لم أندم، ولن أندم، يوماً، على دعم المقاومة في وجه إسرائيل، أياً كانت، ومهما كان مصدرها، وأهدافها، لأهمية مواجهة هذا الكيان المحتل والمغتصب من جهة، ولأننا في منطقة مهزومة منكسرة محتلة، أذلَّها الاستبداد، وحطم ماضيها وحاضرها، وأسر مستقبلها. وبالتالي، لسنا في وارد وضع الشروط على أي فعل مقاوم، وتكييفه على المعايير التي نؤمن بها، نحن هكذا، في وضع اليائس، والمؤمن بالمقاومة، والمؤيد لها على الرغم من كل العلات. لست نادماً، ولكني في غاية الحزن، على هذه النهاية المأساوية لحزب الله اللبناني.
كان حزب الله حزبا شيعياً، وكنا نعرف ذلك، ولا عيب إطلاقا في مذهبه، وكان منغلقاً على نفسه، وكنا نعيب عليه ذلك، لكن الجميع قدر هذا الأمر في تلك الظروف الصعبة والطائفية، وفي ظل الألم الذي سببه لإسرائيل أكثر من مرة، وكان يمنع المقاومة الفلسطينية العربية من المشاركة والاندماج، في مقابل اندماجه وتماهيه مع الإيرانيين، ولم نكن نقبل ذلك، لكن اليأس، والخذلان والتآمر من العرب الآخرين، والموقف الإيراني المناهض لإسرائيل، جعل الجميع في موقف القبول والاستسلام لهذا الوضع. وفي الحقيقة، كان لدينا أمل في أن الحزب قوة عربية في نهاية المطاف، مهما انحرف وتموضع وانخرط في التحالفات القائمة، سيعود في النهاية إلى جادة الصواب، حزباً عربياً يخدم أمته.
أخطأتُ، وأعترف، اليوم، بأن كل ما تصورته جانبَ الصواب، وأن كل ما تمنيته، ومعي ملايين المواطنين العرب، لم يكن في وارد حسابات حسن نصر الله، على الإطلاق، نصر الله الذي يقول في آخر بياناته: إن الانتخابات الرئاسية السورية أثبتت أن الحل السياسي لا يمكن أن يتضمن، بعد اليوم، أي نقاش عن رحيل بشار الأسد، والذي أعيد انتخابه بنسبة تقارب التسعين في المائة من أصوات الناخبين، ويقول: إن الحل السياسي يبدأ وينتهي مع الرئيس الأسد!
ماذا يفعل أمين حزب الله؟ وكيف يتصرف؟ يخبرنا الرجل، وبوضوح تام، أنه ليس إلا مقاولاً في مشروع القوة والنفوذ الإيراني، وأنه مجرد عميل لهذه القوة الأجنبية، ذات الأطماع في بلادنا، وأن كلامه عن الآخرين وعمالتهم للأجنبي، الأميركي والفرنسي وغيرهما، ينطبق عليه وعلى حزبه تماماً، وأن قتاله العرب السوريين، من الذين ساندوه ودعموه يوم كان في حاجتهم، ليس إلا تأكيداً كونه مقاولاً في المشروع الإيراني، يقاتل نيابة عنهم في سورية، ويقود المليشيات الشيعية المتطرفة هناك، ويسخن، أو يبرد، الجبهة مع إسرائيل لمصلحتهم، حسب المطلوب، ويدرب الحوثيين في اليمن، تلبية لمطالبهم، ويتحالف مع ملاحقهم في العراق الذي أوجدها المحتل الأجنبي، الإمبريالي إن كان يتذكر الأمين!.
حزب الله، بكل أسف، خيبة كبرى، وهو اليوم شوكة في خاصرة الأمة ومشروعها في التحرر من الأجنبي والمستبد. كان صفحة وطويت، وعلى العرب الشيعة تجاوز هذه المرحلة، والانخراط في مشروعهم، لا مشاريع الآخرين.