[1]
ليس غريبا أن يثير حوار د. عبدالكريم الإرياني مع صحيفة 26 سبتمبر كل هذا الاهتمام والتعليقات الراضية أو تلك الغاضبة.. ففي الحوار تحدث الرجل ربما لأول مرة في حياته بهذا القدر من الصراحة حول (بعض) وليس كل ما جرى في البلاد (لاحظوا كلمة: بعض لأننا سنعود إليها بعد قليل)، لكن الأكثر أهمية والأمر الخطير الذي لم يتحدث فيه، ولم يحرص المحاور على استنطاقه هو سؤال مصيري وكبير تتفرع تحته بضعة أسئلة: لماذا حدث ما حدث في اليمن منذ بدأت مسيرة الحوثيين للزحف إلى صنعاء بدءا من دماج وكتاف حتى وصلوا إلى الحديدة وتعز، وإب، وذمار، والبيضاء؟ ولماذا سكت كثيرون على طريقة شهرزاد عن الكلام المباح يوم كان للكلام أهمية وهم يرون بيارق الحوثيين تتقدم بثبات وأمان وسهولة لتكتسح كل شيء أمامها دون خوف من جيش الدولة ورئاستها المسنودة إقليميا وعالميا؟ وهل صحيح أن كل هذا الزحف والسيطرة الحوثية على البلاد تتم باتفاقات ثنائية تارة مع كبار ضباط الجيش وتارة مع مسؤولي الدولة، ودائما مع رئيس الجمهورية الذي اقتنع – ويقنع من يستنجد به- بأن هذا هو الواقع الذي يجب أن يقبله الجميع إما بالاستسلام أو بالاتفاق الودي!
[2]
هذا السؤال على خطورته وإلحاح الحاجة إليه؛ لم يجد له مكانا في حوار الإرياني ولم تشمله نفثاته الغاضبة، ولا وجد المحاور الهمام حاجة لوضعه بين عشرات الأسئلة التي اهتم من خلالها أن يدافع أو يعرض مواقف الحوثيين نيابة عنهم بحماس وأمانة يجعل من لا يعرف هوية الصحيفة التابعة للجيش اليمني يظن أنها إحدى صحف الحوثيين، وأن المحاور مسؤول فيها وانتهز فرصة اللقاء مع أحد أبرز السياسيين اليمنيين لمحاججته عن مواقف جماعته!
ليس تجاوزا أن نقول إن المحاور بدا حوثيا أكثر من الحوثيين أنفسهم وهو يضع تحفظاتهم واعتراضاتهم (المتوقعة) على كلام الإرياني بإخلاص وحرص وتكريرا لها.. حتى أنني أحصيت أربعين (40) سؤالا خاصا بالحوثيين، وعرضا لمواقفهم وتحفظاتهم، وتدخلا لمقاطعة الضيف أو تنبيهه أنه ظلمهم أو لم يفهمهم.. لكن سوء حظه أوقعه في حبائل الإرياني فجاءت الإجابات في غير مصلحته بل كشفت أشياء خطيرة!
أربعون سؤالا حول مواقف الحوثيين وسياساتهم وأطروحاتهم حول الشأن اليمني؛ شغلت أكثر من نصف حوار امتد على أربع صفحات من الحجم الكبير؛ ومع ذلك لم يكن من بينها واحد أو اثنان لاستنطاق الضيف عن ما وراء سقوط العاصمة ومحافظات رئيسية كجبال الرمال.. ولا لماذا انهارت دولة وجيش وأمن أمام ما بدا أنهم شبان ومراهقون وأطفال ومليشيات أو جماعات شعبية مسلحة؟ وكيف حدث أن الدولة التي أوهمت العالم أنها تخوض معركة جبارة في شبوة وحضرموت وأبين ضد تنظيم القاعدة القوي؛ استسلمت أمام جماعة شعبية، ورضيت بما حدث من تعد على دورها ووجودها بدءا من دعوى ومزاعم رفض وجود الإرهابيين أو التكفيريين ومحاربتهم وإخراجهم في دماج، ثم رفض بقاء محافظ وقائد عسكري في عمران معينين بقرار جمهوري، وصولا إلى محاربة المستشار العسكري لرئيس الدولة وأحد رجال الأعمال البارزين، وحتى التمدد والسيطرة على معظم المحافظات الشمالية والغربية بما فيها من مؤسسات سيادية كقواعد الجيش والأمن ومعسكراته، والوزارات والمصالح، والمطارات والموانيء، والبنوك.. إلخ!
هذا هو السؤال الكبير والمهم الذي كان يفترض على المحاور أن يحرص على الحصول على إجابات عنه من أخطر سياسييّ اليمن وأكثرهم معرفة بخفايا الأمور.. بدلا من الحماس المتواصل لترديد اعتراضات الحوثيين على التدخلات الخارجية و الوصاية الأجنبية، ووجود الفساد والفوضى كمبرر لكل ما يقومون به!
