لا يختلف الكثيرون على أن حكومة الوفاق الوطني برئاسة الأستاذ محمد سالم باسندوة لا تؤدي دورها بجدارة، وأن الأخير مع تقديرنا له ولتاريخه النضالي قد لا تكون المرحلة في اليمن بصالحه لرئاسة الحكومة.. لكن هل تغيير الحكومة هو الحل؟ أم هو هروب وخدعة جديدة؟ وما هي الأطراف التي تطالب بتغيير الحكومة؟ وهل يمكن أن يصبح تغيير الحكومة طوراً جديداً من الكارثة؟
يمكن أن يكون تغيير الحكومة هو الحل في ظل شرط وحيد: إذا تم تعيين حكومة بديلة تخفف عن هادي المهام وتُمنح صلاحيات كبيرة وفق اتفاق مسبق مع الرئيس مهمتها التحضير لانتخابات وفق الدستور النافذ.. وبدون ذلك فالأمن والعنف والحروب مسؤولية وزارة الدفاع والداخلية والأجهزة الاستخباراتية وكلها مرتبطة بالرئيس. الفشل الواضح أغلبه يتجه لوزير الدفاع الذي يرفض الرئيس هادي تغييره! الوزراء مرتبطون بالرئيس وبالأحزاب التي يمثلونها.. فما الذي كان على باسندوة أن يأمرهم به ولم يفعل؟
يقولون: باسندوة ضعيف! وماذا تنتظرون من القوي أن يفعل بدون تغيير وزير الدفاع مثلاً وبدون تنسيق وتعاون مع الرئيس الذي يمسك كل شيء؟. وعلى سبيل المثال؛ وزير الداخلية بدأ العمل بنشاط وحاول تجسيد نموذج رجل دولة.. فتعرض للمضايقة! وبغض النظر عن فشل رئيس الوزراء من عدمه.. هناك زوايا هي الأهم: من الذي يطالب بتغيير الحكومة؟ ولماذا؟
ثلاثة أنواع من المطالبين بتغيير الحكومة:
الأول: هو المؤتمر الشعبي العام السبب الرئيسي الذي يدفع المؤتمر لهذه المطالبة هو كون رئيس الوزراء محسوباً على الطرف الآخر.. وربما لو وقف المؤتمر وقفة حسابات لرأى رئيس الحكومة أقل ضرراً عليه من رئيس الجمهورية المنتمي لذات الحزب. فالمطالبة هنا تأتي اجتراراً لانقسام 2011. والأمر الآخر هو هروب من المطالبة بتغيير الرئيس هادي المُشجع دولياً والذي لا يقوى أي حزب على انتقاده إلا بصورة محدودة.
ويعلم المؤتمريون قبل غيرهم أن نصف الحكومة المحسوب عليهم مرتبط بالرئيس. ويعتقدون أنه عند تغيير أي حكومة سوف يستطيعون فرض بديلين بأنفسهم بدلاً عن الوزراء الذين عينهم في حقيقة الأمر الرئيس هادي.
الذي لا يدركه أو يتهرب منه المؤتمريون هو أن تغيير الحكومة لن يتم وفق الحسابات التي يريدونها، ولكن وفق حسابات الأطراف الأخرى الصاعدة، وقد جرب المؤتمر كيف تم التعديل الوزاري الأخير دون العودة إليه ودون إعطاء أي قيمة لاعتراضه.
الطرف الثاني: الحوثيون
قامت حكومة الوفاق الوطني على أساس المبادرة الخليجية بين أطراف العملية السياسية وهي المؤتمر والمشترك، ولم يكن بين الموقعين عليها جماعات مسلحة أو أطراف تعبر عن هويات مناطقية وجهوية.
استطاع الملتفون على المبادرة الخليجية وعلى رأسهم المبعوث الدولي جمال بن عمر أن ينتزعوا شرعية سياسية للجماعات المسلحة والانفصالية من خلال توسيع قاعدة العمل السياسي لتشمل الحوثيين والحراك ومسميات فئوية غير مؤطرة سياسياً ك"المرأة" و"الشباب" و"المجتمع المدني"، وهي مسميات يتم التمثيل باسمها زيفاً وترسيخاً للفوضى.
