من الأرشيف

هستيريا تقسيم العراق ما حكايتها؟

لا يمكننا ان نطلب منهم تقسيم العراق ولكن سنجعلهم هم من يطلب ذلك
جوزيف بايدن نائب الرئيس الأمريكي

في ضوء ما تقدم نطرح السؤال التالي : هل حقا ان العراق على وشك التقسيم ؟ ام ان ذلك رغبة أمريكية ذاتية مموهة (Wishful thinking ( تتوكأ على اصطناع اوضاع خطيرة توحي بامكانية التقسيم ؟

1 –ان اهم ما يجب تذكره باستمرار وبلا كلل هو ان هذه ليست المرة الاولى للتبشير ب(قرب تقسيم العراق ) فقد تكرر ذلك عشرات المرات منذ عام 1980 وحتى الغزو وكان ذلك التبشير مغطى برداء دراسات أو مقالات أو تصريحات حكومية (أمريكية صهيونية بريطانية بشكل خاص) اثارت قلق الكثير من الناس ل(جديتها واكاديميتها ودقة مصادرها ) وقدمت خرائط موسعة وتفصيلية لما بعد التقسيم ، ولكننا كنا في كل مرة نبتسم ساخرين ونقول : هذا هو العراق امامكم كان متجذرا في اعماق الارض والجينات قبل وجودكم كدول وسيبقى بعد زوال دولكم ، فهو وطن شعب عريق لاتزيله عواصف مهما كانت قاسية .

2 – على كل عراقي ان يحلل ظاهرة لا ادري لم يتجاهلها أو يجهلها كثيرون ولا ينتبهون لدلالاتها الواقعية وهي ان اللحمة الكردية العربية قد تعززت في السنوات الاخيرة من الغزو رغم العزل الطويل لاقليم كردستان العراق منذ عام 1991 ، الان اكثرية كبيرة من اكراد العراق متيقنة من ان وجودهم داخل عراق ديمقراطي تعددي يحترم الخصوصية القومية للاكراد ، والتي صارت بحكم اتفاقية 11 اذار عام 1970 كيانا معترفا بقوميته الكردية كقومية شقيقة للقومية العربية ، هو الخيار الاكثر واقعية وامانا للشعب الكردي الشقيق .

في يوم 1-7-2014 اعلنت تركيا وإيران انهما تقفان بقوة ضد قيام دولة كردية في شمال العراق ، لسبب واضح جدا وهو عدم وجود اي استعداد للاعتراف بالقومية الكردية ومنحها حقوقها لان اكراد تركيا يبلغون 20 مليون انسان ، وهو اضعاف عدد اكراد العراق بينما اكراد إيران اكثر من عشرة ملايين كردي ، واذا قامت دولة كردية مستقلة في العراق فان تركيا وإيران ستقاتلان لا محالة لاجهاض قيام الدولة الكردية المستقلة . اما الغرب فانه تعامل مع اكراد العراق كورقة ضغط يستغلها لكنها ورقة يمكن التخلي عنها مقابل منفعة له ويكفي مقارنة الهوس الغربي في التسعينيات باقامة دولة كردية مستقلة بالبرود الحالي تجاه مشروع استقلال كردستان العراق لتتأكد القيادات الكردية بان الغرب لا يؤتمن ابدا .

تذكروا ان العراق هو الوحيد الذي اعترف بالقومية الكردية ومنحها الحكم الذاتي ( بيان 11 اذار عام 1970) ولهذا نقول بان اللحمة العراقية هي التي جعلت اكراد العراق يقفون إلى جانب اشقاءهم العرب في محنتهم اليوم وهي التي ستجعل المصير العربي الكردي المشترك فوق النزعات الطارئة المغمسة بدم الازمات الطاحنة المصصمة لتفتيت العراق وغيره .

3 -اما المشكلة التي اسموها زورا (الصراع الطائفي) بين (السنة والشيعة ) فانها صراعات سياسية لا صلة لها بشعب العراق وسقطت هذه الايام عمليا لان شيعة الجنوب انخرطوا في صفوف الثورة ووصلت إلى ذي قار وبابل وكربلاء والبصرة وغيرها بعد ان انتهى صبر اية الله العظمى محمود الصرخي فصرخ : الثورة مشروعة وحان وقت تحرير العراق من الغزو الإيراني . ان انخراط الصرخي في صفوف الثوار قدم دليلا عمليا على صواب تأكيداتنا المتكررة بان من يقول بان الشيعة لا يخلصون لقوميتهم العربية واهمون لان ابناء الجنوب التحموا ببقية ابناء العراق في ثورتهم المباركة ، فعزز ذلك حقيقة انها ليست طائفية أو خاصة بفئة وانما هي مشروع كل وطني عراقي يريد انهاء اسوأ انواع الا ستعمار وهو الاستعمار الفارسي .

