على هامش الأخبار المتدفقة يومياً من اليمن، (اغتيالات، حروب، اختطافات، تظاهرات، انشقاقات)، قد يتخيل المتابع من بعيد، صورة منطقية مختلفة عما هو حاصل في الواقع. ذلك أن الواقع المعاش ليس انعكاسا دقيقا لتلك الأخبار؛ فاليمنيون يتعاملون مع الأزمات بطريقة غير اعتيادية: مثلاً، سرعان ما يمرّ الناس بشكل طبيعي، بل وبازدحام، من مكان شهد قبل ساعات حادث اغتيال مروع، أو حيّ من الأحياء عركته المواجهات لأيام، أو مدينة سقطت للتوّ بيد ميليشيا. ثمة امتصاص واضح للصدمات ورغبة جارفة في الحياة، رغم كل شيء.
رغبة الشعب بالحياة تربك حسابات أطراف تبتكر أزمة ما، وتعول على رد فعل معيّن، ثم تأتي النتائج بخلاف ذلك. إلى الحد الذي صارت فيه الأزمات بمجملها وكأنها معركة مع رغبة الناس في الحياة ولا يزال الناس ينتصرون فيها من دون تخطيط مسبق. ومن لطائف ذلك، أن خصوم جماعة الحوثيين قد يتجرّعون منهم الويلات، لكنهم لن يتأخروا في إدانة عملية إرهابية تطال رمزاً من رموزهم أو مقراً تابعاً للجماعة. وينطبق الأمر كذلك على خصوم الإصلاح الذين أدان جميعهم حادثة اغتيال أحد رموزه في تعز (صادق منصور) قبل أسابيع، عدا عن خصوم إيران وما أكثرهم في اليمن، لكن عملية استهداف منزل السفير الجديد حسن سيد نام حظيت بإدانات واسعة من كل هؤلاء الخصوم.
هذا السلوك الإيجابي لا يبدو من قبيل التكتيك السياسي بقدر كونه يعكس الرغبة العامة في إبقاء سقف معيّن للخصومة، وتفويت الفرصة على موقدي نيران التصعيد بكافة أشكاله، وخصوصا الطائفي. وبالعودة للخصومة بين فرقاء السياسة نجدها أيضاً لا تأخذ ذات المنحى الحاد الذي تأخذه خصومات مماثلة في مجتمعات أخرى. إذ تتكفل مجالس القات بجمع عيّنات من الفرقاء في مقيل واحد ويتبادل هؤلاء فيما بينهم النكات الطريفة والتعليقات الساخرة وأغصان القات، وينتهي المقيل باعتذارات واعترافات، ثم يتطوع البعض في الأخير، بتوصيل خصومه إلى منازلهم على طريق عودته.
يبدو أن اليمنيين، في ظل هذا الجو، لا يحتاجون إلى جهود جبّارة لتقليل أزماتهم المعقّدة والمتشابكة، قدر احتياجهم إلى قيادة حاذقة تستثمر هذا المناخ التسامحي للتقريب ولمّ الشمل.