لا العاهرة تتوب ولا الماء يروب
تصريحات الرئيس الأمريكي باراك اوباما في اليومين الماضيين تفرضان علي فرضا لا مهرب منه استخدام ادق تعبير عن طبيعة نخب أمريكا الحاكمة وهو المثل العراقي الشهير الذي يقول (لا العاهرة تتوب ولا الماء يروب ). فلقد اكد انه سيضرب داعش من الجو وان (انهاءالازمة العراقية مشروعا طويل الامد) في اعلان صريح ومباشر بان ازمة العراق لن تحل بسرعة وان عذابات شعب العراق ستستمر وان عوامل تخريب الكيان الوطني ستتواصل حتى تقسيم العراق . بهذه التصريحات ترك اوباما الباب مفتوحا لضرب الثورة في مناطق الوسط والجنوب خصوصا حزام بغداد حيث تحتضر العصابات الصفوية وتقترب من الموت النهائي .
ما الرسائل التي تضمنتها تصريحات اوباما ؟ وما هي الاسباب والنتائج العملية لهذا الموقف الأمريكي ؟
1-اجهاض الثورة : اول رسالة تفرض نفسها هي انه وتحت غطاء ضرب داعش تعتزم أمريكا اجهاض الثورة ليس فقط عبر دعم العملية السياسية الأمريكية ، بوجود أو بدون وجود المالكي ، بل وهنا الاخطر بدخول أمريكا بطاقاتها المخابراتية وقدراتها التكنولوجية المتطورة ساحة الصراع ضد الثورة عموما ، تحت غطاء شفاف وهو ضرب داعش .
نقف بصلابة لا تتزحزح ضد هذا التوجه الخطير جدا والذي سيكون المتضرر الرئيس منه هو الثورة الشعبية الوطنية وبالنتيجة سيتعرض شعب العراق لكوارث اكبر مما يعاني الان . ان التدخل الأمريكي يستهدف الثورة ولكن تحت غطاء ضرب (المسلحين ) و(حماية المدنيين من الاقليات ) وهدفه الفعلي هو منع الثورة الشعبية من اسقاط العملية السياسية كلها واقتلاعها من الجذور .
2-العراقيون سواسية: لقد وقفنا ونقف وبقوة واصرار ضد اي نوع من انواع الاضطهاد لاي عراقي من اي طائفة أو قومية وتحت اي غطاء ، ورفضنا وادنا تهديم اماكن عبادة أو مراقد مقدسة ووقفنا بحزم ضد تهجير اي عراقي واعتبرنا مهاجمة اكراد العراق عملا يهدد الثورة بالذات ويقدم الذرائع لتدخل معاد للثورة وليس لداعش فقط ، وكان ذلك هو اساس ثورة المقاومة العراقية ضد الاحتلال الأمريكي منذ عام 2003 ، وهو مازال وسيبقى اساس موقف القوى الوطنية العراقية التي اشعلت الثورة العراقية . ولهذا وبناء عليه لا يمكن ان نقبل التدخل الأمريكي المسلح تحت غطاء كاذب وهو حماية (الاقليات) .
3-عاهرة تحاضر في الفضيلة : حينما نرى ان الادارة الأمريكية التي ابادت منذ عام 1991 حتى الان اكثر من ستة ملايين عراقي ومنهم عرب (شيعة وسنة ) واكراد وتركمان ومسيحيين وصابئة ...الخ بلا رحمة ومارست التهجير المنظم لكافة ابناء العراق والذين وصل عددهم طبقا للمصادر الأمريكية اكثر من سبعة ملايين عراقي مهجر ، ونفذت تلك الجرائم بواسطة عصابات من المرتزقة الذين وظفتهم أمريكا مثل الشركات الامنية الخاصة والميليشيات التابعة لإيران ، والتي لضخامتها وتفوقها على جرائم الصهاينة في فلسطين ، اجبرت حكام أمريكا على الاعتراف بجزء بسيط منها ومحاولة حصرها في فضيحة ابو غريب مع ان جرائم الاضطهاد والاغتصاب حدثت في كل سجون الاحتلال الأمريكي .
