الذين يخرجون إلى الميادين والساحات في أمانة العاصمة ومعظم محافظات الجمهورية في كل جمعة خلال هذه الأيام يقدرون بالملايين، وأعدادهم تفوق الأعداد التي خرجت في عام 2011 م أثناء ثورة الشعب السلمية، رغم أن تلك الإعداد كانت أيضاً بالملايين، وهذه الأعداد المتزايدة التي تخرج لم يكن تدفقها الهائل بدافع من حزبٍ معين أو جماعة أو لمشاريع ضيقة أو مصالح شخصية، ولكنها استشعرت الخطر المُحدِق بالوطن والذي يهدد الجميع فخرجت لتقول لكل مزايد ولكل مغامر ولكل من يريد تحقيق مصالحه وأجندته الخاصة باسم الجماهير ليركب الموجة مدعياً المطالبة بحقوقهم، خرجت هذه الجماهير لتقول لهؤلاء جميعا لا تتحدثوا باسمنا فقد عرفناكم، وهي تصطف مع الرئيس هادي بكل وضوح وتطالبه بأن يتحمل مسؤوليته التاريخية نحو الوطن وأمنه وثوابته الوطنية وفي مقدمتها الجمهورية والوحدة والديمقراطية والمواطنة المتساوية، وتنفيذ مخرجات الحوار وبسط نفوذ الدولة على كل الأرض اليمنية دون استثناء والعمل الجاد على تجفيف منابع الفساد وإعادة النظر في أسعار المشتقات النفطية وتحسين مرتبات الموظفين وشبكة الضمان الاجتماعي لتخفيف معاناة المواطن.
المُلاحَظ : رغم الأعداد الهائلة لهذه الحشود الصادقة والتي تخرج بتلقائية حباً في وطنها وحرصاً على تجنيبه الانزلاق إلى فتنة لا يحمد عقباها لا قدر الله، إلا أننا لا نلمس أي اهتمام من قبل المتحاورين ولا يوجد أي اعتبار جاد لهذه الجماهير ومطالبها من قبلهم وخاصةً من راعي الحوار المبعوث الأممي جمال بن عمر، فالحوار كل الحوار مع المجاميع المسلحة والتنازلات تلو التنازلات تقدم لهم، لا لأنهم الأغلبية التي تمثل صوت الشعب ولكن لاعتبار امتلاكهم لمليشيات مسلحةٍ وسلاحٍ ثقيل وحصار للعاصمة وإسقاطٍ لمحافظاتٍ والسيطرة عليها بقوة السلاح، وهذه "شرعنة" دولية بمنحهم الشرعية في كل تصرفاتهم وما يقدمون عليه، وكأن مجلس الأمن والدول الراعية تقول للشعب اليمني إن من يريد أن يُستجاب لمطالبه وتُحقَّق أحلامه سواءً كانت مشروعة أو غير مشروعة ما عليه إلا أن يفرض نفسه بقوة السلاح ويفرض على الجميع أمراً واقعاً، فلهؤلاء وللعالم أجمع نقول إنكم تلعبون بالنار وتعرضون أمن اليمن للمخاطر وبالتالي تهددون مصالحكم في المنطقة، فهذه الجماهير لم تخرج بصدورٍ عارية بتعبير سلمي خالٍ من السلاح بسبب ضعفها، ولا لأنها الحلقة الأضعف، ولكن لإدراكها مخاطر حمل السلاح وما قد يؤدي إليه ذلك مخاطر وكوارث على اليمن بشكل خاص وعلى المنطقة والعالم بشكل عام، وإذا استمرت سلبيتكم والانحياز إلى الطرف المسلح وتدليله على حساب السواد الأعظم، فإنكم ستوصلون الجماهير إلى طريق مسدود ونخشى أن يفكر البعض منهم بنفس تفكير من يعتقدون أن القوة هي من تفرض نفسها وأن الشعارات العالمية ومجلس الأمن ما هي إلا مُسكِّنات وتخدير للمغفلين، حينها لا أحد يستطيع التنبؤ بما ستؤول إليه الأمور، وستكونون أنتم من صنعَ "الدواعش" والفِرَق الضالة، فنرجو أن تدركوا ذلك وتضعوا الأمور في نصابها.
صرخة أبعثها إلى كل الفرقاء في الداخل وإلى الرعاة الإقليميين والدوليين، لعلهم يعالجون القضية اليمنية من كل جوانبها بصدقٍ، وأي انحراف عن مخرجات الحوار الوطني الشامل الذي أقره اليمنيون وشاركت فيه كل الفئات سيكون انتحاراً ونحراً للوطن، وكارثة أيضاً على من حولنا.