العهر المعتق نبع الرذيلة العلنية
السؤال الثاني : من هي الجهة المسؤولة كوارث الوطن العربي خصوصا منذ عام 2011 ؟ انها عصابة الشياطين الثلاثة : اسرائيل الشرقية (إيران) واسرائيل الغربية وأمريكا ، فالطرفين الاولين لديهما ثأرات وصراعات سوبر ستراتيجية وتاريخية مع العرب وهي صراعات وجود وليس صراعات حدود أو سياسية ، اما الطرف الثالث اي أمريكا فان صراعنا معها صراع ستراتيجي .
وتتعقد الصراعات بين هذه الاطراف الثلاثة والعرب بسبب :
أ-اعتبار أمريكا الوطن العربي احد اهم شروط سيطرتها على ازمتها البنوية والتمكن من فرض نظامها العالمي على العالم من خلال استغلال موارده وموقعه الستراتيجي .
ب- اما اسرائيل الشرقية فان الحاجز الطبيعي المانع لتوسعها الامبريالي هو العراق وبدون السيطرة على العراق لا امل لإيران ببناء امبراطورية فارس بالاضافة إلى ان موارد إيران لا تكفي لبناء امبراطورية فارسية لذلك فالاستيلاء على ثروات عربية امر جوهري ، واسرائيل الغربية اصلا دولة قامت على ارض عربية بالاحتلال الكامل وهي ارض فلسطين وهذا احد اهم اسباب اعتبارها العرب العدو الاخطر الذي يهدد وجودها غير الشرعي من جهة ، ولان فلسطين فقيرة الموارد ولا توفر حتى الحد الادنى لتحقيق الحلم الصهيوني الاكبر ( ارضك يا اسرائيل من الفرات إلى النيل ) لذلك فهي بحاجة ماسة لثروات العرب واسواقهم من اجل التوسع الامبريالي ضمن حدود اسرائيل الكبرى أو التوراتية .
فالعرب اذن امام عصابة الشياطين الثلاثة الذين يحلون مشاكلهم الجيوبولتيكية والاقتصادية بالسيطرة على موارد العرب وارضهم ويبنون مستقبلهم على تهديم مستقبل العرب فالارض والموارد التي تحتاجها اسرائيل موجودة في ارض العرب وهذا هو حال إيران كذلك . من هنا فان القواسم المشتركة بين هذه الاطراف الثلاثة تجعلها موضوعيا وعمليا واحيانا رسميا في جبهة واحدة ضد العرب . ولذلك نرى ان هذه العصابة تقف الان وبلا غموض سوية ضد العرب ووحدة اقطارهم في العراق وسوريا واليمن والبحرين ولبنان وكافة دول الخليج العربي وتدعم اسرائيل الغربية وأمريكا الاداة الطائفية لإيران بوضوح .
السؤال الثالث : كيف نجح الشياطين الثلاثة في تحقيق مكاسب ستراتيجية في العراق وسوريا واليمن بشكل خاص ؟ للاجابة على هذا السؤال ينبغي ملاحظة ان الصهيونية الأمريكية وبالتعاون مع اسرائيل الشرقية نفذت ما يلي :
أ- نشر الفتن الطائفية : ان الطائفية التي حولت الولاء من الولاء للهوية القومية والوطنية إلى ولاء للطائفة ومن ثم إلى إيران قد حققت اختراقا جوهريا خطيرا في بعض الاقطار العربية وخصوصا العراق وسوريا ولبنان واليمن والبحرين ، وهيمنة الولاء الطائفي كان الخطوة كانت اساسية في اختراق الوحدة الوطنية وبروز صراعات داخل كل قطر بين ابناء شعبه ، وبما ان هذه الحالة هي اهم اهداف اسرائيل الغربية وداعمتها أمريكا فان دعم اسرائيل الشرقية حاجة ستراتيجية لا غنى عنها .
ب- حكم الحثالات : اختارت أمريكا اسوأ العناصر اخلاقيا وثقافيا وعلميا واكثرها تخلفا وافتقارا للخبرات لاستلام الحكم في العراق بعد غزوه ، اما إيران فان عناصرها بطبيعتها حثالات امية أو نصف امية واغلبهم لصوص وخونة ومدانين اخلاقيا ، وبما ان هؤلاء هم من استلموا العراق فان النتيجة معروفة سلفا ، فقطر مثل العراق كان متقدما في نظامه العام وثقافته ومسؤوليه وجيش التكنوقراط الذي ملكه وقع تحت حكم اميين أو انصاف اميين ساقطين اخلاقيا وبلا تأهيل اداري لهذا فان كارثة العراق تحت حكم هؤلاء طبيعية ولابد منها .
