فاجأتنا، يوم الجمعة الماضي، وسائل إعلام السلطة الفلسطينية في رام الله بوقوع 15 تفجيراً حول مقار قيادات فتحاوية في غزة، ومنصة إحياء الذكرى العاشرة لاغتيال الشهيد ياسر عرفات، المقرر انعقاد مهرجانها اليوم الثلاثاء،.
وألقت قيادة حركة فتح بالمسؤولية عن هذه التفجيرات على حركة حماس التي أنكرت ودانت بشدة هذه العمليات الإجرامية، وطالبت بعدم التعجل في إصدار قادة حركة فتح الاتهامات.
بسرعة البرق، عقدت اللجنة المركزية لحركة فتح اجتماعاً طارئا برئاسة السيد محمود عباس، وتدارسوا ما حدث، وتناوب أعضاء الاجتماع في رام الله على الميكرفونات وشاشات التلفزة بحملة منظمة لاستثارة الرأي العام الفلسطيني ضد "حماس" المتهمة.
(2)
يعلم عزام الأحمد، والذي بح صوته، وهو يردد عبارات الاتهام لحماس والتحدي بإقامة المهرجان "رغم كل الظروف"، اليوم الثلاثاء، بمناسبة ذكرى استشهاد ياسر عرفات، يعلم أن مهرجان فتح السنوي في هذه الذكرى ينعقد في غزة كل عام، وبمشاركة حماس، لأن عرفات من رموز الثورة الفلسطينية، وليس بصفته فتحاوياً، فلماذا التحدي؟ ألا يشكل ذلك استفزازاً لا حاجة له؟ يقول الأحمد، في بيانه المتلفز، إن لديه معلومات من مصادر حمساوية مسلحة تفيد بأن حركة حماس تقف خلف تلك التفجيرات، وعليها أن تكشفها طواعية. وأكد ذلك القول محمود عباس في بيانه تالياً.
والسؤال: لماذا لم ينشر الأحمد تلك المعلومات التي في حوزته كما قال؟ كانت نتيجة اجتماع اللجنة المركزية لفتح إلغاء زيارة وفد من قياداتها لقطاع غزة، وكأن غزة ليست جزءاً من فلسطين. الأكثر غرابة، وبعكس كل الأعراف، يلغي رئيس وزراء حكومة الوفاق الوطني، رامي الحمد الله، وهو أيضا وزير للداخلية، زيارته المقررة إلى غزة "نتيجة الظروف الأمنية"، كما قال بيان رسمي للحكومة.
والمعروف أنه، في كل الدول، إذا وقعت كارثة طبيعية أو أحداث سياسية في أي ولاية، أو محافظة، أو ناحية في الدولة، فإن أول الواصلين إلى مقر الأحداث هو رئيس الدولة أو رئيس الوزراء ومعه القيادات الأمنية، بما في ذلك وزير الداخلية. والسؤال الموجه للحمد الله، رئيس الوزراء وزير الداخلية الفلسطيني: من منعه من الانتقال إلى غزة، وتشكيل لجنة من قضاة محايدين، للتحقيق في تلك الأحداث وتحت إشرافه، وضبط الأمن بصفته وزيراً للداخلية؟ وحتماً، سيكشف التحقيق النزيه بواطن الأمور.
لا يخدم الاكتفاء بالاتهامات لأي جهة القضية الفلسطينية. ومن حقنا كمراقبين ومتابعين للشأن الفلسطيني، أن نبني على تسلسل الأحداث في فلسطين أن هناك مؤامرة على غزة، تبدأ بالعمل على نزع سلاحها، وتدمير ملاجئها "الأنفاق"، وعدم إشراكها في الإشراف على إعادة إعمار غزة، وأن كل المساعدات المالية يجب أن تدخل في حسابات السلطة، ولا تذهب إلى غزة، إلا عن طرقها.
