نشبت الحرب العالمية الثالثة في الشرق الأوسط عام 1991، عندما هوجم العراق من جيوش أكثر من ثلاثين دولة، عربية وأجنبية، وأُلحقت به الهزيمة، رداً على احتلاله الكويت، ولم تبرح معاناتنا من تلك الهزيمة المرة. وكان احتلال الكويت خطأً تاريخياً لا يُغتفر، قابله العرب، في أواخر القرن العشرين، بجاهلية وأخطاءٍ سياسية لا تُغتفر.
ولد تنظيم القاعدة من رحم الحرب الأفغانية السوفييتية، في ثمانينات القرن الماضي.
وكان وقود تلك الحرب، مالاً ورجالاً، من العرب، ولا عاقل ينكر هذا القول. انسحب الاتحاد السوفييتي من أفغانستان مهزوماً، ودخلت الجيوش الغربية إلى أرض العرب، قاصدة العراق، وفعلت فيه ما فعلت. هنا نما وترعرع واشتدّ عود تنظيم القاعدة، أي بعد الحرب على العراق، ومن ثم احتلاله عام 2003.
نقصد بالحرب العالمية تلك التي يشترك فيها تحالفٌ دوليٌ يزيد على عشرين دولة، فما بالك بالحرب على العراق التي اشتركت فيها أكثر من ثلاثين دولة، ومن قارات مختلفة، وعلى رأس تلك القوات المسلحة، كانت جيوش الدول الصناعية الأوروبية، الأكثر تطوراً في صناعة السلاح، وهذا كله في مواجهة دولة من دول العالم الثالث، هي العراق.
(2)
توالد تنظيم القاعدة وتكاثر، وانتشرت ذريته في هذه الدنيا، وطالت أفعاله "الإرهابية" دولاً كثيرة، عربية وأوروبية وأميركية وأفريقية، وما برح ذلك التنظيم يهدّد استقرار دول كثيرة. أُعلنت الحرب العالمية على ذلك التنظيم، بعد الحادي عشر من سبتمبر/ أيلول 2001، وكانت النتيجة احتلال أفغانستان، وإتمام المهمة في العراق.
ولم يتوقف تنظيم القاعدة عن أنشطته ضد الدول الغربية، وحلفائها في الشرق الأوسط. في حين استطاعت الحرب على القاعدة، القبض على بعض قياداتها، كما زعمت الدول المتحالفة، وتم القضاء، بعد سنين من الملاحقة والمطاردة، على زعيم القاعدة، أسامة بن لادن، في غارة أميركية نوعية على مخبئه في باكستان. عند هذه اللحظة، اعتقد بعضهم أن التنظيم مات وانتهى دوره، لكن ذلك فهم خاطئ، على الرغم من أن الحرب على التنظيم أخذت منحى جديداً منذ ذلك الحين، بالركون إلى طائرات بدون طيار، واعتقالات، وملاحقات لكل مَن حوله شك، أو اعتقاد بصلته بأي فرد من أفراد التنظيم، من دون نسيان العمل على تجفيف الموارد المالية للتنظيم.
كما اخترعت العبقرية الأميركية آليات عدة لمراقبة الحركة المالية عبر العالم، مثل رقم حساب بنكي له أكثر من عشر خانات، مسبوقة برقم سري معرّف ومحدّد، يُسَهِّل على السفارات الأميركية، في كل دول العالم، أمر مراقبة حسابات الأفراد والمؤسسات الحكومية والقطاع الخاص، وإلى أين تتجه الأموال. وفرضت تعاون كل دول العالم مع ذلك النمط من الرقابة المالية، بذريعة تجفيف منابع الإرهاب المالية. وفات على العبقرية الأميركية مبدأ أن لكل داءٍ دواء، ولن تعجز المنظمات السرية عن إيجاد طرق بديلة للحصول على التمويل المالي، بعيداً عن أعين الرقابة العالمية.
(3)
في هذا الشهر، أغسطس/ آب 2014، أعلنت الدول الغربية والولايات المتحدة الأميركية، وحلفاؤها من العرب وغيرهم، الحرب العالمية الرابعة. والهدف المعلن هزيمة تنظيم الدولة الإسلامية في العراق والشام، (داعش)، ويشترك فيها كلٌ بطريقته.
