أخذ مجلس التعاون لدول الخليج العربية في الإجتماع الأخير الذي عقده وزراء الخارجية لدوله علما بالتطورات المستجدة في اليمن. إنّها تطورات في غاية الخطورة إذا أخذنا في الإعتبار الحصار الذي تتعرَض له مدينة عمران الإستراتيجية الذي ينفّذه الحوثيون.
لا يشمل الحصار المدينة الإستراتيجية فقط. هناك حصار للمعسكرات التي تحيط بعمران والتي تعتبر مهمّة من أجل حماية صنعاء ومنطقة المطار الذي يشكل المنفذ الوحيد لكلّ من يريد الخروج من العاصمة، خصوصا لكلّ ديبلوماسي وأجنبي موجود في العاصمة اليمنية.
من الواضح أنّ هناك مقاربة جديدة لدول مجلس التعاون الخليجي في ما يخص اليمن. مجرّد تكليف المجلس لشخصية أخرى تتولّى الإهتمام بالشأن اليمني، من دون التخلي عن ممثل الأمين العام للمجلس المقيم في صنعاء، يشير إلى محاولة للإحاطة بالأزمة اليمنية من زاوية مختلفة.
تأخذ هذه الزاوية في الإعتبار المعطيات الجديدة التي تلاحقت في الأشهر القليلة الماضية. جعلت هذه المعطيات ضروريا طرح تساؤل في شأن مقرّرات مؤتمر الحوار الوطني.
هل المقرّرات قابلة للتنفيذ بمجرّد تمديد ولاية الرئيس “الإنتقالي” عبد ربه منصور هادي لسنتين والإبقاء على الحكومة الحالية برئاسة محمّد سالم باسندوة واعتبار اليمن “دولة إتّحادية” ذات ستة أقاليم؟
لم يعد سرّا أن الطرف الوحيد الذي يعرف ماذا يريد في اليمن هو الطرف الحوثي. هناك ضياع لدى الآخرين، بما في ذلك “الحراك الجنوبي” الذي يطالب باستقلال الجنوب والعودة إلى ما كان عليه الوضع قبل الوحدة التي أعلنت من عدن في في الثاني والعشرين من أيّار مايو من العام 1990.
حملت الوحدة سلبيات كثيرة. لكنّه لا يمكن تجاهل إيجابياتها، خصوصا لجهة إقرار التعددية السياسية ووضع حدّ للمزايدات بين الشمال والجنوب. أدّت تلك المزايدات إلى حروب عدّة بين ما كان يعرف ب”الشطرين” وإلى تعطيل اتخاذ أيّ منهما قرارات كبيرة من نوع ترسيم الحدود مع المملكة العربية السعودية أو سلطنة عُمان على سبيل المثال وليس الحصر.
إضافة إلى ذلك كلّه، ومع الإعتراف بالظلم الذي لحق بالمحافظات الجنوبية وأهلها، لا يمكن تجاهل أنّ الوحدة وضعت حدّا لمسلسل الحروب الأهلية في كلّ الجنوب بين الجنوبيين أنفسهم. وقد توّجت هذه الحروب بحرب كبرى في الثالث عشر من كانون الثاني يناير 1986، في ما سمّي “أحداث يناير” التي كانت مؤشرا إلى انهيار نظام ذي مواصفات معروفة اعتقد في مرحلة معيّنة أنّ لديه نموذجا يقدّمه ليس لليمن الموحّد فحسب، بل لدول المنطقة أيضا!
هرب الجناح الذي انتصر في الحرب الأهلية الكبرى إلى الوحدة، عن حسن نيّة، ووجد من يتلقّفه في شخص علي عبدالله صالح الذي عرف دائما كيف يناور، كما عرف في كلّ وقت اللعب على التناقضات وحتّى الإستثمار فيها.