أذكّر بأن أموال إعادة إعمار جنوب لبنان الذي قامت به دولة قطر عام 2006 بعد العدوان الإسرائيلي لم تدخل في حسابات الحكومة اللبنانية، وإنما أشرف على تلك الأموال وأدارها قطريون، ومن الجهات المستحقة لإعادة إعمار ما تهدم من ممتلكاتهم. إيران فعلت الشيء نفسه في إعادة إعمار الضاحية الجنوبية لبيروت، أشرفت على أموال الإعمار، ولم تدخل خزائن الدولة اللبنانية، وإنما ذهبت للمتضررين وليس غيرهم. فلماذا تصر السلطة في رام الله على أن تدخل كل أموال إعادة الإعمار إلى حساباتها؟
(3)
دولة قطر تقدمت بمشاريع لإعمار غزة، منها تعبيد الطرق المتهالكة في القطاع، منها شارع صلاح الدين، والطريق الساحلي، وبناء مدينة الشيخ حمد السكنية والمهداة إلى من يستحق على عجل من أهل غزة، وإنشاء مدارس ومراكز صحية، وغير ذلك من المشاريع الحيوية. تواجه تلك المشارع صعوبات جمة لإنجازها.
وقد أعلنت الجهات المختصة القطرية في قطاع غزة أن تلك المشاريع الإنشائية ستتوقف كلياً في الأسبوع المقبل، وسيتعطل عن العمل مئات العمال الفلسطينيين، لأن السلطات المصرية، حتماً، وبمعرفة السلطة الفلسطينية، لم تسمح بدخول المواد الإنشائية، على الرغم من تعهد دولة قطر بتسديد تكلفة المراقبين الدوليين المكلفين بمراقبة مواد البناء والإعمار، بهدف سرعة الإنجاز. لكن السلطة لم تحرك ساكناً، على الرغم من علاقتها الحميمة بالنظام القائم في القاهرة. إن الحاكمين في رام الله يتعاملون مع قطاع غزة كأنه عدو مبين، بينما يتوسلون للتفاوض مع إسرائيل منذ عام 1993، ولم تجدِ تلك المفاوضات نفعاً.
(4)
منذ شهر أكتوبر/تشرين الأول من العام الجاري ومدينة القدس لم تهدأ من اعتداءات إسرائيل على المصلين، ومنعهم من الصلاة، واقتحامات قيادات إسرائيلية ومتطرفين يهود باحات المسجد الأقصى.
وتقوم السلطات الإسرائيلية بهدم منازل مواطنين فلسطينيين من سكان القدس، ومصادرة أملاك بعضهم، وجديد المصادرات أراضي قرية إكسا، ولم تحرك تلك الأعمال الإرهابية الإسرائيلية ضد الفلسطينيين شعرة في جفن قيادات اللجنة المركزية لفتح التي لم تدع لتدارس الاعتداءات على المسجد الأقصى، واكتفت بإصدار بياناتٍ لا قيمة لها. أما محاولة التفجيرات في قطاع غزة فقد استفزت اللجنة المركزية لفتح، وعُقد اجتماع طارئ، ذكر أعلاه، بهدف إصدار بيان اتهام حماس في تلك التفجيرات.
من حقنا أن نقول إن تلك الاتهامات والممارسات العملية من القيادات في رام الله ما هي إلا مبرر لفك الارتباط بغزة، والقضاء على المصالحة التي أدت إلى تشكيل حكومة الوفاق الوطني الفلسطيني، وذلك يتماشى مع المطالب الإسرائيلية، وإشارة إلى استعداء إسرائيل ومصر السيسي للقيام بعدوان على قطاع غزة.
آخر القول: يدين أصحاب الرأي الحر في الوطن العربي، ويستنكرون تلك التفجيرات ضد قيادات فتحاوية في غزة. إنه عمل إجرامي شنيع، يجب ضرب رقاب فاعليه، بعد التحقيق النزيه والعادل، كما يدينون ويشجبون ويجرّمون أي اتهام لأي طرف من أطراف المشتغلين بالشأن الفلسطيني فيما حدث في غزة، من دون إثبات مادي، وبعد تحقيق عادل وشفاف من جهات قضائية نزيهة.