4- العراق الان فيه قوى تقود ثورة مسلحة حررت اكثر من ثلثي العراق باشتعالها في الجنوب وهذه القوى ليست مجاميع من نخب غير مجربة غالبا وبلا شعبية كبيرة ، مثل تلك التي تقاتل في سوريا وادى الصراع بينها إلى تشتت الثوار وتحويل الثورة إلى حرب اهلية ، بل ان في العراق قوى منظمة ومدربة تدريبا عاليا عسكريا وعقائديا ولديها خبرات متنوعة في القتال وبناء الدولة وادارتها وتستند إلى تنظيمات شعبية تشمل كل العراق تساند المقاتلين وتضمن منع التشرذم وتحييد اي طرف يحاول حرف الثورة عن مسارها التحرري والوطني .

5– بدأنا نسمع نغمة اطلقتها أمريكا اولا تقول بان (عراق ما بعد 9- 6– 2014 ليس مثل قبل هذا التاريخ وان ما حصل غير كل شيء )، وكان مروجوا هذه الكليشة يوحون بان العراق خرج من ايدي ابناء العراق إلى الابد وان التقسيم حاصل لا محالة ، ولذا نقول بكل وضوح : نعم عراق ما بعد 9-6 لن يعود كما كان قبله والسبب هو ان ثوار العراق امسكوا بعراقهم بقوة وحرروا ثلثيه وامسكوا بارضهم المقدسة بقوة ولن تفلت منهم مرة ثانية مهما كان الثمن فليستعد الغرباء للخروج منه قبل ان يتحول إلى مدافن لهم .

6-مرة اخرى ولاهمية تكرار طرح هذا السؤال في معرفة مستقبل العراق : ماهي طبيعة وخطورة الكوارث التي واجهها العراق منذ عام 1980 وحتى الان ؟ هل كان بامكان فرنسا أو بريطانيا أو المانيا المحافظة على وحدتها الوطنية لو واجهت جزءا يسيرا مما واجهه العراق ؟ نقول كان من المستحيل على هذه الدول المحافظة على كيانها الوطني ، فالمانيا قبلت بالتقسيم وفرنسا استسلمت بعد اسبوعين من بدأ الحرب ، والسبب واضح فالشعوب العادية عندما تصل إلى حافة الموت تقبل باي خيار ما عدا الموت بما في ذلك التقسيم والشرذمة .

اما شعب العراق أو (شعب العجب ) كما وصفه اكبر الرموز التاريخية والاسطورية لصلابة معدن العراق صدام فهو الاستثناء من قاعدة التنازل عند الوصول إلى حافة الموت ، فلم يتنازل أو يستسلم شعب العجب رغم ان الصهيونية الأمريكية وبالتعاون مع الصهيونية الفارسية وضعت العراق عند حافة الموت منذ عام 1980 وحتى الان ، اي حوالي 34 عاما متواصلة بلا توقف من الحروب المتعاقبة والمتصلة والمتواصلة ، وتلك اطول فترة حرب في العالم المعاصر ولم يتعرض اي شعب لهذه الفترة من الحروب الكثيفة والمتواصلة وبقي موحدا الا شعب العراق .

بل ان حافة الموت العراقية هذه كانت الموت ذاته وليس حافته كما حصل للشعوب التي تعرضت للحروب ، فقد قدمنا اكثر من ثمانية ملايين شهيد عراقي منذ وصول خميني للحكم وحتى الان ، وهذا الرقم مقارنة بعدد سكان العراق هو اكبر عدد ضحايا حرب في التاريخ المعاصر وربما في كل التاريخ ، والسر في بقاء الارادة العراقية المقاتلة هو تكوين العراق التاريخي الذي وضحناه وكان تجسيده العملي الذي عرفه العالم هو صدام ليلة عرسه الاخير الذي دشنه باسما مكبرا باسمه تع إلى . فهل يوجد مجنون واحد يتصور امكانية تقسيم شعب العجب ؟

ربما يسأل البعض لم تجنبت اخذ أمريكا مثالا لاحتمال التقسيم فاقول مكررا ما سبق لي قوله مرارا : أمريكا لاتعد من بين دول الامم المتماسكة عضويا لانها ليست دولة قومية أو امة بل هي مجلس ادارة شركة كبرى بالغة الثراء وجذبت كل باحث عن متعة العيش الرغيد، والقانون الاساس لاستمرارية تماسكها مرهون بتواصل العيش الرغيد اما اذا ازل أو نقص فان هذه اللحمة الانتهازية هذه سرعان ما تنفك وتتشرذم . لهذا فأمريكا هشة في واقعها ، رغم مظاهر القوة السطحية ، مقارنة بصلابة الشعوب العادية .

