تتحدث الأنباء عن اتفاق يرعاه المبعوث الدولي إلى اليمن بين الرئاسة والحوثيين لإيجاد مخرج للأزمة الراهنة في صنعاء من خلال تغيير الحكومة ونقاط أخرى..
وأياً كانت التفاصيل المهم على الأحزاب السياسية وحزب الإصلاح على وجه الخصوص، أن يرفض تحت أي ظرف من الظروف التنازل أو الموافقة على حلول ومبادرات الرئيس هادي التي تم تسريب بعض نقاطها، فمثلما فرض الحوثي شروطه بتغيير الحكومة من حق الآخرين أن يفرضوا شروطهم بالمطالبة بانتخابات عاجلة والتأكيد على ضرورة سيطرة الدولة على كافة أراضيها وفرض سلطتها على الجميع.
إذا كان هذا هدفاً بعيد المنال فليكن تغيير الحكومة هدفاً بعيد المنال.. فما الفرق؟.. هاهي الدولة تُدمر كل يوم؟. أليس أساس الأزمة وجود طرف مسلح ينازع الدولة سيادتها ويفرض سلطته بعيداً عن سلطتها؟.. أليس ذلك يعني أن أي حل لا يقطع أسباب الأزمة إنما يعطي المزيد من الشرعية للسلاح والحروب الأهلية التي يخسر فيها الجميع؟
لا يجب التنازل عن هذا الأمر ولا وجود لفرصة أخرى.. أما وقد حدث ما حدث في دماج وعمران والجوف وحالياً في صنعاء بما ينهي الدولة فإن الخضوع لأية ضغوط خيانة عظمى.. وقد جرب الجميع التنازلات خلال العامين الماضيين. فكلما تم الخضوع لضغوط جاءت ضغوط أخرى أشد إلى أن تتحقق أهداف تدميرية بالاحتراب الأهلي وتمزيق النسيج الاجتماعي على غرار الدول التي تحدث فيها نكبات بمعطيات لا تبعد كثيراً.
**
قبل تشجيع أي حلول الوقوف معها للتأكد من أنها ستؤدي تجنيب البلاد العنف وليس منح فرصة إضافية للادولة بما يوصل البلاد إلى الحروب الأهلية المستدامة والحفر التي قد يصعب الخروج منها بسهولة.
كل حل لا يمنح الدولة حق السيطرة واحتكار القوة هو أرضية لعنف أشد وخراب أوسع، أو بصورة أخرى تدمير ناعم للدولة.. على أن رفض الالتفاف على المبادرة الخليجية وتغيير الحكومة تحت التهديد باقتحام العاصمة ليس عرقلة للحل، بقدر ما هو الأساس السليم الذي لا يجب التنازل عنه في كل الأحوال.
ما الذي بالإمكان التنازل عنه أو الخوف منه أكثر مما أصبح عليه الوضع الآن؟، حيث بدأت الدولة تفقد سيادتها على أجزاء في العاصمة، على أن الوضع يكون خطيراً على الدولة عند خروج أي مساحة في أطرافها عن سيطرتها.. أما وقد أصبحت في العاصمة فإن الوضع قد تعدى الخطر الشديد.
ثم أين هي شرعية الرئيس هادي للبقاء مدة أكبر أو اتخاذ أي قرار؟
الحلول التي لا تقوي الدولة هي "لعبة مؤقتة" هدفها تصفية ما تبقى من الدولة ليصبح اليمنيون أمام صراع ما بعد الدولة على غرار الصومال بعد 1991.
**
الأوضاع في اليمن لا تهدد البلد وحده بل تهدد المنطقة العربية والعالم، ومن الواضح أن دول مجلس التعاون الخليجي العربية تدرك خطورة الوضع وإلى أي مدى يُراد أن يكون اليمن طريقاً إليها. والالتفاف على حكومة المبادرة الخليجية بعد أن تم الالتفاف على باقي بنود المبادرة يبدو محاولة لعزل اليمن أكثر عن الدور العربي.
