الشرذمة ثم المفرمة
بقرار ازاحة المالكي وتنصيب العبادي ادخل العراق – ولم يدخل - مرحلة جديدة من الشرذمة اعدادا لادخاله المفرمة ، فما حصل ليس حلا لازمة كما قد يتوهم البعض بل تعقيدا لها ورفعا لمستواها إلى مرحلة مضاعفة التشرذم العراقي حتى نصل حالة انقسام حتى النخبة القليلة من حزب واحد أو جماعة واحدة تنتمي لكتلة اكبر منها وكانت جزء منها لكن عمليات الشرذمة المتتالية فرضت انشقاقها عن الكتلة الام .
ولو نظرنا إلى الكتل السياسية العراقية وقارنا حالها الان بحالها بعد الاحتلال سنلاحظ بلا ادنى شك ان التشرذم المتتالي هو القانون المتحكم بتلك الكتل ، فهل هذه حالة طبيعية ام انها حالة مخططة ؟ واذا كانت مخططة هل تواجه بالعفوية وبصورة منفردة ام بعمل جماعي مدروس ومخطط ايضا ؟ وهل مايجري خصوصا بعد الاتفاق الدولي والاقليمي على ازاحة المالكي ينطوي على رسائل خطيرة تتعلق بمستقبل العراق وثورته ؟
1 - عندما اتضح للادارة الأمريكية ان الانتفاضة العراقية التي انطلقت من الانبار غير قابلة للاحتواء رغم دخول عناصر كثيرة فيها من غير اللثوار الحقيقيين بالاتفاق مع أمريكا وإيران والمالكي لاجل حرفها فيما بعد ، وخوفا من امتدادها إلى بغداد مع كل ما يترتب على ذلك من تغييرات ستراتيجية خطيرة ضد مصالح أمريكا وإيران فقد تقرر البدء بتنفيذ خطة احتواء الثورة عبر شرذمة الثوار انفسهم .
وفي هذا الاطار رأينا ان أمريكا وتركيا وانظمة عربية عديدة قد لجأت إلى دعم ضباط من الجيش الوطني السابق وتشجيعهم على اعلان انفسهم تنظيمات متعددة مختلفة وغير موحدة لكل منها زعيم اوحوا اليه انه سيكون حاكما للعراق ، وقدموا دعما ماليا واعلاميا للكثير منهم فاصبح هناك اكثر من جهة تدعي انها من الجيش الوطني السابق وتمثله وشمل ذلك الاتصال بعشرات الضباط الذين تحركوا بين أمريكا وتركيا وانظمة خليجية . بالاضافة للاتصال بشيوخ عشائر أو عناصر مدنية من معارضي الاحتلال لتشكيل تنظيمات جديدة تدخل حلبة العمل السياسي تحت واجهتا مختلفة .
هذه الخطوة تعد في الواقع ليس دعما للتغيير بل اعدادا لشرذمة الجيش الوطني ومنعا لتوفير القدرة الحاسمة على حشد اكبر عدد من الضباط في اطار ثوري واحد أو منسق ومنسجم ، واجبار ضباط لا صلة لهم بالتنظيم العسكري أو انها صلة انتهت منذ زمان على التطلع للزعامة واستلام الحكم وانتظار اي تغيير محتمل أو فرصة لاعلان انفسهم قادة والدخول في صراعات مع اخرين من الضباط والفصائل حول الحكم . وهذا ينطبق على التشكيلات المدنية ايضا .
2 – ان تحرير نينوى وصلاح الدين كان ساعة الصفر لبدء شرذمة الثوار من خلال بروز الاختلافات بينهم ومحاولة تعميقها وتحويلها إلى صراعات دموية تضمن حصر الثورة في نطاق جغرافي محدود وتوزيع المدن والقرى بين الثوار وبدأ الحروب بين تلك المراكز تماما مثلما حصل في سوريا ، عند ذاك يمكن ان تجهض الثورة وتتحول إلى حرب اهلية تعطي لإيران وأمريكا الفرصة المطلوبة لاعادة ترتيب العراق وفقا لحالة جديدة نسبيا تغطي بعض المظالم وتموه الانحرافات ولو إلى حين .
ولهذا وجدنا ان حالات تشرذم كامنة قد اعدت في الصف الوطني أو من يحسب عليه نتيجة لهذه العمليات المخابراتية الدقيقة واصبحت الغاما موقوتة جاهزة للانفجار أو التفجير في اي لحظة بحيث تؤدي إلى تعميق ازمة تعدد قيادات الثورة وهي اكبر الغامها .
3 –ادت الاحداث إلى توسع نطاق الثورة وافلات عناصر معينة من امكانية التحكم في حركتها ، الامر الذي انتج حالة فرضت على أمريكا وإيران اعادة النظر في سيناريو المواجهة ولهذا كان اول عمل هو ازاحة المالكي وتحويله إلى كبش فداء لأمريكا وإيران كما كان متوقعا من قبل .