أمريكا هذه ، بكل تاريخها الاجرامي المخزي نتيجة انفرادها من بين كافة الدول باعتبار ابادة الملايين تسلية ونحن في العراق ابرز ضحايا هذه التسلية بعد الهنود الحمر ، تقف الان لتدافع عمن قامت هي بقتلهم وتهجيرهم من العراق حتى عام 2011 ! الم تتم اكبر هجرة مسيحية وصابئية في عام 2010 عندما كانت أمريكا تحتل العراق ؟ لم لم توقف تهجير المسيحيين والصابئة وقتها ؟ والاهم لم لم تحاكم القتلة الساديين وتعاقبهم بطريقة تتناسب مع حجم جرائمهم المشينة والتي تشكل عارا يكلل هامة تمثال الحرية في نيويورك إلى الابد ؟
أمريكا تقف الان لتدافع عن بضعة الاف من العراقيين يتعرضون للتهجير مع ان ضحاياها بلغ ثلاثة ملايين قتيل عراقي بعد الغزو فقط وسبعة ملايين مهجر !!! اليست تلك نكتة مبكية حتى للمعوق عقليا ؟ هل كان الاضطهاد الملاييني والابادة الجماعية والتهجير القسري يقعان لو لم يحصل غزو العراق ؟ ان كل ما يحدث في العراق منذ غزوه تتحمل أمريكا بالدرجة الاولى مسؤوليته المباشرة فقد تعمدت أمريكا ، ولم يكن خطئا ، فتح ابواب العراق لكافة اشكال التخريب والافساد والابادة ، وكل خطوة بهذا الاتجاه كانت مقررة سلفا ومدروسة بعمق وتوقعت أمريكا الحصول على ثمراتها المسممة وابرزها تدمير العراق كله وتهجير سكانه الاصليين واحلال سكان مستوردين من غير العرب خصوصا من إيران .
ان الغبي والجاهل يعرفان الان انه لولا الغزو لبقي العراق امنا ومستقرا وشعبه محمي من كافة انواع التمييز والاضطهاد والفساد ، وهذه حقيقة يعرفها كل عراقي لا تحركه احقاد سياسية . اذن كيف يمكن (قتل القتيل والمشي في جنازته ) كما يقول المثل وهو ما تفعله أمريكا الان ؟
وعندما يسمع عراقي مهجر من السبعة ملايين مهجر وعراقي ممن يتلقون يوميا براميل المالكي المتفجرة فتقتل العشرات في كل منطقة وتشرد الالاف كل ساعة عندما يسمع هذا العراقي خطابات اوباما وتصريحات كبار قتلة أمريكا مثل بايدن يشعر بالقرف من نخبة لا تعرف معنى الشرف ولا الفضيلة ولا احترام الانسان والشعوب وترتكب ابشع الجرائم ولكنها بوقاحة فريدة تعزي عوائل الضحايا وتدعي انها تريد حماية من تبقى منهم ؟! هذه حقيقة يجب ان تبقى في ذهن كل عراقي وهو يناضل من اجل حماية كل عراقي مهما كانت ديانته أو اصوله العرقية فهؤلاء اخوتنا واهلنا .
4- ادامة الكوارث : هدف اوباما الحقيقي من وراء هذا الموقف هو ابقاء العراق تحت مطارق الاغتصاب والنهب والفساد والافساد المنظم والتمييز الطائفي والعرقي والتجويع المنظم والتهجير الجماعي لاهل العراق ، والسبب معروف فما يجري منذ الغزو هو النتيجة الطبيعية لما اسسه الغزو من انظمة سياسية فلقد كان دستور الغزو ومازال قائما اساسا على المحاصصة الطائفية والعرقية ، وبما انه لم يجري اي احصاء سكاني على اسس طائفية أو عرقية فان احدا لا يعرف حدود ونسب الطوائف الحقيقية وهو ما اعترف به بريمير مؤخرا عندما قال ان تحديد نسب الطوائف والسكان في الدستور والعملية السياسية تم بناء على ما قدم اليه من ارقام وهمية من الخونة انصار العملية السياسية ولم تكن هناك احصاءات سكانية تحدد نسب الطوائف !
