المشهد المحزن والخطير الذي يغطي المنطقة العربية، وبخاصة في سورية والعراق واليمن، حيث تسود لغة الغاب، وتسفك الدماء وتدمّر المدن والأرياف وتترسخ الروح الطائفية لتمزّق الشعوب وتخلق العداوات والكراهية، هو بلا أدنى شك، جريمة كبرى في حق العرب والمسلمين، تستدعي الإدانة والرفض الكاملين.
فبينما يتشبث النظامان الطائفيان الفاسدان في سورية والعراق، بالحكم بدعم إيراني مكشوف، ولأسباب طائفية توسعية، يتحرك تنظيم الحوثيين في اليمن بسلاح إيراني لتوسيع نفوذه، وتتحرك تنظيمات مشبوهة تدعي الانتماء إلى أهل السنة، فتتآمر على قوى المعارضة السورية، وتقتل زعماءها، وتستولي على المناطق التي حررتها من قبضة النظام الطائفي، وتمدّ مجال نشاطها التخريبي إلى العراق لتستولي على مدن وقرى في شماله ووسطه، حيث يعيش المواطنون العراقيون السنّة الاضطهادَ والتهميش، وتعلن قيام الخلافة الإسلامية، الأمر الذي يستنفر القوى الشيعية، فتعلن أكبر مرجعياتها في العراق الجهاد، ويتقاطر المتطوعون من كل حدب وصوب لحمل السلاح، ويتحقق بذلك ضرب المسلمين بعضهم ببعض، واقتتالهم وتمزيق أوطانهم. وهو الهدف الذي تعمل له القوى العظمى وإسرائيل منذ زمن بعيد.
في هذا الوقت العصيب، وفي حمأة هذه الفوضى الهدّامة، تقوم إسرائيل بصب حمم غضبها على قطاع غزة الفلسطيني، فتقتل العشرات من الأطفال والنساء والرجال، وتجرح المئات، وتدمر المنازل والممتلكات بكل غطرسة ووحشية لا مثيل لهما، فيتلاقى بذلك إفساد إيران وبطش إسرائيل، في حلف غير معلن ضد أمة العرب ديناً وتاريخاً وثقافةً وإنساناً وأوطاناً.
ويقف المجتمع الدولي عاجزاً، أو متعاجزاً، عن تطبيق القانون الدولي، وإنقاذ شعوب فلسطين وسورية والعراق من الجرائم ضد الإنسانية التي ترتكب في حقهم، بل إن المواقف الصادرة عن الولايات المتحدة الأميركية وبعض الدول الغربية، تعكس انحيازاً كاملاً للعدو الصهيوني، وتبريراً فجاً لجرائمه البشعة المستمرة.
ومن العجيب الغريب أن تكون ردود فعل العالم العربي الإسلامي باهتة ولفظية لا قوة وراءها ولا سامع لها. فإيران مصممة على بسط نفوذها في المنطقة، وإسرائيل مصممة على إخضاع الفسطينيين وقهرهم وتوسيع مستوطناتها العنصرية في فلسطين، وتهويد القدس، بل ربما الذهاب إلى أبعد من ذلك لتحقيق حلمها القديم وهدفها البعيد، وهو هدم المسجد الأقصى وبناء الهيكل المزعوم مكانه، والامتداد إلى مناطق واسعة من الدول المجاورة قد تصل إلى النيل والفرات.
في ظل هذه الأحداث الدامية والمتغيرات الخطيرة، تتناقض مواقف قادة العالم العربي الإسلامي وعلمائه، ويتفرقون ويتنازعون فيفشلون وتذهب ريحهم، بينما المطلوب منهم حمايةً لبلدانهم، ورعايةً لمصالح شعوبها، وحفاظاً على تماسك كيان الأمة، أن يكون صوتهم واحداً ومواقفهم متجانسة ومتضامنة، لأن هذا الخطر الداهم لن يقف عند الحدود التي نراها اليوم، بل سيمتد إلى ما بعدها، وستكون لهذا التمدد عواقب وخيمة على أمن دولهم وسلامتها، بل على الأمن والسلم الدوليين.
المطلوب الآن، وبكل استعجال، عقد قمة على مستوى منظمة التعاون الإسلامي، لدراسة موضوع واحد فقط هو: «أمن العالم الإسلامي». فالعالم الإسلامي كله مهدّد بالانقسام والفوضى طائفياً وثقافياً وسياسياً، والأعداء معروفون لا يخفون هويّتهم، وأعمالهم التخريبية والإجرامية ظاهرة للعيان. فهل نرى تحركاً إسلامياً جاداً لوقف هذا التآمر على الأمة. أم على قلوب أقفالها؟. هل يستيقظ العرب والمسلمون من نوم الغفلة والذهول والاضطراب والارتباك والعجز عن القيام بالواجب الذي تقتضيه طبيعة الحرب المشهرة على العرب والمسلمين كافة؟ هل يحدث التحوّل الجذري المطلوب في المواقف الرسمية للدول العربية والإسلامية لموجهة المخاطر المحدقة بالعالم الإسلامي؟
لقد بلغ العجز بجامعة الدول العربية، أن يجتمع مجلس الأمن ويصدر بياناً عن الأزمة في قطاع غزة الفلسطيني، على رغم ضعف هذا البيان وتخاذله، ولا تتحرك الجامعة عند أول هجوم صهيوني إجرامي على غزة الفلسطينية. أكتب هذا المقال في اليوم الذي سيجتمع وزراء الخارجية العرب في مقر الجامعة العربية، وأستطيع أن أقول إن القرار الذي سيتخذ في هذا الاجتماع، لن يكون في مستوى ما يُوجبه إنقاذ الشعب الفلسطيني من الإبادة التي ترتكب جرائمها إسرائيل بحماية كاملة من الولايات المتحدة.
إن هذا الحلف غير المعلن والتوافق في الأهداف بين النظام الطائفي في إيران، وبين الكيان الصهيوني الذي يحتل فلسطين، باتا يهددان السلام العالمي بصورة عامة، لأن الأهداف التي تجمع بينهما تنبع من الحقد والكراهية والعداء للعرب وللمسلمين من أهل السنّة والجماعة. فكلا الطرفين يصدر عن دوافع دينية فاسدة وأحقاد تاريخية مدمرة، وهما وإن كانا يبدوان في الظاهر على النقيض من ذلك، فإنهما في حقيقة الأمر، واستناداً إلى ما يجري على الأرض، يلتقيان في تدمير الأمة العربية الإسلامية، وتمزيق صفوفها، والتآمر ضد الدول العربية الإسلامية، وإفقار شعوبها والزج بها في مستنقع الصراعات والانقسامات والتجاذبات، حتى ينفرط عقدها وتكسر شوكتها وتظل تعيش خارج العصر.
إن الكوارث المفجعة التي تترى مشاهدها على الأرض العربية، تستدعي التعجيل بتحرك عربي إسلامي جاد ومسؤول، حتى يتحمل العرب والمسلمون كافة مسؤوليتهم التاريخية إزاء هذه الفوضى الهدامة التي تزلزل كيانهم، وتستنزف قدراتهم، وتضعف قواتهم.
إن أمن العالم الإسلامي في خطر. تلك هي الخلاصة التي نخرج بها من تقييمنا لما يقع في المنطقة من كوارث مدمّرة.