وأمريكا اختارت الحثالات لحكم العراق متعمدة ، تماما مثلما حلت الجيش متعمدة ، لانها كانت ومازالت تريد تدمير العراق بتسليم مقدراته لاميين ولصوص ، اما اسرائيل الشرقية فقد كانت مضطرة للاعتماد على اميين لانهم هم كل ما لديها ولولا اميتهم وتخلفهم لما خانوا وطنهم من خلال اعتبار الطائفية هوية لهم بدل الوطنية . بل من الضروري الاشارة إلى ان اسرائيل الشرقية مثل أمريكا واسرائيل الغربية من مصلحتها ان يكون نغولها من الاميين وانصاف الاميين والمتخلفين كي تستطيع السيطرة التامة عليهم وتضمن عدم تمردهم عليها عندما يكتشفون بان طهران تعمل من اجل مصالحها الانانية على حساب العراق . فالامية والتخلف والسقوط الاخلاق من مميزات ادوات اي احتلال اجنبي خصوصا اذا كانت خطته تهدف إلى تدمير البلد المحتل وليس السيطرة عليه وابقاءه سليما .
وما حصل للعراق من تدهور سريع عام في الاخلاق والخدمات وادارة الحكومة كان ومازال نتاج خطة أمريكية متعمدة لانهاك شعبه بالازمات الداخلية والتي تجر القطر إلى التهلكة والتشرذم والهجرة والاهم التخلي عن القيم الوطنية والاخلاقية وقبول الاحتلال كوسيلة للتخلص من شروره . اما اسرائيل الغربية فلها مصلحة اساسية في انهاء العراق بتوجهاته القومية العربية المعروفة وبتركيبته الانضباطية الفريدة بحرمانه من كل ما من شأنه تحقيق الاستقرار وتوفير الخدمات وانهاء المعاناة ، فكل تلك المواصفات تجعل من العراق خصما خطيرا يهدد استمرار احتلال الصهيونية لفلسطين .
كانت ومازالت عملية خلق المعاناة المعقدة هدفا أمريكيا صهيونيا مباشرا ولهذا لا يجوز ان ننخدع بتصور ان تنصيب الحثالات حكاما كان خطأ أمريكيا أو سوء تقدير وانما هو مثل حل الجيش خطوة مدروسة ومطلوبة النتائج . وإيران لها مصلحة اساسية في تبعية الحثالات لها لانهم لا يفكرون ولا يفهمون الحقائق ويسعون وراء بطونهم وما بين ارجلهم فقط ومن يحقق لهم هذين المطلبين ينفذون اوامره مهما كانت لا اخلاقية أو تهلك الناس وتدمر الوطن .
ج- شرذمة الشعب : نفذت أمريكا خطة صهيوأمريكية تقوم على منع نشوء كتل كبيرة منظمة في الاقطار العربية بعد قامت في العقود السابقة بتنفيذ خطة التشجيع على تدمير اغلب التنظيمات الجماهيرية العربية وشرذمتها وتحويلها إلى تنظيمات نخبوية بلا جماهير واسعة ، وكي تستثمر أمريكا حصول فراغ في الشارع العربي نتيجة انتهاء أو اضعاف القوى الكبرى التاريخية رأيناها منذ انتهاء الحرب الباردة في التسعينيات تدرب الاف الشباب العربي ، الناقصي الخبرة واليائسين من الحياة المتدهورة وعجزهم عن الحصول على عمل مناسب ، في معاهد جديدة انشأتها لاحتواء ملايين الشباب العرب وغسل ادمغتهم ، ومنها معاهد الديوقراطية وحقوق الانسان والدفاع عن المراة والشاذين جنسيا والمبشرين بمرحلة هيمنة أمريكا على العالم .
لهذا فان ما حصل في عام 2011 كان نتاج ذلك التدريب وثمرة تلك الدورات ومن قادوا الحراك الشعبي هم شباب الفيس بوك المفتقرين للوعي السياس والتجارب الحقيقية والواقعين تحت ضغط مشاعر يأس وفراغ نتيجة فساد الانظمة العربية واستبدادها وعجزها عن توفير الحقوق حتى الدنيا منها للمواطنيين العرب .
لكن طبيعة تركيب ووعي هؤلاء الشباب كانا لا يصلحان لقيادة الجماهير بصورة صحيحة فعجزوا عن معرفة ما يجب بعد اسقاط النظامين في تونس ومصر وكانت تلك احدى اهم الضوابط الأمريكية لخطة الانتفاضة ، ومهد العجز الشبابي لتحويل الانتفاضة إلى ردة ومناخا لاسوا الكوارث العربية فقد حصل فراغ خطير بعد افشال الدولة وتبعه عجز شباب الفيس بوك عن التحول إلى بديل لمن سقط ليملء الفراغ فكان طبيعيا ان تتقدم قوى اخرى لملء الفراغ في الدولة والمجتمع .
مرة اخرى نرى الحقيقة كما هي : ان الطبيعة التشرذمية لمن قاموا باشعال شرارة الانتفاضة في تونس ومصر المقترنة بالتخلف السياسي والفكري والافتقار للجاذبية (الكاريزما ) كانت السبب الذي جعل الهبة الجماهيرية الملايينية في مصر تتحول إلى صراعات عبثية قاتلة بين كتل واحزاب صغيرة لا يستطيع اي منها ملء فراغ السلطة .