الولايات المتحدة الأميركية، ودول الاتحاد الأوروبي، ينحصر جهدها في عملياتها في العراق، من دون تعدّي ذلك إلى سورية، حيث المأوى المهم لمَن يبقى من تنظيم داعش. وتشير تحليلاتٌ إلى عدم ضم المجال السوري في هذه الحرب على داعش، نظراً لاحتمالية إيقاع أية أضرار بإسرائيل. رأي آخر يقول بالتركيز على الجبهة العراقية، لأن هناك حقول نفط غنية، واحتياطي نفطي كبير، وأن حماية حلفاء أميركا وأوروبا في كردستان ضرورة غربية، كذلك قهر الجهد السني، كي لا يلحق إضراراً بحلفاء أميركا من الطائفة الشيعية، والذين تحالفوا معها لاحتلال العراق وتدمير الدولة فيه، بجعلها نهباً لكل لصوص العالم.
ليست هزيمة تنظيم داعش أمراً يسيراً، لكن، يمكن تحجيم دوره، ومن المحتمل تحوّله إلى تنظيم سري يطيح كل مَن تعاون على دحر تمدّده في العراق. ويبقى السبب الأساسي الذي قام من أجله داعش، ليس طمعاً في الهيمنة والسيطرة، بقدر الدور الذي للظلم والقهر والاستبداد والطغيان والحرمان، وهي سمات الوضع الذي طال جميع أتباع السنّة في العراق وسورية. ليس بعيداً عن أيدي الغرب والولايات المتحدة الأميركية، ومساهمتهما في دعم أنظمة الفساد والاستبداد وحمايتهم. والنموذج المعبّر عن هذا التوصيف شاخص أمامنا لدى النظام القائم في دمشق، والآخر في بغداد، بقيادة حزب الدعوة "الطائفي" بامتياز.
(4)
يمكن القول إذا كانت الحرب في أفغانستان على الاتحاد السوفييتي في ثمانينات القرن الماضي، وأحداث عام 1990 1991 في الخليج العربي، وأحداث الحادي عشر من سبتمبر/ أيلول 2001، أدت إلى توسّع تنظيم القاعدة وتمدّده في معظم القارات، ودخوله الدول العربية من دون أن يُهزم حتى الآن، وإنما تولد عنه تنظيمات أشدّ عنفاً وأصلب عوداً وأكثر تمويلاً وأقوى تسليحاً وتدريباً. ذلك هو تنظيم داعش الذي أُعلنت عليه الحرب العالمية اليوم في العراق. ولا تخلو أسباب نشأته من تقاعس الكل عن نصرة الشعب السوري في ثورته ضد نظام بشار الأسد.
ستولّد الحرب على داعش تنظيماً أكثر عنفاً، وأكثر نفيراً وتسليحاً، متمتعاً بمجالٍ حيويٍّ، يكون أكثر قدرة على حمايته. اكتمل تشكيل التنظيم المنتظر، وجرى تسليحه وتدريبه، نقصد هنا تنظيم الحوثي في اليمن. والذي تمكّن، مطلع الشهر الجاري، من أن يسيطر على محافظة عمران بالكامل، مخرجاً الجيش اليمني منها، وحربه في الجوف اليمني ما زالت على أشدها، وبالقرب من منابع البترول في اليمن والسعودية جنوباً، وسيطر على مداخل العاصمة صنعاء، وخيم جنده وأنصاره حول الوزارات السيادية في العاصمة. لم تستطع الطائرات الأميركية بدون طيار الحد من تمدّد الحوثيين، وعجز الجيش اليمني عن هذه المهمة أيضاً.
آخر القول: نيران التنظيمات الإسلامية مشتعلة، والحرب دائرة على محيط دول مجلس التعاون الخليجي، القاعدة ومنظماتها في سورية تخوض حرباً ضارية، وفي شمالِ شرقِ العراق حربٌ أخرى على داعش، وفي اليمن إلى الجنوب من هذه الدول، نارٌ يكادُ لهيبها يحرق جبال السروات وأودية تهامة، والخلايا النائمة في الخليج في كل زاوية، والكل منشغل بصغائر الأمور، وعلى الأرائك متكئ.