تنطلق مطالبة الحوثيين بتغيير الحكومة من كونهم يريدون الدخول بالمشاركة فيها ليحصلوا على شرعية حكومية ويكونون جزءاً من الحكومة على غرار مشاركتهم في مؤتمر الحوار. وكل مطالبات الحوثيين وشعاراتهم ضد الحكومة تهدف إلى تشكيل حكومة جديدة يكونون جزءاً منها. فالمسألة لا علاقة لها بالفشل أو بما يحتاجه البلد.
الطرف الثالث: هادي والحواريون
يرى هؤلاء في تغيير الحكومة تحقيقاً لعدة أهداف: الأول، هو تخدير الشارع اليمني بتحميل الخراب والفشل للحكومة، الثاني هو تعيين رئيس وزراء أكثر قرباً من هادي لأن باسندوة ليس الرجل الأفضل لخدمة هادي، الثالث: ترسيخ مسميات وأطراف مؤتمر الحوار، وهذه كارثة لوحدها.
كارثية التغيير المتوقع
تكمن الكارثة في التغيير الذي تدعو إليه بعض الأطراف، أنه يريد إدخال جماعات خارجة على القانون ويسلمها مؤسسات حكومية يفترض أنها مصدر القانون والمكلف بتنفيذه. فيتم اعطاؤها شرعية بعيداً عن كل مبادئ وشروط العمل السياسي المتعارف عليها في دول العالم والمكتوبة في القوانين.
فهذه جماعة مسلحة خارجة على مبادئ الدولة تصبح جزءاً ممثلاً للدولة، أي يتحول المرض إلى شيء رسمي يُحتفى به.. ومثل ذلك الحراك الذي يعبر عن جماعة مناطقية.. وهذه ليست توصيفات تعسفية بل عملية ومنهجية، فشروط أي حزب لكي يتم التصريح له بالعمل هو أن يكون ممثلاً من كافة المحافظات وأن يلتزم بالقانون والدستور وألا يعبر عن هوية مناطقية أو جهوية أو طائفية وإن كان يمثل طائفة، فيكون شرطه هو البرنامج السياسي وليس أي انتماء.
عندما تأتي بممثل جماعة مسلحة تتقوى بالسلاح لفرض سيطرتها ووجودها وخياراتها وتسلمه حقيبة في الحكومة وعندما تأتي بأطراف تنادي بالانفصال أو تمثل هوية جهوية وتسلمها حقائب في الحكومة.. فمن هي الحكومة والدولة التي يفترض بها أن تحافظ على كيانها وهوية شعبها وأن يتساوى المواطنون أمامها؟
إن المعارضة بالدعوة للانفصال أو الانطلاق من تصنيفات تقسم المجتمع أو الخروج بالسلاح تعتبر عملاً محظوراً وتمرداً لا تجيزه أي دولة بل تتعامل معه بالسلاح والسجن والمحاكمة.. فكيف عندما تتحول المعارضة بالسلاح وبالتقسيم جزءاً من الدولة؟ هذا لا يعني سوى سقوط الدولة تماماً. والجدير بالذكر هنا أننا لا نقف ضد الحوثيين ولا ضد أحد، وإنما نطالب بالآليات السياسية وبالتزام القانون.
في الواقع أصبح الحوثيون والحراكيون ممثلين في الحكومة والرئاسة بصورة غير مباشرة.. لكنه وضع خارج على القانون ويهدد بالدمار.. أما عندما يتم إقرار ذلك بشكل رسمي فهذا معناه زوال الدولة جوهراً ومضموناً وبقاءها شكلاً.. وفي الحقيقة أن الدولة التي يتم التأسيس لها طائفياً ومناطقياً انطلاقاً من مبادئ ومقررات الحوار هي لا دولة وحروب أهلية وعصابات.
الخدعة الثالثة: حكومة كفاءات
في مثل هذا الوضع المعقد ينبري البعض للمطالبة ب"حكومة كفاءات"، وتبدو عبارة "كفاءات" مغرية للرأي العام وللقارئ غير المتعمق. فكما أسلفنا المشكلة الأساسية الآن متعلقة بمركز القرار الأول في البلد وبالانسداد السياسي. عندما يُقال حكومة كفاءات يأتي السؤال: من يختار الكفاءات؟ إذا كان الرئيس يريد إصلاحاً فليس بحاجة إلى تغيير الحكومة بل التصرف ومن موقعه وفق الدستور النافذ ويتراجع عن المسارات الكارثية التي يتجه فيها..
