ثمانية أعوام مرّت على العراق تحت حكم نوري المالكي وعصابته، تخلّلها قتل عشرات آلاف الأبرياء بذرائع مختلفة، واكتظت السجون والمعتقلات بآلاف المدنيين الشرفاء من الجنسين، وتشرّد مواطنون من كل ملّة ومهنة، يقدّرون بمليونين من الناس. ثمانية أعوام عجاف نُهب فيها المال العام، وانتُهكت أعراضٌ ومحرمات أخرى، تجذّرت في تلك الحقبة جذور الطائفية البغيضة الملعونة. بمعنى آخر، عاش العراق حقبة حالكة السواد، بقيادة المالكي، مخضّبة بدماء الأبرياء، لينعم نوري المالكي، ويشبع غرائزه الحاقدة على شرفاء العراق. اليوم، خرج المالكي بجسده من قصور الحكم في بغداد، مذموماً مدحوراً ملعوناً من كل ملّة.
السؤال الذي يطرح نفسه، هنا، هل خروج المالكي ملعوناً من كل القوى الدولية والإقليمية، وحتى الأحزاب الطائفية، ودخول الدكتور حيدر العبادي ليحل محلّه رئيساً للوزراء، سيغيّر واقع العراق الشقيق، وينتشله من براثن التقسيم والتفتيت ودياجير الطائفية والضياع؟ أم أنه سيكون صورة من صور "حزب الدعوة" ذات أبعاد أربعة، كلٌّ ينظر إليه من زاوية مختلفة، لكن الصورة تبقى واحدةً بوجه واحد؟
حزب الدعوة، الذي ينتسب اليه المالكي والعبادي، حزب طائفي مقيت، ومَن يخرج من رحمه لتولّي قيادة عليا، لن يكون نظيفاً من التلوّث بأفكار الحزب وعقيدته، يقول عزت الشابندر، في حديث عن هذا الحزب، مسجّل بالصوت والصورة: "إنه حزب متخلّف. إنه عشيرة بائسة، تافهة، تعبانة. لا دين له ولا أخلاق"، فماذا يرجو العراق والعرب من أحد قادة حزب الدعوة، وأخصّ بالذكر الدكتور حيدر العبادي الذي أصبح رئيس وزراء العراق المكلّف، بعد طرد المالكي من قصر الحكم في بغداد؟
قوبل تكليف العبادي ليكون رئيساً لوزراء العراق، بدلاً من المالكي، بالتأييد الدولي والإقليمي والطائفي، بما في ذلك أمّ الطائفية، جمهورية إيران الوليّ الفقيه، فهل يكون الدكتور حيدر العبادي رجل العراق العربي الصادق الأمين الذي سيضمّد جراح العراق السياسية، ويحلّق به في معراج الوحدة والاستقلال عن أي قوةٍ كانت، ويحقّق الانسجام الأهلي بين مكوّنات الشعب العراقي؟
مأساة العراق، اليوم، تكمن في الاستبداد الطائفي، بكل أشكاله وأنواعه، فهل يستطيع العبادي الخروج من حضن الطائفية ليكون رجل العراق؟
للإجابة على هذا السؤال، أقول إن البداية ليست مبشّرة بخير، لأن العبادي ألقى بياناً أعلن فيه "ولاءه" للمرجعية الشيعية، وأنه يسترشد بتوجيهاتها (...)"، وهذا لا يبشّر بخير لمستقبل العراق. لكن، يقول بعضهم: لا تؤاخذوا الرجل في كل ما يقول، قبل أن يحوز ثقة البرلمان على تشكيل حكومته، بعدها حاسبوه على تصرفاته وأقواله وممارساته في الحكم.
إذن، ما هو الدور المطلوب من العبادي، عندما يحوز ثقة البرلمان في الأسبوعين المقبلين؟ مطلوب منه إعلان عفو عام عن كل المعتقلين السياسيين وأصحاب الرأي وإلغاء مادة 4 إرهاب، وتشكيل لجنة لملاحقة الفاسدين في كل مفاصل الدولة، ولصوص المال العام، والقبض عليهم، والتعاون مع المنظمات الدولية لاسترجاع الأموال المهربة إلى الخارج، وإصدار قانون بحصر جميع المتضررين من الحروب التي شنّها المالكي طوال مدة حكمه على سكان الأنبار وصلاح الدين ونينوى وديالي وغيرها من المناطق العراقية، وتعويضهم عن كل ما لحق بهم من أضرار، وحل البرلمان الحالي، لأن اكتساب العضوية فيه لم تكن مبنية على قواعد نزيهة، وقد لعب فيها الفساد المالي والتهديد والترغيب من المالكي وأنصاره. ومن شأن حل البرلمان وإجراء انتخابات جديدة، أن يفتح الطريق إلى إجراء إصلاحات جوهرية، وكسب ثقة الشعب العراقي وجواره العربي.
ومطلوب من العبادي، أيضاً، إعادة الاعتبار لكل من طالب الهاشمي ورافع العيساوي، لأنهما ظُلما ظلماً شديداً من المالكي. والنقطة الأساسية، أنه إذا اعتمد العبادي المواطَنة والكفاءة والأمانة ورفض المحاصصة معايير لاختيار وزرائه، فإنه سيكون من الناجحين في إدارة الدولة العراقية وسيحظى بتأييد الغالبية العظمى من الشعب العراقي. ومطلوب من العبادي تنظيف القضاء من المعيّنين على أسس طائفية، أو محاباة، أو قرابة، أو ولاء حزبي، وأن يكون القضاء في عهده نزيهاً وفوق الشبهات. ولما كان الدستور الذي تبجّح به نوري المالكي ينص على منع تشكيل الأحزاب على أسس طائفية، أو دينية، أو عشائرية، أو مثيرة للكراهية، فهنا يأتي الدور الوطني لرئيس الوزراء المكلّف، حيدر العبادي، لتنفيذ مواد الدستور المتعلقة بهذا الشأن.
والحق أن المواطن العراقي ينتظر من العبادي أكثر ممّا ذكرت أعلاه، ليشعر بالطمأنينة على أهله وماله ووطنه.
آخر القول: أدعو صادقاً من كل قلبي الدكتور حيدر العبادي إلى أن يغتنم الزخم الدولي والإقليمي، لتشكيل حكومة وحدة وطنية عراقية، مبنية على الولاء للوطن، لا للحزب، أو الطائفة، ومبنية على الكفاءة، ووضع الرجل المناسب في المكان المناسب. آمالنا في حيدر العبادي قوية، وخوفنا من الفشل أقوى، والله وليّ التوفيق.