وفي هذا السياق، يجدر بالدول الخليجية والقوى اليمنية الرافضة لمسار تدمير الدولة التنسيق والتعاون بموقف موحد يرفض الانقلابات عن طريق صناعة الأزمات ومن ثم فرض الخيارات كحلول. كما هو مطلوب من الأشقاء والأصدقاء مواصلة جهود التقريب من القوى السياسية الرئيسية.
يمكن للمؤيدين لتغيير الحكومة أن يضعوا مطالبهم ومن حق الآخرين أن يضعوا مطالبهم أيضاً. فمثلما يطلبون تغيير حكومة المحاصصة بحكومة ينضاف إليها شركاء جدد بما يجعل المصالح العامة وكأنها غنائم للأحزاب وكل قوة لديها ناب ينهش في جسد الوطن، من حق الآخرين وضع مطالب أخرى!
**
المؤتمر الشعبي العام موقفه المعلن في بيانات سابقة إيجابي ويجب أن يرقى إلى التحديات للوقوف ضد الالتفاف على المبادرة الخليجية والمطالبة بانتخابات عاجلة من أجل أي تغيير، كما أكد الرئيس السابق علي عبدالله صالح والمؤتمر في أكثر من تصريح وبيان وهو أن من أراد السلطة عليه التوجه إلى صناديق الانتخابات.
المزيد من المرحلة الانتقالية يعني من المزيد من انهيار الدولة ونزيف مؤسساتها، وقد جرب اليمنيون أكثر من عامين من الخدع والألاعيب ليفزوا على نتائج كارثية تهدد بانهيار تام للدولة.
ومن المهم دعم الحوثيين في العمل السياسي ويبقى الخط الفاصل بين العمل السياسي وتهديد المجتمع والدولة هو حمل السلاح وفرض سلطة بعيداً عن سلطة الدولة. انتخابات ويفوز الحوثي حتى برئاسة الجمهورية وما تبقى من مخرجات الحوار تحتاج إلى استفتاء شعبي.
**
عندما يقولون إن الحوثيين يطالبون بإضافة محافظة أو أكثر إلى إقليم آزال .. فهذا اعتراف أنهم يريدون تسليم ما يسمى "إقليم آزال" للحوثي وأن ما يحدث من حروب هو تطبيق لمخرجات مؤتمر الحوار. وما يعزز ذلك هو موقف الدولة وخطابات الرئيس التي تبشر اليمنيين بتحقيق أهدافهم كلما تقدم الحوثي نحو صنعاء. وكذلك ما يؤكده أن الحوثي كلما تقدم يقول إنه يطبق مخرجات مؤتمر الحوار.
أليس القول إن الحوثي يسعى لإضافة محافظات اعتراف مبدأي بأن اليمن بأن اليمن يقسم مذهبياً ومناطقياً؟
**
هاهي الدولة تُحاصر وتفقد جزء من سيادتها في العاصمة صنعاء.. فما الذي تبقى من قرارات هادي إلا الإطاحة التامة بالدولة... هل يُترك اليمن حتى النهاية في لعبة مكشوفة؟
أي تغيير في الحكومة يحتاج انتخابات رئاسية ونيابية عاجلة وفق الدستور النافذ، ومن ثم تصعد القيادة المختارة من الشعب لإكمال بقية الخطوات. هذا مطلب مشروع يجب وضعه مثلما تضع الجماعات الأخرى والقيادة الانتقالية خياراتها وتتحدث باسم الشعب بينما هي من يقوم بتدمير البلد حجراً حجرا وتحاول محو كل ما تم قطعه من أشواط في طريق الدولة في أكثر من 50 عاماً.
إذا كانت سيطرة الدولة أمراً مستحيلاً فليكن تحقيق أهداف الرئيس هادي وتوافقه مع الحوثيين أمراً مستحيلاً أو مرتبطاً بتحقيق الأول. وإذا كان هادي سيفرض هذه الخيارات بالاستعانة بالضغط الدولي وبتوسع الجماعات المسلحة.. فبإمكان الأطراف الأخرى الخروج إلى المعارضة! وماذا تبقى لديها لتخسره أو لتخاف منه أكثر من التهديد المتصاعد في ظل الوضع الحالي؟