4- كانت الخلافات بين أمريكا وإيران منضبطة حتى قيام الانتفاضة وكان التنسيق بينهما هو السائد الا ان تحرير نينوى وصلاح الدين ودي إلى والانبار وشمال بابل وانتقال شرارات الثورة إلى مدن الجنوب العراقي بعد ما حصل لجماعة الصرخي اشعل خلافا حادا بين أمريكا وإيران حول دور المالكي ، فإيران كانت تصر على بقاءه بينما أمريكا كانت تريد ازاحته ، واستمر التناقض هذا حتى ايام قليلة ماضية حينما ادركت إيران ان أمريكا مصممة على ازاحة المالكي واصدرت اشارات قوية لإيران بان أمريكا لديها احتياطيات كبيرة أمريكية وعراقية داخل العراق حتى ضمن قوات المالكي تستطيع استخدامها بدعم أمريكي مباشر لحسم الوضع وتحقيق بعض الخطوات .
تلك الاشارات كانت انذارا لإيران بان عليها اما قبول التضحية بالمالكي وازاحته بدونها بقرار أمريكي منفرد رغم ان ذلك سيشكل ضربة قاسية لها ولاتباعها في العراق فاضطرت للتخلي عن المالكي لتجنب إلى قيام حكومة لا تأثير لها عليها .
5- بالتخلي عن المالكي برزت حالة جديدة عنوانها الاوضح هو تضاعف التشرذم داخل صفوف اتباع إيران ، فقد انشق حزب الدعوة وظهرت التناقضات الحادة بين التيارات الشيعية الصفوية وانقلب اقرب انصار المالكي عليه مثل العصائب . واذا اضفنا التشرذم في الوسط السني السياسي ، والذي دعمته أمريكا وانظمة عربية واخرها محاولة انشاء صحوات جديدة باسماء مختلفة ، إلى التشرذم في الوسط الشيعي الصفوي توفرت لدينا صورة واضحة عن حالة العراق كما تريدها أمريكا واطراف كثيرة منها اسرائيل وإيران .
الان يتميز العراق بوجود تشرذمات لا حصر لها بين كافة الاطراف المشاركة في العملية السياسية وداخل كل الطوائف تنذر بخطر الصدامات المسلحة فيما بينها .كما ان الثوار يواجهون الغاما خطيرة داخلهم تهدد باندلاع حرب ضروس بينهم في اي لحظة ، وهذا بالضبط هو ما اعدته وتدعمه أمريكا واطراف اقليمية وعربية .
6 – وزيادة التنظيمات عبر التشرذم بطريقة هندسية مع تضاؤل اعضاء كل تنظيم نتيجة انقساماته يصبح هدف سيطرة القيادات الضعيفة اصلا على من معها مستحيلا وتلك هي نقطة الانتقال إلى مرحلة جديدة بالغة الخطورة . اوباما قدم لنا ما يساعد على تصور ما سيحدث فقد قال بان حل ازمة العراق يتطلب زمنا طويلا وهذا الزمن الطويل في ظل التشرذمات الهائلة المستمرة في التوالد هو الكفيل بانتاج عوامل التقسيم للعراق وفرضها كما خططت أمريكا واسرائيل وإيران .
اذن العراق الان يواجه مخططا خطيرا لاجهاض الثورة عبر تفجير صراعات متعددة في ان واحد وداخل كافة الاطراف من اجل السيطرة خصوصا على الحكم ، وهذه الحالة ينتظر ان تبرز بشكلها الاخطر عند اكتمال الثورة بتحرير بغداد لان هذا التشرذم مصمم لاجل تحويل الانجاز التاريخي الذي انتظره شعب العراق اثنا عشر عاما إلى اكبر كوارثه ، فاذا تحررت بغداد واقترن ذلك بانتشار الجماعات الصغيرة والكبيرة في بغداد كل منها يحاول الوصول للحكم بمفرده أو مع جماعات صغيرة اخرى فان النتيجة المرسومة ستتحقق وهي ايقاف التقدم نحو الجنوب لتحريره واجهاض الثورة ودفن العراق وانهاءه كما بشرت أمريكا علنا .
ومن تابعنا يلاحظ بسهولة اننا كنا نلح منذ شهور وقبل تحرير نينوى على الضرورة القصوى لاقامة تنسيق بين من شاركوا في الانتفاضة السلمية ثم المسلحة وانهاء العمل المنفرد أو حالة التنسيق الطارئ والمؤقت ، لاننا كنا ندرك بوضوح بان وصول المقاومة المسلحة إلى مراحل الحسم سوف يقترن بظواهر خطيرة منها التشرذم في حين ان المطلوب هو زيادة الوحدة بين الثوار ، واكدنا بان مصير العراق وثورته المسلحة في الانبار تفرض التوحد ومهما كانت الخلافات الايديولوجية عميقة لان مصير العراق اهم من كافة الاحزاب والكتل والجماعات .
وبالاضافة لذلك قمنا باعداد البيئة للتنسيق بنجاحنا في السيطرة على عناصر كانت منخرطة في معارك في الاعلام لا تخدم الثورة وطلبنا من انصارنا عدم الرد وتجنب اي جدل يفضي إلى المعارك مع اي طرف باستثناء النظام الصفوي .
