[esi views ttl="1"]

من أوصل الحوثيين إلى صنعاء؟ 1

إن حكم اليمن يشبه الرقص على رؤوس الثعابين

علي عبدالله صالح

دون ادنى شك فان اهم سؤال يواجه من يتابع ما يجري في اليمن هو التالي : لماذا صمتت أمريكا عن احتلال الحوثيين لصنعاء ، مع انه عمل هو الاخطر منذ بدأت المؤامرة الدولية على اليمن واتخذت شكل الفوضى الهلاكة في عام 2011 ، بينما هددت قبل ذلك الرئيس السابق علي عبدالله صالح بفرض عقوبات عليه وفقا للفصل 7 من ميثاق الامم المتحدة الذي يجيز استخدام القوة ضد من يعرقل تطبيق ما اتفق عليه رغم ان عرقلة صالح لتطبيق الاتفاق كانت عبارة عن شكوك واقوال بينما ما قام به الحوثيون غزو وافعال ؟ ان هذا السؤال هو مفتاح فهم ما يجري في اليمن الان وبدون الجواب عليه سيبقى الوضع في اليمن غامضا ومربكا .

كذلك لابد من طرح السؤال التالي : هل إيران ساذجة ستراتيجيا – كما هو حال اغلب الزعماء العرب - كي تسمح لاخرين باستخدام اتباعها في اليمن ثم تترك لهم خيار ابعادهم لاحقا ممكنا ، ام انها سوف تعزز قبضتها على اليمن مهما كلفها ذلك وترفض اي تراجع عما حققته من مكاسب مجانية ؟

مايستحق تذكره قبل غيره حقيقة ان مايجري في اليمن خصوصا احتلال الحوثيين صنعاء ليس غريبا بل هو جزء من المخطط الاكبر : سايكس بيكو الثانية اي تقسيم الاقطار العربية وفقا للطوائف والاعراق والايديولوجيات والمصالح المناطقية ، فحينما تصل القوات الإيرانية – والحوثيون قوات إيرانية صرفة دون ادنى شك - إلى صنعاء فان الامر دخل منعطفا هو الاكثر خطورة في اليمن لان الاحتلال حالة انقلابية مدبرة في الظلام لا تعبر عن موازين القوى الحقيقية في اليمن ولذلك فان الاطراف الوطنية اليمنية سوف تعيد تنظيم صفوفها وتعيد حساباتها وتغير مواقفها لمواجهة الاحتلال الإيراني .

وهذا بالضبط ما تريده أمريكا : اعداد اليمن لحرب اهلية لاتبقي ولا تذر تدمر الجميع بلا رحمة فجيش إيران المسمى الحوثيين سوف يقاتل بعناد المنتصر للاحتفاظ بما احتله – وليس كما يظن البعض بان الحوثيين كشفوا وعزلوا - بينما الاطراف الوطنية اليمنية سوف تقاتل بعناد اكبر لتحرير وطنها من غزو استعماري واضح وبلا غموض الا لمن اعماه الله . ان حربا يكون فيها كل طرف مؤمنا بانه على حق هي وحدها التي تدمر ما تبقى من اليمن . وهذا ما حققه أو سيحققه الغزو الإيراني لصنعاء .

البعض صدم بما حصل ولكن كل المؤشرات كانت تقول بان هذا كان مخططا ان يحصل منذ اشتعلت اليمن بالفوضى الهلاكة ، فاسقاط الرئيس علي عبدالله صالح لم يكن بسبب فساد في الحكم أو غيره من الادعاءات بل لسبب رئيس وغالب وهو ابعاد رئيس قوي مسيطر وضامن لامن اليمن واستقراره لثلاثة عقود في بيئة العواصف كي تفتح ابواب الفوضى الهلاكة لتضرب اليمن كما ضربت العراق وسوريا وليبيا وغيرها ، و(الانتفاضة اليمنية ) -كما سميت - لم تكن الا خطوة تدميرية رسمتها الصهيونية الأمريكية .