نذكّر بذلك الان كي نتذكر بان اساس الفتن والابادات والتهجير المنظم هو نظام المحاصصة ثم ما انتجه من الاختلافات حول النسب الحقيقية للسكان والتي وضعت في دستور الاحتلال دون اي تدقيق فيها لان المطلوب كان زرع الفتن بين العراقيين ، وهذا هو اساس التشرذم الحالي بكل ما نتج عنه من جرائم تطهير عرقي وطائفي بشعة بما فيها تهجير الصابئة والمسيحييين والسنة والشيعة .
ونضيف ان الاعتماد في العملية السياسية على حثالات العراقيين وتغيير التوازن السكاني كان واضحا في الدراسات الأمريكية التي اعدت قبل الغزو وفيها تقرر تسليم الحكومة وليس الحكم لحثالات منحطة اخلاقيا ومتخلفة انسانيا وحضاريا وفاسدة بطبعها واعتماد نظام المحاصصات مثلما حصل في مؤتمرا لندن وغيره .
اذن الصراعات والفتن الطائفية والعرقية الحالية هي صناعة أمريكية متخصصة وتنفيذ إيراني - أمريكي . ولذلك لم تكن صدفة ان يؤكد اوباما ، الان والعراق يدخل مرحلة التحرير وتحقيق تقدم هائل وهزيمة الحكومة وقواتها ، تقيده التام بما التزم به بوش الصغير حينما قال بان (انهاءالازمة العراقية مشروعا طويل الامد ) فهذا التأكيد هو اشارة واضحة جدا لاصرار أمريكا على مواصلة وادامة زرع عوامل تقسيم العراق لانها لو كانت تريد انهاء الازمة العراقية فعلا فان تقدم الثورة يسمح لها باجراء مفاوضات مع الثوار لتسلم الحكم في العراق ، والثوار قادرون يقينا على اعادة الامن والامان لكافة ابناء العراق خلال يوم واحد ، لكنها بدلا من ذلك تدخلت لانقاذ العملية السياسية واجهاض الثورة وتلك رسالة يراها الاعمى ويقرأها الغبي تقول بان أمريكا ماتدخلت الا لابقاء العراق اسيرا لعمليات تفكيك منظم لمجتمعه ولشعبه .
5- الدعم التمييزي الأمريكي : الحماسة الأمريكية المفاجئة الان لايقاف اضطهاد ما تسميه (اقليات ) امر يبعث على العجب من النخب الأمريكية فهي الان تريد حماية جزء اصيل من شعب العراق ولكنها تهمل الاجزاء الاخرى الاكبر والاكثر تعرضا للاضطهاد والابادة والتمييز الطائفي والعرقي ، فاذا قارنا تهجير الاف العراقيين دون ابادتهم أو قتلهم وهو ما نراه الان ، بما جرى منذ عام 2003 وما يجري الان في الانبار ودي إلى وصلاح الدين والنجف وكربلاء والبصرة من ابادات وقتل جماعي وتهجير لالاف العراقيين فان نسبه ما يحدث في شمال العراق اقل بكثير واخف وطأة بكثير ايضا .
