت هي وبريطانيا وفرنسا على حتمية رحيله دون ربط ذلك بأي اتفاق اقليمي؟ ولم حرضت وشجعت على رفض التفاهم مع بشار طوال اكثر من عامين ثم فجأة بدلت موقفها؟

من الامور التي لا يمكن اغفالها لخطورتها حقيقة ان تغيير الموقف الأمريكي هذا حصل عندما وصلت إيران، وليس النظام السوري فقط، إلى حافة الانهيار في الداخل بسبب ازمتها الاقتصادية الخانقة، لقد وصلت إيران التي وصلت إلى حالة الانهيار نتيجة تكاليف الصراع الشامل في سوريا والعراق لكن أمريكا سارعت وقدمت اكبر حبل انقاذ لها من الانهيار الشامل بالاتفاق معها على رفع جزئي لتجميد الاموال الإيرانية وهي خطوة بالغة الاهمية بالنسبة لبلد كان على وشك الانهيار اقتصاديا، فهل هذا التطور بتوقيته ومضامينه عمل عادي؟ ام انه عملية انقاذ صريحة لإيران ومنعها من السقوط كي تواصل الصراع على ارض سوريا والعراق وغيرهما؟

لقد اقترن ايقاف الدعم العسكري لاطراف في المعارضة ورفض تنفيذ وعود اوباما بتقديم سلاح نوعي لاجبار الاسد على الرحيل، وهو دعم مباشر لإيران والنظام التابع لها في دمشق، بقيام إيران باصدار اوامرها لحزب الله بالتدخل الرسمي بكل ثقله العسكري والبشري، واوعزت كذلك إلى ميليشياتها في العراق واتباعها وخلاياها النائمة في الاقطار العربية والاسلامية بالانخراط في ميليشيا العباس تحت غطاء الدفاع عن المقدسات الشيعية! هل تم ذلك بمعزل عن الاهداف الستراتيجية الأمريكية الابعد من سوريا ام انه احد اهم متطلباتها وشروط الوصول اليها؟

2 - يقول ديمبسي مواصلا تجاهل العارف «لو اخذ الأسد عائلته وازلامه جميعهم وغادر سورية اليوم، كيف ستدير هذه البلاد نفسها؟». لخلق شروط التشرذم المخطط تدفع أمريكا الازمات بعد تفجيرها إلى طريق مسدود لا يلوح اي حل فيه وتحل الجيش رسميا كما في العراق أو عمليا كما في ليبيا، أو تضع الجيوش تحت قيود كبيرة تمنعها من الحسم وتؤدي إلى تشتتها وبروز قيادات عسكرية متناحرة فتبقى الازمة دون حل بل تتعقد وتزداد خطورة كما في اليمن، أو تدعم استمرارية الازمة من خلال عدم تزويد الاطراف المعارضة بسلاح يكفي لدحر الجيش فتبقى الاوضاع سائرة على طريق التدمير المنظم للجيش وقوى الامن فتفتح كل الابواب امام المليشيات المسلحة والمدربة، خصوصا التكفيرية، على الدخول كي تنشر فوضى مهلكة كما حصل في سوريا، فماذا نرى؟ بالطبع عندما يغيب الضبط وتنهار القوة الضابطة للامن وهي الجيش وقوى الامن، فان الفوضى الهلاكة تصبح سيدة الموقف، وكل ذلك تم ويتم بقرار أمريكي مدعوم من إيران تطبيقا لخطة (الدولة الفاشلة)، اليس هذا ما نراه بأم اعيننا في الواقع العربي؟