ولهذا لاحظ كل مراقب بان الفوضى الهلاكة بدأت حينما حصل فراغ في القيادة بعد تغييب القيادات القوية – العراق وليبيا واليمن مثلا - وبروز قيادات قزمة ومقزمة ومتنازعة فيما بينها ولا تستطيع حتى السيطرة على اتباعها عند ذاك بدأت كوارث متعاقبة ومتناسلة كما راينا . وهذا الشرط ليس له صلة بالفساد والاستبداد على الاطلاق الا بقدر التمهيد لخلق الفراغ القاتل .

لقد احتل الحوثيون مأرب وعمران والجوف ووصلوا صنعاء وسيطروا على قسم كبير منها وكل ذلك جزء من المخطط الصهيوأمريكي الذي تلعب إيران دورا اساسيا فيه ، ولذك صمتت أمريكا وبالتبعية صمتت الامم المتحدة واصاب الخرس بن عمر ! ولم تحاول أمريكا منع التمدد الإيراني في اليمن – وهي القادرة على ذلك والدليل هو ابعادها للمالكي حينما ارادت - تماما مثلما فعلت في العراق وسوريا ولبنان والسودان والبحرين وغيرها بل انها دعمت التوسع الإيراني بلا تمويه .

لقد اختلت موازين القوى في اليمن ودخل اليمن نفقا مظلما مزدحما بالافاعي السامة والعقارب الغدارة واخطرها واكثرها استعدادا لارتكاب عمليات الابادة الجماعية هي افاعي إيران العدو الاشد خطورة على اليمن وشعبه ومستقبله .

ومن يعتقد بان إيران هي التي مكنت الحوثيين من تحقيق هذا التقدم واهم فإيران مصدر قوة الحوثيين العسكرية والمالية والدعائية لكن أمريكا هي راعي التوسع الصفوي في كل الوطن العربي وليس إيران فقط . فلولا الدعم الأمريكي للحوثيين لما حققوا ما تحقق حتى الان فالمعسكرات الإيرانية في الجزر الارتيرية والتي تمد الحوثيين بالسلاح والرجال المدربين تحت نظر الاسطول الأمريكي ومع ذلك لم تمنع وصول الرجال والمال والسلاح للحوثيين عبر البحر ، وبدون تواصل الدعم الأمريكي لم يكن ولن يكون بوسع الحوثيون الاحتفاظ بما حققوه من تقدم ، فكما غدرت أمريكا بالمعارضة السورية لصالح إيران وسمحت بدخول حزب الله الإيراني إلى سوريا ليحارب المعارضة بقوتة الهائلة فانها سمحت للحوثيين وهم تنظيم اخر تابع لإيران بتنفيذ انقلاب كان يطبخ امام اعين السفير الأمريكي ادى إلى كسر هيبة صنعاء ووضعها امام استحقاق حتمي وهو اعادة كرامتها وهذا لن يحصل الا بغسل عار سقوطها المجاني طال الزمن ام قصر .

ولمن مازال يشك أو يشكك بالتلاقي الستراتيجي الأمريكي الإيراني نقول انظروا الان إلى العراق فان أمريكا تدعم إيران وميليشياتها في العراق ضد الثوار وكانت – أمريكا - ومازالت المدبر الرئيس لقضية الارهاب ومنظماته في العراق وسوريا انطلاقا من تواصل طبيعي مع موقفها الاصلي وهو التعاون مع إيران من اجل تدمير العراق وبقية الاقطار العربية خصوصا عبر اشعال حروب داخلية لا تبقي ولاتذر !

مرة اخرى ولمن لم يعرف بعد : لماذا تدعم أمريكا إيران بما في ذلك دعم ادواتها في الوطن العربي رغم ان ذلك يبدو ظاهريا مناقضا للموقف الرسمي الأمريكي ؟ علينا للاجابة الدقيقة التذكير ببعض الحقائق الجوهرية :