ومن لا يصدق ان أمريكا هي في الواقع شركة كبرى منظمة تنظيما بالغ التعقيد عليه تدقيق تسميات قادتها ( الرئيس واعضاء الكونغرس وغيرهم ) سيجد انها اسماء شركة وليس دولة ، فمثلا الوزير اسمة سكرتير (Secretary) وليس وزيرا Minster )) كما في اغلب الدول . وفكرة السكرتارية هي من خصائص الشركات وليس الدول ، وهذا يشمل الصلاحيات فهي صلاحيات منفذ وليس صلاحيات صانع قرار والدستور الأمريكي يوضح هذا الامر .

هل هذا حكم متسرع ؟ كلا اذ يكفي التذكير بان اكثر من 12 ولاية طالبت بالانفصال عن الاتحاد الأمريكي بعد ان تصاعدت حدة الازمة المالية في عام 2008 وايقاف دعمها للولايات الفقيرة والاحتفاظ بمواردها كلها لها تجنبا لتقليل رفاهيتها ، ولكن لو واجهت أمريكا كارثة واحدة من كوارث العراق لكان مؤكدا تناثرها إلى الابد . فالأمريكي العادي يعيش في مجتمع قائم على الانانية الفردية وليس الغيرية ، وهو لذلك مخلوق تمتع ولذائذ انانية وليس مخلوق تحمل تضحيات ولذلك هو الاسرع في العالم في تطليق ما يسميه ( وطنه) حالما تصبح الحياة فيه نصف رفاهية .

اذن ما هو مصير أمريكا لو زالت الرفاهية وحلت محلها مسلسلات كوارث كالتي واجهها العراق ؟ هل سيبقى في أمريكا عشرة ملايين من 300 مليون حاليا ؟ اشك بذلك .

تذكروا هذه الحقيقة حينما تريدون معرفة مصير عراق يقاتل أمريكا التي تريد تقسيمه وتساءلوا : من يصمد اكثر في لعبة عض الاصابع أمريكا الهشة التي اخذت تتوكأ على صلابة إيران ام العراق المبني على صلابة جينية لا مثيل لها ؟ بايدن نائب الرئيس الأمريكي عندما يقول حرفيا (لا يمكننا ان نطلب منهم تقسيم العراق ولكن سنجعلهم هم من يطلب ذلك ) يعترف بان أمريكا لجأت إلى خطة وضع شعب العراق عند حافة الموت بكل العذابات القاسية التي توجد فيها كي يتبرأ العراقي من العراق ويطلب التقسيم كمخرج وحيد من العذاب فأمريكا بهذا المعنى هي العدو المشارك لإيران في العدواة .

الرد الوحيد الناجح بفعالية على منطق بايدن ودعاة تقسيم العراق في الغرب هو جرهم للحرب جرا وعدم السماح لهم بالبقاء مستشارين أو داعمين للمالكي ولإيران ولا يقاتلون مباشرة بل يتلذذون برؤية انهار الدم تجري من ابناء العرب ، علينا اجبارهم على سفح دمهم وبانهار مماثلة ، عندها سنرى أمريكا تظهر على حقيقتها المعروفة وهي انها نمر من ورق يمكن حرقة بعود ثقاب . هزمت أمريكا في فيتنام بهذا المنطق ، وهزمت امام المقاومة العراقية بهذا المنطق ، وستهزم مجددا بهذا المنطق اذا اصرت على مواصلة تنفيذ خطط تقسيم العراق وبقية الاقطار العربية .

هذا هو خيار من يريد تحطيم مخطط التقسيم الطائفي والعرقي في الوطن العربي . اما دعاة الاقليم فانهم لا يعلمون ان الاقليم لن يكون اكثر من سجن كبير لا يمكن الهرب من جحيمه .

[email protected]

زر الذهاب إلى الأعلى