انقضى الأسبوع (العربي) على وقع ثلاثة أحداث في سوريا والعراق واليمن. في العراق تأجلت جلسة مجلس النواب شهرا، لأن المالكي مصرّ على البقاء في رئاسة الحكومة لفترة ثالثة. وفي سوريا استطاع النظام محاصرة المناطق المحررة من سيطرته في حلب. وفي اليمن تصاعدت الاشتباكات بين الحوثيين والجيش اليمني، لأن الحوثيين لا يريدون الاستيلاء على مدينة عمران فقط؛ بل ويستهدفون صنعاء أيضا!
في المواطن الثلاثة مواجهات متداخلة: السلطة القائمة ومعارضوها، والتنظيمات المسلحة الإيرانية التي تدعم السلطات أو معارضيها، والتطرف الإسلامي الذي يقبع بين السلطة والمعارضة، وتستخدمه السلطات فضلا عن القوى الإقليمية والدولية!
منذ العام 2003 يتذمر السنة العرب في العراق من التهميش، ومن الملاحقات والقتل والاضطهاد والتهجير.
وقد كان بينهم معارضون ومقاتلون للاحتلال الأميركي من بقايا النظام السابق. أما القتال ضد الأميركيين (والشيعة) باسم الدين والسلفية الجهادية فلم يحدث إلا بعد دخول أبو مصعب الزرقاوي من سوريا، حيث توالت أرتال «الجهاديين» التي أرسلتها المخابرات السورية لإزعاج الأميركيين، فأزعجت الشيعة أيضا، واستثارتهم ضد السنة فحصلت الحرب الأهلية (2006 - 2008).
وخلال ذلك أقبل الأميركيون على بناء نخب الدولة الجديدة وجيوشها وأمنها. واتفق الأميركيون مع الإيرانيين والمالكي على كل شيء بما في ذلك عدم التحرش بهم أثناء انسحابهم، وعدم التحرش من جانب حزب الله بإسرائيل، وعدم التعرض لنظام الرئيس الأسد من جانب الولايات المتحدة.
وقد كانت هناك في النهاية نصيحة صغيرة من جانب بايدن ومن جانب فيلتمان: لا تغضبوا الأكراد مهما كلفكم ذلك من جهد، فلولاهم لما أمكن لكم السيطرة على البلاد - وأرضوا السياسيين السنة الذين وافقوا على المشاركة في العملية السياسية منذ البداية - وقد أدخلنا ثلاثين ألفا من عشائر الصحوات إلى الجيش وقوات الشرطة والأمن، فارعوهم ولن يكلفوكم كثيرا، فأنتم حكام البلاد! لقد طبق الإيرانيون والعراقيون كل ما اتفقوا عليه مع الأميركيين، وما أصغوا أبدا إلى النصيحة الصغيرة تجاه السنة والأكراد.
لقد أمروا المالكي بمواجهتهم بالقوة منذ البداية، لأنهم خافوا من تأثيرات الثورة السورية عليهم بعد خروج الأميركيين عام 2011. وهكذا كان: اتهموا طارق الهاشمي نائب الرئيس بالإرهاب والخيانة وحاكموه بالإعدام.
وفي عام 2012 ما كان هناك سياسي سني واحد على علاقة طيبة بالمالكي ربما باستثناء الشيخ أحمد أبو ريشة! ثم جرى الهجوم على المتظاهرين والمعتصمين في المحافظات الست؛ في حين هرب (ويا للمصادفة!) مئات سجناء «القاعدة» من سجن أبو غريب، فمضى بعضهم إلى سوريا في حضن الأسد، وبقي بعضهم في صحراء العراق إلى أن أدخلهم المالكي إلى المدن بعد إجلاء المعتصمين السلميين منها! ويكاد يمضي عامان على قطع المرتبات عن الإقليم الكردي، للنزاع حول تصدير البترول، وحول كركوك. والخلاف سياسي ومالي، فلماذا ينبغي أن يتضرر المواطن الموظف في أي إقليم كان؟! وعلى أي حال، ففي حين تحالفت العشائر وبقايا نظام صدام و«داعش» لإزاحة سيطرة عسكر النظام عن المناطق السنية، أمعن الأكراد في تصدير البترول من طريق تركيا (حتى إلى إسرائيل!)، وأعلنوا عن استعدادات للاستقلال! وتدخل الأميركيون للوساطة بحيث تلبى بعض المطالب السنية والكردية، ويأتي رجل غير المالكي لرئاسة الوزراء.