1-إيران اكبر صانع للفتن الطائفية : الاصل في الدعم الأمريكي للحوثيين هو الدعم الأمريكي للدور الاقليمي الإيراني بعد اسقاط الشاه ، فإيران الملالي اخطر واهم ذخيرة ستراتيجية لأمريكا والصهيونية لسبب اصبح بالغ الوضوح ، بعد كل ما حصل في العراق وسوريا واليمن ودول الخليج العربي ولبنان ، وهو ان إيران الملالي وحدها من نجحت في اشعال الفتن الطائفية في الوطن العربي وذلك اهم اهداف الكيان الصهيوني وداعميه ، ولو لم تقم إيران بعمل غير هذا فانها تستحق الدعم الستراتيجي الأمريكي والصهيوني ومساعدتها على تنفيذ خططها الاستعمارية ضد العرب . إيران تقوم بدور ستراتيجي رئيس نيابة عن أمريكا والكيان الصهيوني وبالاصالة عن نفسها وهذا هو بالضبط العامل الاساس في التلاقي بين هذه الاطراف الثلاثة ، ومن لا يأخذ هذه الحقيقة بنظر الاعتبار لن يفهم ابدا حقيقة ما يجري .

2-التطبيق الميداني : طبقت هذه القاعدة في العراق اولا بقيام تعاون مباشر بين أمريكا وإيران من اجل احتلال العراق في عام 2003 وسخرت إيران التنظيمات التابعة لها في العراق لخدمة عملية غزو العراق وتكريسه عبر توفير قوى مسلحة داعمة للغزو ( فيلق بدر وحزب الدعوة وبقية التنظيمات التابعة لإيران ) استخدمت في ان واحد في محاربة المقاومة العراقية وفي تشكيل الحكومة الجديدة . بهذا المعنى فان إيران كانت اكبر داعم للاحتلال الأمريكي للعراق والطرف الاكثر تأثيرا في العملية السياسية واستفادة منها .

فلولا إيران لما نجحت أمريكا في غزو العراق كما اعترف نائب الرئيس الإيراني محمد علي ابطحي وغيره ، ولولا وجود تنظيمات تابعة لإيران لما وجدت أمريكا عناصر تقوم بتشكيل حكومة وقوى مسلحة تابعة للاحتلال يستخدمها لتثبيت وجوده وضمان استمراريته ، وبالمقابل لولا أمريكا لما تمكنت إيران من التغلغل العميق في العراق حيث ان مظلة أمريكا هي التي سمحت لإيران بالتغلغل بعمق في العراق . وقبل غزو العراق كانت أمريكا واسرائيل هما الداعمان الاساسيان لنزعات خميني التوسعية بدليل إيرانجيت .

3- تطبيق ميداني اخر : ليس العراق فقط فأمريكا وبعد مناورات ذكية في سوريا كان محورها ادعاء دعم المعارضة وتشجيعها على تحقيق تقدم قامت بانقلاب معد سلفا فبدلا من دعم المعارضة المسلحة التي وصلت إلى القصر الجمهوري وكان بامكانها اسقاط النظام ووضع حد للصراع ومنع تدمير سوريا وطنا ودولة وشعبا ، علما انها وعدتها بتقديم (سلاح نوعي) لها لاجل حسم الصراع ، بدلا من ذلك تراجعت أمريكا بسرعة وتبنت موقفا انقلابيا فاضحا ومفضوحا يقوم على رفض القوة في تغيير النظام السوري ولم تقدم السلاح الذي وعدت به بينما من الجهة الاخرى دخلت إيران بكل قوتها ودخل حزب الله بقوته العسكرية والبشرية إلى سوريا ومنع اسقاط النظام كما اعترف حسن نصرالله رسميا !

في سوريا اذن كما في العراق ، وكما في ليبيا وكما في اليمن وكما في السودان وكما في البحرين ، ارادت أمريكا استمرار الحرب وليس وضع حد لها ، وتعمق الازمات وتجذرها وتعقدها وليس انهاءها ، لان الهدف الستراتيجي الواضح جدا الان هو تقسيم وتقاسم كافة الاقطار العربية . والانقلاب الحوثي المدبر أمريكيا وإيرانيا خطوة على طريق تقسيم الاقطار العربية ، تلك هي ام حقائق الصراع الحالي في اليمن في المرحلة الحالية وكل من يتجاهلها أو يجهلها يضع نفسه في مسار متصادم مع مسار المحافظة على وحدة اليمن وسلامة شعبه العظيم . يتبع .

زر الذهاب إلى الأعلى