كان الافتقار للقيادة الواعية والمقتدرة احد اهم اسباب تحول الانتفاضة المصرية إلى فوضى هلاكة لان النخب فشلت في تحقيق احد اهم قواعد الثورة وهو السيطرة على حركة الجماهير الثائرة وقيادتها لتحقيق اهداف ستراتيجية موضوعة سلفا .
الجماهير التي انتفضت كانت تتوقع وجود من يقودها ويحقق اهدافها لكنها صدمت بحقيقة ان شباب الفيس بوك اعجز من ان يعرفوا انفسهم ويسيطروا على نوازعهم الشخصية . وكان ذلك مرسوما سلفا وفقا لدراسات نفسية قامت بها المخابرات الأمريكية . وهكذا فشرذمة الجماهير بجعل خياراتها محصورة بين تنظيمات نخبوية صغيرة عاجزة عن الحسم كان خطة مدبرة تماما مثل حل الجيش واختيار عناصر امية وفاسدة لتكون حكاما على العراق .
وفي العراق مثلا كان من بين اول خطوات الاحتلال اصدار قانون اجتثاث البعث وهو اكبر حزب جماهيري في العراق والحزب الوحيد الجماهيري الذي يضم كافة العراقيين وبغض النظر عن دينهم أو طائفتهم أو اثنيتهم لان المطلوب كان جعل التنظيمات الشللية النخبوية هي السائدة ورغم انشاء اكثر من 300 حزب ومنظمة وبتمويل أمريكا سخي فانها عجزت عن تحقيق استقطاب جماهيري وولدت وهي ميتة .وسبب الفشل هو وجود قوى شعبية منظمة عريقة تملك خبرات ادارية ضخمة بالاضافة لقوى شعبية مسلحة اعدت قبل غزو العراق .
لهذا فان من يتصور ان انتفاضة مصر وتونس تعرضت للفشل بعفوية يرتكب خطأ كبيرا فالفشل كان مقررا سلفا لان المطلوب كان اطلاق انتفاضة تسمح باشراك ملايين الناس في النضال ضد الانظمة ثم بعد انتشار الانتفاضة التي لا تقودها منظمة مجربة ومقتدرة ولا تملك عناصر السيطرة على مسارها تتعرض للتشرذم والاختفاء التدريجي وتحل محلها فوضى دموية تحرق الاخضر واليابس . اليس هذا ما حصل في مصر وتونس واليمن وسوريا ؟ اين شباب الفيس بوك الذين كانوا قادة الحراك الشعبي الضخم ؟ لقد احيلوا على التقاعد مبكرا أو سحبوا استعداد لمرحلة قادمة .
د-شرذمة الفصائل : ان من يتصور بان تعمد أمريكا دعم وانشاء منظمات نخبوية يقتصر على التنظيمات السياسية واهم فالخطة تتضمن فرعا هو الاخطر فبروز نخب صلبة التكوين بين نخب هشة التكوين يسمح برفض العناصر الصلبة التكوين النتائج السلبية للانتفاضة وبقدر ازدياد سلبيات الوضع وتحوله إلى مسلسل كوارث فان هذا النوع من النخب يتحول بسرعة إلى بؤر للارهاب .
ان الفشل في تحقيق حلم الثورة يدفع هذا النوع إلى حمل السلاح وبما انه يفتقر للرؤية الستراتيجية فانه يتعرض للتجريبية وهي منهج مملوء بالفخاخ الخطيرة والقاتلة للشباب ، وهنا نرى جذور بروز كتل صغيرة متطرفة تتغير توجهاتها بسرعة وبدون ضوابط سوى الانفعال اللحظي الناتج عن الاحساس بالاحباط وهذه الظاهرة تضع فصائل المقاومة امام تحديات خطيرة جدا بل هي اخطر بكثير من مواجهة قوات الاحتلال .
ه- دعم مرجعيات دينية متخلفة : يضاف إلى ذلك ان دعم أمريكا لعناصر وكتل صغيرة ذات توجهات دينية وتتميز بفقرها الثقافي واعتمادها على ما حفظته من الدين دون تعمق وتمكن حقيقي وابعاد شخصيات متنورة من علماء الدين لانها متنورة ولا تقبل باستغلال الدين في السياسة ، يفضي ال مشاكل خطيرة ارادتها أمريكا ومنها التوجه نحو العنف باسم الدين ، وهذا التوجه يتميز بالتطرف المستند إلى معين فطري قوي وفهم سطحي لمبادئ الدين فتكون هذه العناصر ادوات اشعال حروب اهلية ليس بين الطوائف المختلفة بل داخل الطائفة الواحدة ، ولعل اهم وظائف المراجع هو الافتاء بطريقة تؤدي إلى التشرذم وتواصله .
وهكذا تتناسل التنظيمات وفقا لمسلسلة هندسية وليس عددية وتصبح من ابرز اسباب التشرذم العام .
يتبع .
الحلقة الأولى