تعيش جمهورية اليمن الشقيق أسوأ مراحلها التاريخية. فالحرب التي دارت رحاها في اليمن، خمس سنوات متتابعة بعد قيام الثورة في عام 1962، لم تكن بالعنف الذي يقوده هذه الأيام عبد الملك الحوثي وحليفه الرئيس السابق، على عبد الله صالح، على الشعب اليمني، وبدعم إيراني منقطع النظير، كما تقول مصادر سعودية موثوقة.
لنكن صرحاء، ما يجري، اليوم، في اليمن هو نتيجة للمبادرتين، الخليجية الثانية والثالثة، وقد بينا في وسائل الإعلام المختلفة نقاط الضعف فيهما في حينة، وقلنا: إن مبادرات مجلس التعاون "هي مبادرات أمنية"، وليست حلولاً للمشكلة السياسية اليمنية. كانت دول المجلس، إبان الثورة الشعبية ضد نظام صالح عام 2011، منشغلة بالبحث عن البديل، وكان البديل طبقاً لحسابات القوة الفاعلة في مجلس التعاون هو الرئيس الحالي، عبد ربه منصور هادي، فتوافق أغلب قادة مجلس التعاون مع رغبة القوة الفاعلة في المجلس، وقد خابت آمال من راهن على الرئيس هادي، بأنه الرجل القوي الذي سيضبط الأمن والاستقرار في اليمن.
يعود اللوم على فشل الرئيس، عبد ربه منصور هادي، في إدارة اليمن على الدول الخليجية الراعية للشأن اليمني، وليس على الرئيس وحده. يقول أحد الخبراء السعوديين إن بلاده قدمت مساعدات لليمن، تزيد عن 30 مليار دولار، وهو صادق، وقد تكون المملكة العربية السعودية قدمت أكثر من ذلك المبلغ للسلطات اليمنية. لكن السؤال في أي مجال صرفت تلك المساعدات؟ يقول المطلعون على أمور اليمن إن تلك الدولة الخليجية قدمت دعماً مالياً لعلي عبد الله صالح، ومن بعده للرئيس عبد ربه منصور، وكل تلك الأموال صرفت على البند الأمني، وليس على بند التنمية في كل حقولها في اليمن.
لم تحل المسألة الأمنية، ولن تحل، إلا باجتثاث الفقر بإيجاد فرص عمل للعاطلين، والتوسع في فتح مدارس في كل أرجاء اليمن، ومنح كل طالب وجبتين غذائيتين، فطوراً وغداء، ومبلغ من المال البسيط الذي يجعل كل أسرة تدفع أبناءها إلى المدارس، ذكوراً وإناثاً، لتحول بينهم وبين سماسرة التجنيد للحركات الإرهابية وقطاع الطرق، وإجراء ثورة ثقافية، تشمل كل الشعب اليمني، عبر وسائل الإعلام في القرى والمدارس والمساجد، يكون محورها التعريف بأهمية الأمن، وتوفير المناخ لجلب أفواج السياح الأجانب، لأن اليمن متحف حيّ يرتاده الباحثون عن الحضارات القديمة، وإقناع الناس عبر تلك الثورة الثقافية بأهمية السياحة، لأنها ستدر لهم دخلاً، يغنيهم عن لجوء بعضهم إلى تنظيم القاعدة أو الحركات الإرهابية الأخرى التي سيكون أبناؤهم ضحايا تلك التنظيمات غير الرسمية.
(2)
جريمة المبادرة الخليجية الكبرى تكمن في تمكين علي عبد الله صالح من نصف إدارة "الدولة"، بإبقائه رئيساً لحزب المؤتمر الشعبي العام الذي كان يحكم اليمن بواسطته، ولم تُجر أي تعديلات في هيكل القوات المسلحة بفروعها الثلاثة، فبقي القادة الموالون للرئيس السابق في مناصبهم.
ومن هنا نتساءل، أليس ما فعله الجيش بتسليم معسكراته بأسلحتها للحوثيين، في أكتوبر/ تشرين أول الجاري، هو ما مكنهم من احتلال العاصمة، والتمدد إلى قلب اليمن وأطرافه الشمالية على ساحل البحر الأحمر؟ وكذلك كل قوات الأمن، والحرس الجمهوري، سلاح الطيران، إلى جانب وزارات سيادية، ومنحته كامل الحصانات والامتيازات، ولأفراد أسرته كافة، ومن عمل معه في كل مفاصل الدولة. وهذه الحصانات لمنع مساءلته القانونية عما فعل، جعلته اليد العليا في الدولة، إلى جانب امتلاكه المال الوفير. وقد كون ثروته الهائلة لشخصه ولأسرته من المال العام، في وقت يئن فيه الشعب اليمني العزيز من الفقر والمرض والجهل وعدم الأمن.
كان من المفترض أن تتضمن مبادرة مجلس التعاون الخليجي فقرة، مؤداها الحجز على كل ممتلكات على عبد الله صالح وأفراد أسرته ومساعديه، وأموال الحزب الحاكم (المؤتمر الشعبي العام) في اليمن وخارجه، يعاونهم على تنفيذ ذلك الحجز مجلس الأمن الدولي. ولكن، ترك الحبل على الغارب، وما يحدث في اليمن، اليوم، هو نتيجة لتقصير دول مجلس التعاون الخليجي تجاه اليمن.
(3)
يؤكد الكاتب البريطاني الشهير، ديفيد هيرست، في مقال نشره في صحيفة "هانجتون بوست" إن اليمن سُلم للحوثيين، نتيجة اجتماع، عقد في روما في مايو/ أيار الماضي، بين إيرانيين وأحمد علي، نجل الرئيس السابق علي عبد الله صالح، قائد الحرس الجمهوري سراً، والسفير المعتمد لدى حكومة الإمارات العربية المتحدة.
ويروي هيرست، أن الإيرانيين أبلغوا السفير اليمني المذكور استعدادهم للاعتراف لوالده بوضع ما في اليمن إذا سهلت الوحدات الموالية له تقدم الحوثيين نحو السيطرة على العاصمة صنعاء، والتمدد من دون مقاومة. وتؤكد تقارير أميركية رسمية تلك المعلومات، وقد أبلغ بها الرئيس عبد ربه منصور، بواسطة سفير دولة أجنبية في صنعاء، بعد احتلال الحوثيين لها في السادس من أكتوبر/ تشرين أول الجاري.
(4)
الفهلوة الدبلوماسية التي تتبعها بعض النخب الخليجية تقود إلى كوارث. فهلوة محاربة الشيوعية في أفغانستان في ثمانينيات القرن الماضي جلبت لدول المنطقة تنظيم القاعدة، وسياسة كسر ضلع العراق بعد الحرب العراقية الإيرانية سيجلب لهم الأمن والأمان، فلم تجد تلك الفهلوة الدبلوماسية طريقها إلى النجاح، وأصبحوا اليوم نادمين على ما فعلوا بالعراق. والفهلوة الدبلوماسية، أخيراً، في اليمن بترك الحوثيين يتمددون في الهيمنة على هذا البلد، لكسر جناح حزب الإصلاح وأنصاره، ومن بعد يصير خيراً. لن يجديَ ذلك نفعاً، بل سيحل بالمنطقة شر مستطير، لا سمح الله.
خوفي وجل قلقي أن الخير لن يأتي، بل فتحت أبواب جهنم على الخليج من جنوب الجزيرة العربية، ومن شرقها ومن شمالها، فهل يلحق أصحاب الفهلوة الدبلوماسية في دول مجلس التعاون الأمر، قبل أن يستفحل، ومن بعد يكونون من الخاسرين.