اذن الفوضى الهلاكة اهم احد اسس الخطة الأمريكية لتقسيم الاقطار العربية، ولذلك فدمبسي يتجاهل دور حكومته في نشر الفوضى التي تمنع سيطرة المعارضة على الحكم واستقرارها فيه مثلما تمنع الحكم من فرض سيطرته الكاملة على سوريا وغيرها، وهكذا تحل فوضى هلاكة تسمح ببروز الامارات المتناثرة والمتقاتلة كما نراه الان في سوريا حيث تتقاتل داعش مع القاعدة (جبهة النصرة) وكما نراه في ليبيا حيث تتقاتل الجماعات الاسلاموية مع قوات اللواء خليفة حتر وكلا الطرفين دعما من أمريكا أو دربا بواسطتها وبتمويل اصدقاء أمريكا العرب! انها لعبة القضم التدريجي للوطن بكافة هياكله واسسه وليس اسقاط النظام فقط، وديمبسي يعرف هذا تماما لان أمريكا هي من صنعت تلك الحالة لكنه يتجاهله تجاهل العارف فيتسائل عمن سيدير البلد!!!

3 - ويصل ديمبسي إلى المقتل فيقول (ان بلاده «ليست حاليا في طور تزويد المعارضة السورية بذلك، - يقصد بالسلاح - وهذا ما يجب علينا ان نناقشه»، مستدركا ان «النقاش ليس اميركيا فقط، بل متعدد الأطراف دوليا وإقليميا». اذن وطبقا لديمبسي لا سلاح من أمريكا واوربا الا باتفاق اقليمي ودولي متعدد الاطراف! ما معنى هذا؟ انه دعم مباشر للسعي الإيراني الروسي لاعادة انتخاب بشار اسد رغم كل ما قيل غربيا! الا يشبه هذا دعم أمريكا وإيران وروسيا لاعادة انتخاب حزب المالكي أو هو شخصيا في العراق؟ عدم تقديم السلاح للمعارضة السورية ودعم ترشيح بشار هما عنوان الصفقة الأمريكية الإيرانية والروسية.

4- بعد هذا يصل ديمبسي لجوهر ما تريده أمريكا فعلا فقال : «بالمناسبة، الموضوع ليس سورية، بل هو من بيروت إلى دمشق إلى بغداد». هذه العبارة تتويج رسمي للاعترافات الأمريكية بانها مع انشاء خط الحياة لإيران كي تواصل نشر الفتن الطائفية وما ينتج عنها من فوضى هلاكة وصولا لاقامة الامبراطورية الفارسية، لانه بدون سيطرة إيران على خط الحياة، وهو الطريق البري الممتد من الحدود مع العراق في خانقين إلى سواحل لبنان مرورا بسوريا، فلن تستطيع إيران اقامة اي امبراطورية.

بل الاخطر ان الفشل في انشاء خط الحياة يساوي انهيار إيران بالكامل، وهو ما اعترف به اية الله طائب مهدي عندما قال بان فقدان الاحواز يمكن تحمله ام فقدان سوريا فلا يمكن تحمله، وإيران وصلت حافة الانهيار من داخلها قبل تقديم الدعم المالي لها عبر الصفقة المذكورة التي ابعدتها ولو قليلا عن حافة الانهيار.

5- ديمبسي يقول في تصريحات سابقة في عام (2013) ان الازمة السورية قد تمتد عشر سنوات، كما انه سبق له واشار إلى الممر الستراتيجي الذي تحتاجه امبراطورية فارس الممتد من إيران إلى لبنان، وهذا الخط هو خط امداد عسكري واقتصادي وسياسي، وفي المقام الاول توفير عمق ستراتيجي حاسم لإيران، ولذلك فانه شرط مسبق لابد منه لنجاح إيران في مشروعها الامبراطوري، فاذا تحرر العراق فان سوريا سوف تتحرر من الاستعمار الإيراني وسيسقط حزب الله بقوة اللبنانيين بعد عزله عن إيران، وعندها سوف ينهار مشروع الهلال الفارسي وهو الاساس المطلوب لقيام الامبراطورية الفارسية بتحول الهلال إلى بدر فارسي مكتمل الاستدارة. فهل ما قاله ديمبسي فيه غموض؟

