[esi views ttl="1"]
من الأرشيف

من سيقرر مصير العراق؟

العراقي يقرأ الممحي - مثل

قبل ان يلقي الرئيس الأمريكي اوباما خطابه يوم امس الاول 19-6-2014 كنا نعي وعيا كاملا ما يخبأ للعراق من خطط أمريكية وصهيونية وإيرانية ، فكل ما يجري واضح وضوح الشمس لنا منذ وصل خميني للحكم بدعم غربي صهيوني كامل وهو ما كنا ننبه العرب اليه ولم يصدقنا الا قلة واعية ، اما الان فان التلاقي الستراتيجي الأمريكي الإيراني اصبح رسميا ويتحرك علنا على الارض ليس في العراق فقط بل في سوريا واليمن والبحرين ولبنان والخليج العربي كله بالاضافة لبقية الوطن العربي .

لم نكن نمارس السحر لنعرف ما سيجري بل كنا نقرا العدو بسلوكه قبل بياناته الرسمية التي تصمم للتضليل خصوصا تضليل الضحية ، ولذلك توقعنا خطواته قبل ان تقع ، وهذا احد اسباب نجاحنا في البقاء اقوياء وفعالين في الساحة . اوباما في خطابه قال ما يلي : لن نشترك في حرب برية وانما سوف نقدم دعما جويا وقد نقوم بهجمات جوية محدودة ضد الارهاب الذي سيطر على مدن كثيرة وهزم جيش المالكي كي نضعفه ونمكن الجيش العراقي من السيطرة .

ولكي يكمل صورة السيناريو الأمريكي الذي يطبق الان اكد ان ابعاد المالكي احد اهم اسس الحل التوافقي . بمعنى واضح جدا ان اوباما يريد للعملية السياسيبة ان تتقدم بدون المالكي وان تخفف ولا تزيل الانشقاق العميق الذي احدثه الغزو الأمريكي بفرض دستور جوهره تقسيم العراق . واكمل مسؤولون أمريكية كبار موقف اوباما بتكرار القول بان ( طائفية المالكي هي سبب فشل المشروع الديمقراطي في العراق ) ، في تناس مهين للعقل لان أمريكا هي التي قطفت ثمار الطائفية ونمتها ورعتها بعد الاحتلال والتي زرعتها إيران قبل الاحتلال ، وما دستور الاحتلال الا مثال صارخ على ان الحرب الطائفية احد اهم اهداف أمريكا الستراتيجية .

في ضوء ما تقدم ماذا يجب ان نتوقع من تطورات في الايام والاسابيع القادمة؟

1 – في العديد مما كتبنا واخرها مقالنا الحامل للعنوان (قبل تحرير البصرة وأد مؤامرة الاقليم ) الذي نشر يوم 10-6 من هذا الشهر قلنا حرفيا ما يلي : ( ان اكبر تهديد للثورة الفتية المنتصرة هو اللجوء لخيار الاقليم في حالة تعقد الصراع وهو امر ستعمل الاطراف الاقليمية والدولية على تحقيقه ، فقد يكون رد الفعل الأمريكي الإيراني وربما الروسي هو دعم حكومة العملاء بالرجال والعتاد كي لا تتحرر بغداد بسرعة ، وهكذا تخلق مراكز صراع متقاتلة لفترة تريد تلك الاطراف لها ان تكون طويلة لتسويق وتسويغ خطة الاقليم . ) . هذا ما حذرنا منه بقوة وتكرار ، فما الذي فعله اوباما ؟ وماذا فعلت إيران ؟

2 – ان تسليح المالكي وقيام مستشارين عسكريين أمريكيين بتوجيه المعارك الدائرة ، بتخصيص 12 ضابطا أمريكيا في كل ساحة معركة ، وشن ضربات جوية لاماكن منتقاة للثوار ، سواء بالطائرات بلا طيار أو بالمقاتلات ، يعني بوضوح لا لبس فيه ان أمريكا دخلت المعركة رسميا وفعليا إلى جانب المالكي ، وهذا الموقف هدفه الكبير والرئيس وهو وقف تقدم الثوار وخلق حالة جمود قتالي Stalemate) ) والتي تعني تشكل حالة توازن قوى بين الثوار وبين الحكومة لا تسمح لاي منهما بحسم الصراع ، وهكذا تتحول عملية تحرير العراق إلى عملية استنزاف قاتل للعراق كله بكافة مكوناته وايصاله لحالة الانهيار الكامل .

