المثقف العربي متهم بالتقصير وبما هو أبشع من التقصير في حق أمته وما تعاني منه في هذه المرحلة المذهلة من ويلات داخلية وخارجية ومن تشظيات لا تسلم منها حتى تلك التكوينات المتشظية أساساً عن أقطار أكبر. وهذا الاتهام الذي ينال المثقف العربي ويطارده في كل مكان من الأرض العربية هو في رأي كثيرين اتهام باطل أو مبالغ فيه. وفي الوقت ذاته ليس أسهل من اتهام المثقف، والمثقف المستقل خاصة، لأنه لا قوة تسنده ولا مليشيات تدافع عن موقفه.
وأكثر الاتهامات المنصبة على رأس المثقف تأتي من أولئك الذين لا يجرؤون على اتهام السلطات التي كانت السبب فيما وصل إليه حال الأمة، وما وصل إليه حال المثقف الذي أرعبته الإجراءات التي تتخذها الأنظمة في حق من تسول نفسه التمرد أو الخروج عن قاعدة الولاء والطاعة والاعتراف بالأمر الواقع، وأن ليس في الإمكان أبدع مما كان.
ولا مماراة في أن هناك تقصيراً حقيقياً من جانب المثقف المستغل، وأن دوره في الأحداث المتلاحقة ضئيل أو معدوم، لكن هناك جيشاً جراراً من مثقفي السلطات ومثقفي الأحزاب لا يؤدون دورهم المطلوب إلاّ أن أحداً لا يجرؤ على أن يوجه نقداً أو احتجاجاً على هذا الجيش الجرار، أو يتجه إلى البحث الدقيق في نتائج المسؤوليات المناطة به. والحديث المتداول والموصول عن تقصير المثقف إنما يأتي دائماً بلغة تعميمية وإذا ما تحددت اللغة فإن المثقف المقصود هو ذلك المستقل الذي يذهله ما يرى ويدهشه التصالح والتوافق بين السلطة والمعارضة وإذا ما حدثت بين الطرفين مناوشة ما فإنها محكومة ولا تخرج عن الكلام الذي لا يفسد للود قضية. هناك مثقفون كبار في هذا القطر أو ذاك ممن لم يعجبهم الحال المائل فحاولوا التعبير بصراحة عن رؤيتهم الرافضة لما يجري فأخرستهم أصوات المعارضة قبل أصوات السلطة.
وفي بلادنا كان للمثقف المستقل وللمثقف الحزبي المسؤول دور لا ينكر لكن أخطر ما حدث أن السلطات كانت تمتلك قدرة هائلة على تجاهل ما يقال وكأنه يخص عالماً آخر وشاعت عنها في أوساط الشعب مقولة في غاية الخطورة وهي "ليقولوا ما يشاؤون ونحن نعمل ما نشاء" وهذه المقولة وأمثالها هي التي قادت وما تزال تقود البلاد إلى حافة الهاوية.
وفي هذا الصدد لا ننسى أن عدداً من المثقفين المتميزين قد شاركوا في مؤتمر الحوار الوطني، ووجدوا في نتائجه –رغم ملاحظاتهم على بعضها- معالم طريق جديدة تؤدي إلى الاستقرار والمحافظة على وحدة البلاد وإنصاف المظلومين وإعطاء كل المكونات السياسية حق المشاركة الفاعلة في إدارة الشؤون السياسية والاقتصادية وإخراج الوطن من الصراعات المتلاحقة، لكن تأخير هذه المخرجات ووضعها موضع التنفيذ قد أدى إلى حالة من الاسترخاء أدت بدورها إلى حالة من الاحتراب والعنف والتدمير. وفي مناخ كهذا تضيع الحقائق وتخفت أصوات الأنبياء والملائكة فضلاً عن أصوات المثقفين والمفكرين.
وما يبعث على الحيرة أن قدر المثقف العربي يجعله يعيش أزمنة عديدة في زمن واحد، ويتمثل ثقافات عديدة فيها ما يمت إلى القديم وما يمت إلى الجديد. وبعد أن اختفت صورة المثقف القديم حامل قيم العلم والمعرفة حلت محلها صورة المثقف السياسي الناشط في مجالات لا تحتاج إلى كثير من العلم والمعرفة، وهؤلاء المثقفون هم المنضوون في أجهزة الدولة الحاكمة وفي أجهزة الأحزاب غير الحاكمة، وإذا كان مثقف النصف الأول من القرن العشرين في بلادنا قد قام بدور واضح في النهوض وطرح الأفكار والرؤى الرامية إلى التعبير والتطور، فإن مناخ المنازعات السياسية والقبلية والطائفية وهي سمات المرحلة الراهنة قد أوهنت من عزيمة مثقف القرن الواحد والعشرين وخلقت عنده حالة من الإحباط والرغبة في العزلة والانكفاء على النفس، وإذا ما حاول الخروج من عزلته ومن صمته وجد أن لغته لا تتناسب مع السائد من القول ولا تتناغم مع أصوات مطربي الزفة القائمة.
الكاتب والروائي محمد عبدالوكيل حازم في ديوانه الأول:
هو ديوان مدهش. وعنوانه "في انتظار فاس" المدينة المغربية ذات التاريخ العربي الأصيل. وقد كتب الشاعر قصائده في أثناء إقامته في هذا البلد الشقيق وهو منهمك في إعداد رسالة الماجستير. وكان واضحاً منذ بدايات كتاباته القصصية والروائية وكتاباته الإبداعية عن الأماكن أن شاعراً كبيراً يتحرك في وجدانه ويستعد للظهور وهذه علاماته الأولى. والديوان من إصدارات مركز التنمية الثقافية والدراسات التاريخية في المغرب.
تأملات شعرية:
حين ينام حارس الوادي
وتغفو أعينُ الرعاة
تكثر الذئاب،
تخرج الصِلالُ من جحورها
ويفقد الوادي أريج الأمن والسلاْم.
لست هنا أبكي على الزهور في الوادي،
ولا على الحمام والأغنامْ.
لكنني أبكي على بقايا الود
في نفوس الناس والوئامْ.