تخيلوا صحفيا في جريدة تابعة للقوات المسلحة ولا يجد أنه من المناسب والوطنية أن يستفز الإرياني مستشار رئيس الجمهورية بالأسئلة المتلاحقة عن الأسلحة المنهوبة من معسكرات الجيش ومخازنه التي قال ضيفه إنها بمجموعها أكثر مما يملكه الجيش نفسه.. ومتى ستعود إلى قواعدها سالمة.. وما رأيه في هذا الأمر وهل هو خطير كخطورة الإرهاب أم أنه جائز لا شية فيه؟ ولكيلا يظن البعض أن الحوار الطويل لم يتطرق إلى المسألة نهائيا نذكّر أن الضيف أشار أكثر من مرة (ومن باب إياك أعني واسمع يا محاوري) إلى الاستيلاء على الأسلحة الثقيلة والمتوسطة عندما كان يضطر للمز المحاور وهو يشيد بتوقيع الحوثيين لاتفاق السلم والشراكة!
[3]
ما كان للدكتور الإرياني إلا أن يقول ما قال في الحوار.. فلم يعد في العمر بقية تسمح بالمداراة والتغطية على الحقائق؛ حتى يمكن القول إنه حوار مودّع.. ورجل فاض به الكيل والضيق والألم، وإن كان الفيضان للأسف لم يصل به إلى درجة كشف كل شيء.. فقد كان الحديث مركزا على المرحلة الأخيرة من الأحداث بدءا من اتفاق السلم والشراكة (المهلنيش).. أما أسرار أحداث حصار صنعاء والاستيلاء على عاصمة البلاد، وما جرى قبلها في عمران فيبدو أن الدكتور قرر أنها قد توزعت في بطون الشعراء وليس في بطن واحدة مما يمنع تناولها صراحة أو تلميحا بعد أن ضاع الدم بين البطون!
بدهاء الإرياني المعروف سجل إجابات خطيرة رد بها على المحاور والذين من خلفه؛ عندما كان هذا الأخير يحاول تبرير مواقف الحوثيين أكثر من مرة وتهربهم من تنفيذ ما تم الاتفاق عليه بزعم رفضهم للتدخلات والوصاية الخارجية! وكان أبرز ما كشفه هو: أن الحوثيين الرافضين للتدخلات الخارجية والوصاية الدولية رفضوا صيغة اتفاق السلم والشراكة عندما كان نتيجة تحاور بين يمنيين في صنعاء، ثم قبلوا به وفيه بند جديد يكرس الدور الخارجي عندما زار ممثل الأمم المتحدة/ جمال بن عمر صعدة وأقنعهم به، وأسهمت إيران وسلطنة عمان في تمريره مباشرة إلى الرئاسة! وهو الاتفاق الذي كرس الدور الخارجي والوصاية الخارجية في أكثر من بند مثل البندين 13 و17 من خلال التأكيد على طلب الأطراف الموقعة على طلب المساعدة الأممية؛ وخاصة جهود جمال بن عمر؛ لتأسيس لجنة مشتركة لتنفيذ الإجراءات المتفق عليها، ومواصلة مراقبة أي انتهاكات، وعلى نزع السلاح من كل الجماعات!
الخطأ غير المتعمد الذي وقع فيه الإرياني أنه في مواجهة تدفق الأسئلة المستنكرة للتدخل الخارجي نيابة عن الحوثيين؛ استشهد بجواز الاستعانة بالدعم الإقليمي الدولي بالأنموذج اللبناني، ولأن القاعدة تقول: خاطبوا الناس على قدر عقولهم؛ فقد كان الأليق والأفحم أن يستشهد بدور الأحزاب والمرجعيات الشيعية العراقية الحليفة لإيران ليس فقط في طلب الدعم السياسي والفني الدولي؛ بل تحريض واستقدام الجيوش الأمريكية والبريطانية للإطاحة بالنظام الحاكم في العراق، وقبول ما هو أخطر من الطائرات بدون طيار، واحتلاله والسيطرة عليه، والتعاون معها في تفكيك الجيش العراقي إرضاء لها وأحد أثمان تعاونها!
ولأن الأسئلة المتعاطفة مع تحفظات الحوثيين على التدخلات والوصاية الخارجية كانت كثيرة؛ فقد طلب الإرياني أن تنشر الصحيفة مع الحوار عشر حقائق عن التدخل الإيراني في الشأن اليمني، والتزاما بالأمانة الصحفية فقد تم ذلك دون نسيان وضع عنوان يؤكد أن النشر (قصده شريف) تم استجابة لمطالب الإرياني وليس لا قدر الله.. مماحكة سياسية(!) كما وصف المحاور توضيحات الدكتور عن الدور الإيراني والعماني في تمرير اتفاق السلم والشراكة!
[4]
ازدياد حالة السخط والرفض الشعبي، والسياسي، والنخبوي، والمذهبي، والجهوي، والإقليمي بسبب سيطرة جماعة الحوثيين على البلاد؛ تؤكد قاعدة أن الانتصارات السهلة وغير المنطقية لن تدوم طويلا، وتحمل دمارها في ثناياها.. وتحضرني هنا عبارة قرأتها قبل أيام عن الأميرال الياباني/ هارا تادايكي وهو يصف هجوم بلاده على القاعدة الأمريكية في ميناء بيرل هاربور وتدمير جزء كبير من القوات الموجودة:
[لقد انتصرنا انتصارا تكتيكيا عظيما في بيرل هاربور.. وبالتالي فقد... خسرنا الحرب!].