في الوقت الذي تغرق فيه البلاد في ظلام دامس يغادر العاصمة صنعاء إلى دبي بصمت وتحت جنح الظلام وبدون إعلان، ثلاثمائة وخمسون موظفاً دولياً هم إجمالي العاملين في المنظمات التابعة للأمم المتحدة في اليمن. وليست المشكلة في المغادرة بحد ذاتها رغم دلالاتها الخطيرة, بل في تكلفتها المريعة انتقالاً بتذاكر الدرجة الأولى وإقامةً في فنادق الخمسة نجوم وعلى حساب اليمن أو على وجه الدقة اقتطاعاً من المساعدات الشحيحة ذاتها إذا كان قد بقي منها شيء!
يحدث ذلك في الوقت الذي أغلقت فيه السفارات الأوروبية أبوابها في صنعاء وبصمت ودون إعلانٍ أيضاً!
وفجأةً, وفي هذه اللحظة تهجم القاعدة على سيئون وتحرق وتسرق مؤسسات الدولة بما فيها بعض البنوك!.. أين الجيش والمخابرات والأمن القومي والسياسي والمحافظ؟ أليس ثمّة مسؤولية فيما حدث والبلاد تعيش حالة طوارئ؟!
يحدث ذلك في الوقت الذي يعاني فيه الشعب سكرات الموت بل هو يموت بالفعل صبراً واكتئاباً وسط الظلام . . والمحزن أنّ سيناريو الأحداث يتطلب أن يبتسم الميت قبيل وفاته استبشاراً ولو بالوهم, وانتظاراً لانجلاء غبار المعارك التي يسمع عنها ولا يراها!
الإدارة بالأزمات هي الطريق إلى الجحيم. كما أنّ حبلها قصيرٌ ومُهترئ وسرعان ما ينقطع لينفلت ويُفلِت كُلَّ شيء.. وإلى هاويةٍ بلا قرار.
يُمنَع المراسلون من تغطية المعركة ضدّ القاعدة إعلامياً بما في ذلك فضائيات الدولة نفسها! وحتى لو سُمِحَ للفضائيات فلن يراها أحد! لأنّ الظلام والغموض يطبقان على كل شيء وكأنهما الغاية والهدف! مع أنّه حتى اقتحام خط برليف الاسطوري على قناة السويس في حرب اكتوبر 73 تم تصويره بالكامل.. فما بالك بمعارك مع مجموعة عصاباتٍ مجرمة هوجاء في قريةٍ هنا أو هناك!
هل تعرفون ما الذي تحتاجه إدارة الدولة في هذه اللحظة أكثر من أيّ وقت؟.. الأمانةُ والشعور بالمسؤولية ومن ذلك الشعور بمعاناة الناس, وقبل ذلك وبعده أن يتذكر الرئيس قائدُ هذه المعاناة مرأى الملايين من مواطنيه قبل سنتين وهم يتقاطرون لتزكيته وانتخابه ويغمسون أصابعهم في أَحْقاقِ الأملِ الزرقاءِ وللأسف فإن أحقاق الامل تلك تصاعدَ الجِنُّ الأزرقُ منها بعد ذلك وأطبقوا على كل شيءٍ في البلاد وأذاقوا الشعبَ الويلات والمجاعات والظلام.