3 – عندما يصل العراق إلى هذه الحالة فان فكرة الاقاليم تكون جاهزة كبديل لان الاقاليم ليست سوى خطوة حتمية على طريق تقسيط التقسيم وجعله يتم بخطوات متتابعة لا يرفضها اغلب الرافضين له الان . ولهذا نلاحظ ان الحزب الاسلامي العراقي الطائفي السني ومن يشابهه يبرز كانشط دعاة الاقليم والمروجين له مكملا دور الاحزاب الطائفية الشيعية .

4 – وتكمل مقدمات التقسيم التأكيد الإيراني في تصريحات روحاني وعلي اكبر ولاياتي بان إيران ستقدم للمالكي كل ما يطلبه ولذلك فسكوت أمريكا عنها وعدم النظر اليها بصفتها تدخلا رسميا ليس سوى تطبيق خلاق لهدف تقسيم العراق بين إيران والثوار . المطلوب أمريكيا وإيرانيا هو تعاونهما للسيطرة على مجرى الاحداث في العراق ، ووظيفة هذا التنسيق الاساسية من وجهة نظر أمريكية منع الحسم ، ومن وجهة نظر إيرانية السماح بدخول قوات إيرانية لضمان عدم انتصار الثوار وهو يفضي طبقا للهدف الإيراني إلى سيطرة إيران أو على الاقل تعزيز نفوذها في العراق .

5 – ان نشاط الحزب الاسلامي المطالب بالاقليم ودعم شيوخ عشائر له ، ووجود بعض (الثوار ) المستعدين لقبول حل يقتصر على ابعاد المالكي فقط والانخراط في العملية السياسية يجر إلى دعم العملية السياسية المحسنة وبقاءها ، وبالمقابل فان تشجيع أمريكا وإيران التكفيريين على محاولة فرض (ولايتهم ) سيساعد على دعم فكرة الاقليم وابرز مظاهر تلك الخطة هو المبالغات الهائلة بقوة التكفيريين في العراق .

بهذه الخلطة المعقدة تحاول الادارة الأمريكية اعادة ترتيب الوضع في العراق لصالحها بالدرجة الاولى تمهيدا لتقسيمه وتقاسمه مع إيران ، ولهذا تبشر الاوساط الاكاديمية والاعلامية الأمريكية ب(قرب انتهاء العراق كما عرفناه ) ! وكانت مجلة التايم الأمريكية في عددها الصادر يوم 20-6 قد جعلت من العراق موضوع صفحتها الاولى وكتبت عنوانا مختصرا موحيا هو ( نهاية العراق ) !

6 – ان قيام قوات إيرانية بالقتال داخل وفي مقتربات بغداد وفي بعض مناطق الاشتباكات بعد انهيار قوات المالكي وبعلم وموافقة أمريكا الواضحة ، احد اهدافه ضمان عدم انتصار الثوار واعادة تنظيم وتدريب قوات المالكي ودعم معنوياتها المنهارة ، ولذلك لاحظنا ان التقدم نحو بغداد واحكام الطوق حولها لتحريرها قد تأخر قليلا ، فالضربات الجوية للثوار والاشتراك الإيراني المباشر في القتال والخبرة الأمريكية التي يقدمها المستشارون الأمريكيون صعدت من الهجمات ضد الثوار لكنها لم توقف تقدمهم لانهم اقوياء جدا ولديهم القدرة على مواصلة التقدم مهما كانت الخسائر كبيرة .

