لم يعد يخفى على أحد أن حزب الله هو إحدى ميليشيات الحرس الثوري الإيراني (البسدران)، وأن زعيمه، حسن نصر الله، هو الناطق الرسمي باسم هذا الحرس في لبنان.
ولم يعد يخفى على أحد، أيضاً، أن بشار الأسد هو القناع، الذي يضعه الاحتلال الإيراني على وجهه، ليخفي إرادة السيطرة على سورية، وأن انتخابه جاء ليضمن لإيران سيطرتها الكاملة على مستقبل الحل في سورية، ومصير شعبها ودولتها.
لذلك، لم يستغرب أحد أن يصرح في بيروت، الناطق الرسمي للحرس الثوري الإيراني أن الأسد هو بداية الحل للأزمة السورية ونهايته، وأن انتخابه حسم أمر مؤتمري جنيف 1 وجنيف2، وجعلهما من الماضي.
ما يريد أن يقوله الحرس الثوري، على لسان نصر الله، واضح: الحل بيد طهران، ولا حل من دونها، أي، أيضاً، من دون ضمان مصالحها، ومنها صون أدوات نفوذها، مثل حزب الله وأمثاله، وبقاء الأسد هو الضمانة الوحيدة للحفاظ على هذه المصالح، وتعديد أدوات النفوذ. ولهذا، كانت انتخابات 3 يونيو/ حزيران مهمة في نظر إيران، لما تعنيه من إمكانية إضفاء صبغة من الشرعية الوهمية على بقاء الأسد، وتجنيبه الاتهام باغتصاب السلطة، بتمسكه بالحكم، بعد نهاية ولايته الثانية.
تستطيع إيران أن تجعل من الأسد رئيساً كاريكاتورياً، وأن ترسل ما تشاء من الميليشيات، للحفاظ على ملكٍ درس. لكنها لن تستطيع فرض الحل على الشعب السوري. بالعكس، إن فرط التمادي الإيراني في تقرير مصير سورية، يزيد من اقتناع السوريين والدول العربية والعالم بأن تعطيل الحل السياسي، ورفض أية تسوية تعترف بالحقوق الأساسية للشعب السوري، وسعي طهران، بكل الوسائل، إلى فرض الأمر الواقع، وذلك كله يضع جميع الأطراف، السورية والعربية والدولية، أمام تحدٍّ، حتى لا نقول أمام استفزاز خطير، لا يسمح لهؤلاء بالتردد في الرد عليه، من دون أن يهددوا بفقدان صدقيتهم وهيبتهم.
ما تقوم به طهران من تصعيدٍ عسكري على الأرض، وما يصرح به الناطق الرسمي، باسم قواتها وميليشياتها العاملة في سورية، تعبير عن مطالب لا يمكن لشعبٍ أن يقبل بها، مهما كان الحال. وهو رسالة قوية موجهة إلى جميع الأطراف المعنية بمصير الأزمة السورية. رسالة، أولاً، للسوريين المدعوين إلى التنازل عن سيادتهم ووطنهم، تدعوهم إلى أن يرتقوا إلى مستوى التحدي، ويتجاوزوا خلافاتهم، داخل صفوف المعارضات المتعددة من جهة، وبين معارضين وغير معارضين من جهة ثانية.
فالمطلوب، اليوم، ليس الاختيار بين نظام ديكتاتوري فاسد ونظام ديمقراطي جديد، وإنما بين سورية المحافظة الـ35 لإيران بالفعل، تحت وصاية حزب الله السوري واللبناني، وسورية حرة مستقلة سيدة، ملك شعبها ومواطنيها. ومن دون سورية حرة، لن تكون هناك سيادة شعبية ولا وطن ولا مواطنة لأي فرد.