رغم تلك الحقيقة الميدانية الثابتة فاننا نجد انفسنا امام سؤال تعجز أمريكا واداوتها عن الاجابة عليه وهو : لم الصمت عن ابادة العشرات يوميا وتدمير المدن كل ساعة مثل الفلوجة والكرمة ، وتهجير ابناء تلك المدن العراقية مثل البصرة التي يهجر فيها ابناء طائفة معينة علنا وبحماية الحكومة وعدم التدخل الانساني لحماية تلك المدن واولئك المواطنين العراقيين ولكن أمريكا تقرر التدخل العسكري لانقاذ جزء فقط وليس كل العراقيين ؟
علينا ان ننبه الان وقبل فوات الاوان بان هذا الدعم التمييزي الأمريكي لجزء من شعب العراق له هدف أمريكي خبيث وهو تحريض بقية العراقيين على من يحظى الان بحماية بينما ملايين العراقيين يهجّرون ويقتلون يوميا وتحت بصر العالم الذي يشاهد الجرائم الصفوية في الفلوجة والكرمة وغيرهما ! الرسالة الأمريكية الخبيثة الموجهة لشعب العراق تقول بلا غموض نحن ندعم فقط هؤلاء اما البقية ف إلى جهنم !
بهذا الدعم التمييزي المتعمد تريد أمريكا زرع احقاد بين العراقيين لم تكن موجودة وتشكك بوطنية من تدعمهم حصرا وتضعهم امام ظاهرة اغترابهم القسري عن وطنهم والتي تريدها أمريكا ، كما ان اطرافا اوربية تعمل بهذا الاتجاه منذ سنوات الحصار وعلنا ، وما دعم هجرة المسيحيين من العراقيين وتوفير اللجوء الفوري لهم مع السكن المتميز في اوربا وحجب تلك الامتيازات عن المسلمين وجعل حصولهم على اللجوء بصورة اصولية مستحيلا فلا يبقى امام المعرض للموت سوى التهريب باموال طائلة والتعرض لمخاطر الموت غرقا مثلا ، وهذا الدعم التمييزي احد اشكال العمل الغربي لتهجير المسيحيين وتغريبهم عن وطنهم .
في ضوء ما تقدم نكرر البديهيات التالية :
1 – ان الحملة العسكرية الأمريكية الحالية ليس هدفها تدمير داعش ، لان كل عسكري يعرف بان الضربات الجوية عامل مساعد وليست عامل حسم ، ولا حماية جزء من العراقيين بل هي عبارة عن تدخل انتقائي تمييزي مخرب هدفه تعزيز الوضع الذي اسسه الاحتلال وتحسينه شكليا فقط وعدم السماح باسقاطه وانهاء اثاره المدمرة . ولذلك يؤكد اوباما بان التغيير يجب ان يكون بتوسيع المشاركة في العملية السياسة ، وهذا امر مرفوض تماما لان الاصل في الكوارث والبلاوي هو العملية السياسية والدستور الذي وضعه الاحتلال والاشخاص الذين جلبتهم أمريكا وإيران لحكم العراق رغم انهم بغالبيتهم الساحقة لصوص فاسدين اعداء لوطنهم فقد خانوه علنا بالدعوة للغزو ، بالاضافة لكونهم من حثالات العراق الاميين وانصاف الاميين .
2- أمريكا تريد ان تقدم لنا بوش بوجه محسن هو اوباما ، وتريد تجميل وجه القتلة والحرامية الاميين بتغيير رئيس الوزراء كي تستمر الخطة الاصلية وهي تواصل الافساد المنظم وهو ما يضمن استمرار انهيار العراق وتغيير هويته الوطنية وسكانه .
3- واذا تصورت أمريكا بان شعب العراق قد انهك بسبب حجم ونوعية جرائمها وجرائم شريكتها إيران وانه تعب وسيقبل عودتها من الشباك بعد طردها من الباب فنقول هذا وهم فشعب العراق قاوم وانتصر عليكم فهربتم ، وسيعلمكم درسا اخرا في ضرورة احترام الانسان اي انسان في كل مكان وعدم الاعتداء عليه واحترام الاخرين . الفلوجة هزمتكم لوحدها فكيف تقفون الان امام زحف كل شعب العراق من الشمال والجنوب والغرب والشرق نحو بغداد قلعة الاسود ؟