هل من يريد أن يتذكّر أن عبدربه منصور، من محافظة أبين الجنوبية، وأنّه قائد عسكري قاتل من موقع وزير الدفاع، إلى جانب علي عبدالله صالح في حرب صيف العام 1994 وهي حرب استهدفت العودة عن الوحدة وكانت تحظى بدعم عدد كبير جدآ من الجنوبيين؟ هل من يريد أن يتذكّر أن عبد ربه منصور صار لاحقا نائبا لرئيس الجمهورية لأن علي عبدالله صالح انتصر في تلك الحرب مع حلفائه القبليين والعسكريين والإسلاميين المقيمين في صنعاء؟
لم يتغيّر شيء في الجنوب. لا تزال هناك تجاذبات من كلّ نوع تتحكّم بالوضع فيه، يضاف إليها النفوذ المتنامي ل”القاعدة”. سيمضي وقت طويل قبل أن يستقرّ الوضع في الجنوب، القابل نفسه للتقسيم وإلى أن يكون دولا عدّة. ما الذي يعيق قيام دولة في حضرموت التي تمتلك كلّ المقوّمات التي تسمح لها بأن تكون كيانا مستقلّا مزدهرا إلى حدّ كبير وقابلا للحياة، خصوصا أن بعض الحضارمة المقيمين في السعودية، وبينهم من صار مواطنا سعوديا، يمتلكون ثروات هائلة؟
في انتظار معرفة الرأي الذي يمكن أن يستقرّ عليه الجنوبيون الذين لديهم رئيس للجمهورية اليمنية ورئيس للوزراء، منهم أيضا، وفي انتظار ما سيحصل في الوسط، حيث الكثافة السكّانية، والذي يعيش للمرّة الأولى خارج الإدارة المباشرة التي مصدرها صنعاء، هناك من يعرف ماذا يريد في اليمن.
هذا الطرف الذي يعرف تماما ماذا يريد هو الطرف الحوثي. عرف الحوثيون، الذين باتت تربطهم علاقة عضوية بإيران، أن عليهم ايجاد منفذ بحري آمن، أي ميناء ميدي على البحر الأحمر. الميناء موجود في محافظة حجّة التي بقيت خارج الإقليم الذي يطمحون إلى السيطرة عليه. وهناك معلومات تشير إلى أنّهم سيحققون هدفهم في غضون أيّام أو أسابيع، على الرغم من الخسائر الكبيرة التي لحقت بهم في معارك عمران. فثمّة من يقول أن الهدف الحوثي من تطويق مدينة عمران والمعسكرات التي فيها، يستهدف التفاوض في شأن ميدي. ما يهمّ الحوثيين، أقلّه في الوقت الحاضر هو ميدي، في حين عمران نفسها متروكة لمرحلة لاحقة.
ما يمكن أن يكون فتح عيون الخليجيين على اليمن مجددا، التطورات الأخيرة في محافظة عمران وخطورة الطموحات الحوثية، واكتشافهم مدى الإهتمام الحوثي بالميناء المطل على البحر الأحمر والحدود المشتركة الطويلة لكيانهم مع المملكة العربية السعودية.
قد يساعد هذا المعطى في تفسير تجدّد الإهتمام الخليجي باليمن ولماذا أصبحت هناك حاجة إلى مقاربة مختلفة مستقلّة كلّيا عن ما يقوم به ممثّل الأمين العام للأمم المتحدة الذي لا يزال يعتبر أنّ ما أسفر عنه مؤتمر الحوار الوطني يمكن البناء عليه…
حتى الآن، لم يتبيّن أن هناك ما يمكن البناء عليه، اللهمّ إلّا إذا كان مطلوبا التفرّج على بلد ينهار على نفسه في غياب صيغة جديدة للحكم.
لا يزال اليمن يبحث عن صيغة تكون بديلا من تلك التي كان معمولا بها بين 1978 تاريخ وصول علي عبدالله صالح إلى رئاسة الجمهورية ومنتصف السنة 2011 تاريخ محاولة اغتياله في مسجد النهدين داخل دار الرئاسة في صنعاء.