وهي، كذلك، رسالة للعرب الذين دعموا ثورة السوريين، أو وقفوا ضدها، حتى يدركوا أن المعركة ليست على مستقبل النظم السياسية في المنطقة، ولا تتعلق بتهديدات ثورة الكرامة والحرية، التي تعرضت لضربات غير مسبوقة في تاريخ الحركات السياسية، وإنما على مصير الهيمنة الإقليمية، وموقع من تكون له الكلمة الحسم واليد الطولى، في تقرير مصائر شعوب المنطقة، وتوظيف مواردها وقواها، ولأية أهداف سيتم توجيهها وتجييرها في العقود الطويلة المقبلة.
هذا يعني أن المصير الجيو استراتيجي لسورية سيقرر، هو نفسه، مصير الأمن الوطني لكل دول المشرق العربي، ومن ورائه، الدول العربية الأخرى، ولو بشكل أقل، ويمهد الطريق إلى فرط البلاد العربية، وإعادة تركيبها على يد الإمبراطورية الصاعدة، ومن منطلق مصالحها، وبسط واستتباب سيطرتها وازدهارها.
وهي، أخيراً، رسالة إلى المجتمع الدولي، وإلى الدول الغربية، التي استهانت بالأبعاد والنتائج المحتملة للأزمة السورية، والتي تظهر، اليوم، على حقيقتها، وتؤكد أنها ليست أزمة سورية، إلا لأنها قبل ذلك إقليمية ودولية معاً، تحمل السوريون فيها العبء الأكبر، حتى تدرك أن ترك إيران الخامنئية تلعب بتكوينات المنطقة الاثنية والدينية والسياسية، كما تمليه عليها حساباتها الاستراتيجية الضيقة، وأوهامها ومظلومياتها المذهبية والدينية، يعني تقويض أسس أي استقرار ممكن في المنطقة، وزرع بذور حرب إقليمية كارثية، ستكون أوروبا أول متلقّي آثارها المدمرة.
لا ينبغي أن تكون استعادة الشعب السوري حقوقه الأساسية المسلوبة، في الاستقلال الوطني والسيادة، وفي الحرية والكرامة المنشودتين لكل فرد، على حساب إيران التي عانت من حصار طويل، وتكبدت خسائر كبيرة، بسبب سياسة قادتها في تعميم ثورتها وزعزعة استقرار الدول المجاورة. لكن، في المقابل، لا يمكن أن يقبل أي إنسان أن يكون الشعب السوري وقوداً للحرب القائمة منذ عقود بين نظام البسدران، الذي يسيطر على إيران، والدول الغربية، التي تطبق عليه حصاراً خانقاً. وأي حل للأزمة الإيرانية الغربية على حساب الشعب السوري، سيشكل قنبلة موقوتة، لتفجير المنطقة بأكملها.
لقد قدم الشعب السوري، في السنوات الثلاث الماضية، ما يكفي من التضحيات لتمكين إيران والغرب من فتح مفاوضات منتجة بينهما. والمطلوب، الآن، تحييد الملف السوري كلياً، عن الصراعات الإقليمية والدولية، وتعاون جميع الأطراف من أجل إعادة الأمن والسلام لسورية، وتوحيد كل الجهود في سبيل تضميد جراح السوريين، وإعادة إعمار بلدهم، الذي حطمته ثلاث سنوات من الحرب الوحشية الطاحنة.
ولا يمكن تحقيق ذلك، ما لم تضع الحرب الإيرانية الغربية أوزارها، ولن تضعها إذا استمر النظام الإيراني يراهن على تركيع الغرب، بالسيطرة على سورية والعراق ولبنان وتطويق الخليج، واستمر الغرب في التعامل مع الدول، من خلف ظهر الشعوب، وعلى حسابها، وأعني، هنا، الشعب الإيراني، الذي عانى من إنكار حقه في تقرير مصيره من الغرب، مثل ما عانى من نظام الإكراه، الذي فرضه عليه رجال الدين الإيرانيون، واليوم، الشعب السوري الذي يعاني من الاستهتار بحقوقه، وفي مقدمها، حق التضامن الإنساني مع شعب يقتل أبناؤه بالعشرات، كل يوم، سحقا بالبراميل المتفجرة، من دون أن يحرك أحد ساكناً أو بالكاد.