وإذا كنا أمام أحزاب نستطيع مساءلتها عن أداء وزرائها.. فسيكون الحال أسوأ بكثير عندما يكون البلد أمام أشخاص تم اختيارهم وتلميعهم تحت مسمى "كفاءات". وإذا وُجد نزيهيون قد يكونون أضعف من الوزراء الحاليين الذين لديهم أحزاب يتقوون بها في قراراتهم.. مع أن حكومة الكفاءات يمكن أن تكون الخيار الأفضل إذا نوت السلطة أن تصلح.. أما بدون ذلك فسيكون سهلاً أن يفرض عليه من في السلطة ما يريد والوقت لا يسمح بمزيد من الألاعيب..
حكومة "الكفاءات" ستكون بصورة أو بأخرى حكومة "سفارات"، صحيح أن للسفارات الآن نصيب والأحزاب كافة تخضع لمطالب السفارات، لكن ذلك يمر بقنوات رسمية تجعل للكارثة حدوداً أقل من أن تصبح مباشرة.
**
وفي كلٍ؛ إذا تم تشكيل حكومة جديدة وفق مبادئ مخرجات الحوار، فستكون مناصفة شمال وجنوب بدلاً عن مناصفة مشترك ومؤتمر، وسيكون نصيب المؤتمر 20 بالمائة بدلاً عن 50 بالمائة ونصيب الإصلاح 10 بالمائة ونصيب الحراك حدود 15 بالمائة والحوثيون حدود 7 بالمائة.. وعلى ذلك قس..
ستظل الأحزاب تدور في حلقة مفرغة وتفقد خياراتها شيئاً فشيئاً وتصعد الجماعات الإرهابية والمناطقية والمسلحة على حسابها، ما دامت تهرب من الحقائق إلى التكتيك ومراضاة الوُصاة الدوليين.. وكأنهم سيزولون غداً، وكلما زاد خضوع هذه الأحزاب، زاد الخارج من تدخلاته وحصاره لها.. لذلك فإن نفاق هذه الأحزاب وعدم اعترافها بخطورة الوضع الذي آلت إليه البلاد وعدم جدوى مخرجات الحوار على الواقع هو جريمة يتم ارتكابها في كل آن ويتم الهروب منها إلى تغيير الحكومة أو إلى إلقاء الاتهامات على الأطراف الأخرى دون جدوى.
تحتاج الأحزاب الرئيسية إلى المصالحة وإعلان اعتراف قوي وشجاع بأن الوضع يشكل تهديداً خطيراً على اليمن وأمنه وإن مخرجات الحوار تحتاج إلى إعادة نظر ويتم إطلاق مبادرة يتبناها المؤتمر والإصلاح كأكبر حزبين محاسبين أمام الشعب والتاريخ عن الخراب الحاصل وكأكبر حزبين متضررين مما يحدث الآن.. أو أحدهما أو أي تكتل وطني عريض.
الأحقاد والثارات وأدوات تصعيد الخلاف ليست بالهينة، لكن ما على الجميع أن يدركه أن هذا هو الخيار الاستراتيجي الوحيد، وسواه استمرار للمسلسل الذي صعدت على إثره جماعات العنف والإرهاب. فبدلاً عن المؤتمر والإصلاح والاشتراكي والناصري أقطاب السياسة، يصبح البديل عنهم القاعدة والحوثي.
إن الخيار البديل لمواصلة خداع الشعب وتغيير الحكومة هو أن تتوافق أبرز القوى على تغيير أهم المسؤولين محل الخلاف، كوزير الدفاع، ويتم تبني مبادرة وطنية تدعو لتحديد موعد للانتخابات وفق دستور اليمن النافذ بأقرب فرصة ومن ثم تتكلف المؤسسات الدستورية المنتخبة بترتيب الأولويات وتعديل الدستور. إذا تم تبني هذه المبادرة من أبرز الأحزاب ستكون خيارات معارضتها ضعيفة.. أما تغيير الحكومة دون تغيير سياسات السلطة العليا فإن ذلك إن لم يكن ضرراً جديداً فإنه لن يفيد البلاد شيئاً.