7 – ان الضغط الحالي الذي تمارسه أمريكا هو قبول حل تحت غطاء المصالحة الوطنية فلعل ذلك سيساعد على بروز تيار داخل الثورة يقوم بدعم العملية السياسية مما يعني زيادة تأخر تحرير بغداد ، وربما تكون تصريحات بعض الداعمين للثورة - أو المحسوبين عليها - بأنهم مستعدون للمشاركة في العملية السياسية اذا اطيح بالمالكي احد الشواهد على مراهنة أمريكا على هذا التوجه .

اذن ما يجري الان هو عبارة عن خطوات مخابراتية مدعومة بعمليات عسكرية إيرانية واسعة وعمليات عسكرية أمريكية محدودة هدفها عرقلة تقدم الثوار والاعداد لفرض نظام الاقاليم بعد معارك طاحنة وفقا لقاعدة ( لا غالب ولا مغلوب ) ثم تطبيق خطة تقسيم العراق لاحقا استنادا على نظام الاقاليم .

وفي بيئة التواصل الحتمي لاضطهاد المحافظات الثائرة رغم تحسين العملية السياسية وابعاد المالكي وهو الشرط الاساس لقبول التقسيم ، سوف يجد انصار الاقليم مثل الحزب الاسلامي والجواسيس المعدون سلفا ان الحل الوحيد لانهاء الاضطهاد هو قبول خطوة التقسيم ! وهناك الان اعلاميين اخذوا يطالبون بوقاحة جاسوس وسخ بالدولة السنية. فهل تستطيع الثورة اسقاط هذا الخيار ؟

أ – مفتاح النصر الحاسم تحرير بغداد : اهم شروط اجهاض مخطط تقسيم العراق هو انطلاق الثورة في الجنوب وتحرير الجنوب مشروط بتحرير بغداد لان النفوس تهيأت لذلك ، الامر الذي يعني تحديدا ان تحرير بغداد هو الضمانة الاساسية لعدم تقسيم العراق وتحقيق النصر الكامل ليس على إيران فقط بل على المخطط الصهيوأمريكي .

ب- ان من بين اهم شروط النصر الحاسم واحباط هذا المخطط الأمريكي الإيراني هو الوعي التام من قبل كافة الثوار لحقيقة ان الانتصار الحاسم والنهائي لن يستطيع طرف واحد مهما كانت قوته تحقيقه ، لهذا فان محاولة اي طرف تحقيق مكاسب فئوية على حساب الثوار الاخرين ستكون اهم خدمة تقدم لأمريكا وإيران ، فما ان يحصل ذلك حتى يندلع قتال دموي بين الثوار وتقوم أمريكا وإيران بتغذيته كي يوصل الجميع إلى حالة الهزيمة .

وبعد هزيمة كل المتقاتلين تتقدم أمريكا كمنقذ من ( شرور الثوار ) وتجهض الثورة . لهذا فان الرد الحاسم هو الوحدة وتعزيزها وعدم السماح باي انشقاق ومنع من يريد تحقيق مكاسب فئوية بالحوار اولا من القيام بذلك . لنتذكر دائما احدى اهم حقائق الصراع الحالي وهي ان جميع الثوار سيذبحون اذا نشب بينهم قتال ولن يخرج ناج منهم .

ج– يتميز الثوار – لانهم ابناء جيش العراق العظيم - بالتنظيم والانضباط والخبرات القتالية الممتازة والاستعداد للتضحية بالاضافة لعددهم الكبير ، وهذه الميزات تمنحهم امكانية تحقيق النصر الحاسم خصوصا لان الطرف الاخر ومهما دعم ببشر اجانب أو خبرة عسكرية فانه يبقى هشا يهزم حالما تشتد المعارك ، وإيران وأمريكا لا تستطيعان خوض حرب طويلة .

واستنادا لذلك فان الثوار يملكون مقومات وشروط النصر الحاسم بما في ذلك التسلح الذي توفر من غنائم جيش الملكي الذي انهار وترك اسلحة ثقيلة تكفي لتسليح اكثر من فرقتين عسكريتين . ويترتب على هذه الواقعة ان الدعم الأمريكي والإيراني لن يغير مسار الصراع الاصلي وان كان سوف يسبب اطالته وجعل ثمنه اكبر .