لكن الجنرال سليماني (صار عنده خمسة آلاف عسكري في العراق، إضافة لعشرات الألوف من الميليشيات الشيعية)، رفض حتى الآن تنحية المالكي، رغم معرفته أن هذا الإصرار يؤدي إلى تقسيم العراق! هل تفضل إيران تقسيم العراق على تقاسم السلطة أو 50 في المائة منها مع الأكراد والسنة؟! لا أظن ذلك، لكنها تراهن على موافقة الأميركيين في النهاية على قمع السنة بحجة الإرهاب، وكف عادية الأكراد بداعي أمن المنطقة. وأمامها ما حصل ويحصل بسوريا وكيف تركها العالم، بربع مليون قتيل، وعشرة ملايين مهجر وخراب 40 في المائة من عمران المدن والبلدات!
وما استفاد السوريون من ثوران إخوانهم بالعراق. وذلك لأربعة أسباب: ضعف التسليح والتدريب، وانقسام القيادات، والفساد الهائل، وثبات جيش النظام بمساعدة الميليشيات الشيعية، وعمل «داعش» بسوريا في مناطق الثوار قتلا وتخريبا لمساعدة نظام الأسد.
فقد سقط من الثوار بمواجهة «داعش» بريف حلب الشمالي والرقة والحدود التركية زهاء التسعة آلاف قتيل. وذلك بحجة عدم مبايعة المقاتلين لأمير «داعش» (الذي صار الآن خليفة!).
والبارز الآن أن الثوار في حلب وقعوا بين «داعش» وقوات النظام وحزب الله. أما في محيط حلب الأقرب فإن «داعش» لم تعترض سبيل النظام في التقدم باتجاه مناطق الثوار. وإذا كان الميدان السوري قد صار تفاصيل لجهة الكر والفر وعدم الحسم؛ فإن سقوط حلب المحتمل ليس بالأمر السهل، وهو اليوم أشد سلبية من سقوط حمص نهائيا قبل فترة.
إنما الذي أراه أن ظاهرة «داعش» وغرابة تصرفاتها تستحق اهتماما أكبر. فالشعارات فظيعة وتكفيرية وضد الشيعة والإيرانيين والعلويين. لكنها في السنتين الأخيرتين ما تحركت إلا في مناطق سنية، ولا قتلت غير عرب سنة. ولذا لا حاجة لتأمل كبير وكثير من أجل التوصل إلى أن «تحولات» «القاعدة» وانقساماتها هذه، إنما يراد بها ومنها تصفية حركات التغيير العربية إبقاء على النفوذ الإيراني، وعلى الاستتباع والشرذمة.
وهكذا نجد أنه في سوريا والعراق صار هناك تنافس على قتل العرب السنة بين الداعشيين وقوات المالكي، والميليشيات الإيرانية أو الموالية لإيران! هل يريد الإيرانيون تقسيم سوريا، وجمع العلويين والأرثوذكس والشيعة في الساحل بين دمشق وحمص ووادي النصارى واللاذقية؟ ربما كانت هذه هي الخطة، بسبب الكثرة السنية الكاثرة، والتي لا أمل معها بأن تبقى الأقليات العلوية والشيعية والمسيحية في سوريا ولبنان مسيطرة على السلطة في سوريا.
ولذا يصبح هذا السيناريو هدفا لهم، إن تمكنوا من ذلك سياسيا وديموغرافيا وقتاليا، حتى لو بقيت الدولة السورية واحدة شكلا مثل العراق!
ولا تقل الأوضاع اليمنية هولا عما وصفناه في العراق وسوريا ولبنان. فالحوثيون وهم ميليشيا زيدية/ شيعية دربتها إيران في لبنان وسوريا استولوا على محافظتين بعد عشر حروب مع الدولة اليمنية، ويوشكون أن يستولوا على محافظة ثالثة.
ولأن الهدف التقسيم والشرذمة ولا شيء غيره؛ فإن إيران تدعم الانفصاليين الجنوبيين وهم سنة اشتراكيون، ضد الدولة اليمنية! وكأنما ما كفى ذلك اليمنيين المستنزفين، فأتتهم «القاعدة» الإرهابية في وسط اليمن وجنوبه. والطريف أن «القاعدة» التي تتبع الجيش والأمن اليمنيين بالقتل والتخريب، ما مست شعرة من رؤوس الانفصاليين الموجودين في الأقاليم ذاتها التي تتحرك فيها!
لست مستعدا لتصديق أنه كلما انطلقت حركة تغيير سلمي، فإنه يظهر إلى جانبها مسلحون متأيرنون وداعشيون. وهم يدعون أنهم معارضون وإصلاحيون وإسلاميون، لكنهم لا يقتلون غير العرب والمسلمين، وغير المسلحين قبل المسلحين، وإلا فهل كان رفيق الحريري مسلحا؟!