6- ما يجري في الانبار وكل العراق يجب ان يفهم في ضوء مشروع اقامة خط الحياة لإيران فلا يجوز تجاهل ذلك وافتراض ان الغاية الرئيسة هي ابادة السنة كما يقول بعض الذين لا يفهمون اللعبة الأمريكية والصهيونية لان ابادة السنة ما هي الا وسيلة للسيطرة على خط الحياة المذكور وبعدها سوف تتقدم إيران نحو كل الوطن العربي اعتمادا على الهلال الفارسي الذي لن يوجد الا بضمان السيطرة على خط الحياة، من هنا فان الانقاذ المطلوب ليس للانبار فقط بنظام تضليلي هو الاقليم السني وانما تحرير كل العراق.

ان اهم واخطر معارك المصير العراقي والعربي برمته هي معارك دي إلى وبغداد والانبار لانها معارك تقرير مصير خط الحياة لان هذه المحافظات هي مجال مروره ومكان وجوده. وهذه الحقيقة تفسر الاستقتال الأمريكي في دعم الموقف الإيراني في العراق بما في ذلك الدعم العسكري المفتوح وتولي مستشارين أمريكيين ادارة معارك الانبار ودي إلى وبغداد مباشرة، واخيرا القرار الذي يبدو غريبا اذا فصل عن مشروع خط الحياة لكنه يصبح مفهوما اذا ربط به وهو قرار اوباما يوم 20-5-2014 اي في ذروة الصراع الانتخابي تمديد (حالة الطواريء الوطنية الاستثنائية حول العراق، والمعلنة منذ إحتلاله عام 2003 ولحد الان)!! أمريكا بهذا التمديد تعلن رسميا ان العراق مازال معركتها الرئيسة.

7- اذن معركة العراق هي معركة مقر – ثروات وموقع العراق - اما سوريا فمعركتها معركة ممر إلى الثروة والموقع الجيوبولوتيكي بالنسبة لإيران وأمريكا تماما مثل معركة افغانستان الفقيرة لكنها الممر إلى حقول الطاقة، والسيطرة على الممر اهم ضرورات تأمين خط الحياة، وعندما يكتمل هذا الخط فسوف يكون هناك هلال فارسي – وليس شيعي لان قادة إيران قوميون فرس اصلا - يعتمد على موارد إيران والعراق وسوريا ولبنان المادية والبشرية، وعلى الموقع الجيوبولتيكي، ومنه تنطلق إيران للتوسع التدريجي في المشرق ثم المغرب العربي. وهكذا تتوفر الشروط المطلوبة للسيطرة على العالم الاسلامي فتقدم إيران نفسها كقائدة له وبقوته تفرض نفسها شريكا دوليا وليس اقليميا فحسب وتتأهل إيران لتكون احد اطراف المثلث في النظام الاقليمي الجديد المسمى ب (الشرق الاوسط الجديد) إلى جانب اسرائيل وتركيا.

عند تذكر هذه الحقيقة الستراتيجية ندرك ان معركة الانبار هي معركة ليس كل شعب العراق فقط بل هي اولا واخيرا معركة مصير العرب والهوية القومية العربية، ومصير الاسلام كما عرفناه والمهدد ببروز اسلام جديد يحل محله قاعدته الخرافات والتحلل الاخلاقي والاخطر هو انه دين يكمل قوة الصهيونية فتحكم القبضة الثلاثية الأمريكية – الفارسية - الصهيونية على كافة الاقطار العربية.

ديمبسي بهذا الابراز لخط الحياة الممتد من إيران إلى لبنان مرورا بالعراق وسوريا، وبتأكيده على الحل الاقليمي يؤكد بصورة حاسمة وهو العسكري الكبير ان أمريكا لا تعمل من اجل ماهو قائم بل ما يجب ان يقوم بكافة اوجهه غير المنظورة حتى لخبراء أمريكيين. انها قصة تدمير امة كاملة بيد ابنائها.

زر الذهاب إلى الأعلى