كنا نرى ما رسمته أمريكا بوضوح تام وكنا نخشى على الثورة من عناصر داخلها وليس من العدو الرسمي لها ، والان نرى هذه التشرذمات الشاملة الغاما خطيرة جدا اذا تفجرت كلها أو حتى بعضها فسوف تدخل شعب العراق وقواه الوطنية ومقاومته وثواره في مفرمة لا ترحم تمزق التنظيمات الثورية وتنهيها وتحولها إلى بنادق لابادة العراقيين بلا رحمة . انظروا إلى سوريا وكيف ان الصراع الاكثر دموية هو بين من يفترض انهم اعداء النظام الصفوي وليس مع النظام وهذا الحال تريد أمريكا وإيران واطراف اخرى جر العراق اليه .
فما العمل لتجنب المفرمة بعد الشرذمة ؟ الجواب واضح وسبق وان اكدنا عليه مرارا وتكرارا :
1-الان وليس غدا يجب الاتفاق بين الثوار أو على الاقل اغلبهم على خطة عمل مشتركة ملزمة لهم تقوم على اعتبار تحرير بغداد المفتاح الاساس لتحرير العراق وتحديد البديل وهو اقامة نظام وطني قوامه وزارة تكنوقراط غير حزبية بينما تقوم فصائل الثوار بحماية الوضع الجديد واعادة بناء المؤسسات الامنية والعسكرية والخدمات الاساسية والاعداد لانتخابات حرة بعد اكتمال شروطها . واهم خطوة في هذا الاطار هي الاتفاق على ميثاق شرف وطني ملزم بعدم الدخول في صراعات عنيفة من اجل الحكم وانما ترك القرار لنتائج الانتخابات وانهاء مرحلة السيطر بالدبابات .
2-المطلوب من ضباط الجيش الوطني السابق كافة الانتباه إلى الفخاخ المنصوبة لهم والتي تتمحورحول استخدام بعضهم لاحداث الانشقاقات والمعارك من اجل تعطيل القدرة على اعادة بناء الجيش الوطني ليكون درعا يحمي العراق بعد تحريره وينهي مرحلة التشرذم . لهذا فان وطنية كل ضابط تتحدد بقدر التزامه بالعمل الجماعي مع القوى الوطنية في اطارات منظمة وانهاء حالة تعدد التنظيمات العسكرية والتي لا تضم الا انفارا وخطط لها ان تواجه التنظيمات العسكرية الكبيرة وتربك قدرتها على التحرك المرن في الساحات عند الحسم .
3-ليعلم الجميع بان مخطط الشرذمة والاعداد للمفرمة لن يستثنى منه احد من الوطنيين مدنيين وعسكريين فالكل معد للفرم لاحقا اما بيد ثوار اخرين أو بيد العدو ، لهذا فمن الضروري التخلي عن التصورات التسيطية لما سيحدث ورؤية الحالة كما هي في واقع الحال والعمل جماعيا وبصورة عقلانية تبتعد عن المغامرات العسكرية واحلام الحكم التي تبدو الان قاتلة للبعض الذي يحلم بالسيطرة بدعم من جهات ما .
4-ان ازاحة المالكي ليست سوى خطوة نحو اطلاق اليات الفرم الذاتي بعد اكمال حالات التشرذم العام والفرم قد يتحقق حينما نرى مجاميع تتحرك باسم الثورة بمعزل عن الكل وبدون تنسيق كما تفرض المصلحة الوطنية العراقية ، ونحن نعرف وواثقون من ان الثوار اقوى بكثير من اعداءهم مهما اختلفت الوانهم وهم قادرون على الحسم وانجاح الثورة بشرط اقامة تنسيق أو تعاون فعال ومباشر وباسرع وقت وقبل بدء احداث خطيرة قادمة حتما كما تدل كافة المؤشرات الاخيرة .
5-من مصلحة أمريكا وإيران الان فرم كافة التنظيمات الوطنية وغير الوطنية لاجل دفع العراق للتقسيم والتقاسم بين مختلف الاطراف خصوصا وان كلاهما تعب واستنزف في معارك سابقة أو حالية لذلك فان افضل وسيلة لتحقيق الاهداف الأمريكية والإيرانية والصهيونية هي قتل الاف وربما ملايين العراقيين بيد عراقيين واجهاض الثورة بيد الثوار انفسهم وجعل التقسيم مطلبا مقبولا تحت غطاء اقامة نظام الاقاليم .
فهل توقع النتائج اكبر من احلام السلطة ؟ هل نزوات التحكم والانفراد في الحكم اهم من مصلحة العراق ومصيره ومستقبل اطفاله ؟ وهل يمكن لمن لديه حد ادنى من الوعي ان لا يستفيد من الدرسين السوري والليبي الكارثيين ؟ وهل المفرمة بعيدة عن رقاب من سيغامر بعمل منفرد ام ان رقبته ستكون اول الرقاب المفرومة بلا رحمة ؟