د– يحب ان لا يتسرع البعض ويخدع بالاعتقاد بان موقف اوباما الناقد للمالكي وطائفيته دعم للثورة فهو جزء اساس من متطلبات ايصال الوضع إلى حالة الجمود والتعادل وهي مقتل الثورة اذا استمرت .

ه- سذاجة المخابرات الأمريكية نراها في محاولتها تكرار السيناريو السوري في العراق رغم الاختلافات الكبيرة بين القطرين من حيث نوعية القوات المقاتلة فيهما ، لكنها سذاجة مبنية على مقولة موشي دايان ( العرب لا يقرأون وان قرأوا لا يفهمون )، فأمريكا الان تعلن موقفها واضحا جليا بلا غموض وهو تقسيم العراق وتحويل الثورة إلى حرب اهلية طائفية ، لذا علينا فتح عيوننا وعقولنا باوسع ما يمكننا لتجنب الانزلاق في الخيار السوري ، واثبات (ان العراقي يقرأ الممحي ) كما فعلنا في عام 1988 حينما قرأنا ما محته أمريكا كي لا نعرفه .

اذن هل ننتصر ام نواجه ازمة لا غالب ولا مغلوب ؟ لكي نستطيع التأكد من قدرة الثوار على تحقيق النصر الحاسم علينا تذكر الستراتيجية الأمريكية التي اتبعت اثناء شن إيران الحرب على العراق . فقد قال هنري كيسنجر احد اخطر راسمي السياسات الأمريكية في عام 1982 في مقابلة مع شبكة السي ان ان عندما كانت داخل أمريكا فقط ، بان افضل ما تريده أمريكا من هذه الحرب هو ان لا يخرج منها منتصر أو مهزوم ، في اشارة إلى موقف أمريكا القائم وقتها عل تحطيم العراق القوي والمستقل والمتقدم من جهة ، واكمال احتواء قيادة إيران الجديدة من جهة ثانية ، فهل تطبق أمريكا نفس الخطة الان في العراق ؟ وهل نجحت أمريكا في تحقيق ذلك الهدف الستراتيجي ؟

الان لدينا الجواب الواضح فالعراق الذي عرفت قيادته الهدف الأمريكي المذكور قررت عدم السماح بتواصل حالة ( لا غالب ولا مغلوب ) لحين الوصول إلى تدمير الطرفين فحشدت كافة قواها لاجل الحسم ونجحت في تحقيقه يوم 8-8- 1988 عندما اعلن خميني رسميا انه يستسلم للعراق المنتصر متجرعا السم الزعاف كما قال حرفيا خشية وصول القوات العراقية إلى طهران بعد انهيار كافة القوات الإيرانية امام تقدم الجيش العراقي .

الان وقوات الثورة تملك التفوق المطلق في المعنويات والقوة العسكرية وتدق بقوة بوابات بغداد مقابل الانهيار المطلق في معنويات نغول إيران ، المطلوب هو الاستثمار الامثل ل(جنرال زمن ) ، الجنرال زمن الان هو مقرر النصر أو الهزيمة ، فمن استثمر زمن انهيار قوات المالكي وعجز أمريكا وإيران عن خوض حرب طويلة وتقدم وامسك باسرع ما يمكن بمفتاح النصر وهو تحرير بغداد فانه سوف يمنع أمريكا وإيران من استثمار الزمن لاعادة بناء القوة أو لشرذمة الثوار .

الان وليس غدا هو زمن تحرير بغداد فبتحريرها سوف نضمن تحرير الجنوب باسرع وقت وباقل الخسائر ، فنجبر أمريكا وإيران على تجرع سم الهزيمة مرة اخرى ونحبط مخطط تقسيم العراق . فتحية لمن يستثمر الزمن الان وبالاخص تحية اكبر لمن يقرأ الممحي وليس المرئي فقط .

[email protected]

زر الذهاب إلى الأعلى