جاء في المادة (388) من مسودة الدستور مانصه:
"تكون إدارة وتنمية ومنح عقود الاستكشاف والتطوير من مسئولية الولايات المنتجة بالتشارك مع السلطات في الأقاليم والسلطة الاتحادية، ويدير شؤون النفط والغاز والمعادن ومنح عقود الاستكشاف والتطوير هيئة وطنية مستقلة تمثل فيها الحكومة الاتحادية والأقاليم والولايات, ويكون لها فروع في الأقاليم والولايات بحسب الحاجة, ويحدد القانون مسئوليات ودور كل منها" .
وهذا النص، إضافة إلى كونه يجعل الأقاليم غير ذات جدوى،فهو،ألى ذلك، سيمكن الشركات الدولية (مدعومة بحكومات بلدانها) من التحكم بعمليات انتاج النفط والغاز بشكل تام ونهائي، إذ بموجبه سيكون بإمكان هذه الشركات إبرام عقود النفط والغاز (وكل عقود الخدمات المساعدة) مباشرة مع الحكومات المحلية في الولايات، وليس مع الحكومة الإتحادية، ولا حتى مع حكومات الأقاليم.
ولأن حكومات الولايات، ضعيفة ومحدودة الإمكانيات والقدرات، فسيكون من السهل على تلك الشركات وحكوماتها التأثير عليها والتحكم بها كليا. ولذلك أساسا،ولإعتبارات وأسباب أخرى عديدة،فإن عبارة " بالتشارك مع السلطات في الأقاليم والسلطة الاتحادية " لن يكون لها معنى في الواقع.
وفي الواقع كذلك، سيكون من شأن هذا النص، إذا ماتم تمريره فعلا، استثارة الغرائز، في الولايات المنتجة أساسا، و إلى حد ما في الأقاليم المعنية، ومن ثم، اثارة وتحفيز الخلافات والصراعات والاحترابات بصورة مرعبة على أكثر من صعيد.
الأمور في السابق لم تكن على ما يرام، هذا صحيح ،ولكن الصحيح ايضا، ان ثورة شعبية عارمة قامت وضمن مطالبها اعادة النظر في عقود النفط والغاز، وهو مادفع، على مايبدو، إلى إدراج هذا النص، والنصوص المكملة له أو المترتبة عليه، في وثيقة بنعمر إبتداء، وتاليا في مسودة الدستور. وذلك للحيلولة،على مايبدو مرة أخرى، دون إمكانية تكرار المطالبة الشعبية الثورية الواسعة تلك.
ذلك يفسر، من جهة، حاجتهم إلى إبتداع مستوى ثالث في التكوين الفدرالي الغريب، هو المستوى المتمثل بالولايات وإسناد صلاحية إدارة عقود النفط والغاز له.
ووجه الغرابة متأت من كون أن الأقاليم هي الوحدات المكونة للدولة الإتحادية، حسبما يفترض، إذا ما تم التسليم بضرورة الفدرالية جدلا. وهو مايوجب إقتصار التنظيم الفدرالي على مستويين فقط هما الأقاليم والسلطة الإتحادية،كما هو الحال في كل الفدراليات، دونما حاجة إلى المستوى الثالث هذا ،المتمثل بالولايات، بإعتبار أن تنظيم مستويات الحكم داخل الأقاليم هو من إختصاص سلطات الإقاليم نفسها، أو أن هذا مايفترض أن يكون، وإلا صارت هذه الأقاليم مستوى شكلي مفرغ من أي مضمون.
ويفسر، من جهة أخرى،حاجتهم إلى "إدخال" النص الوارد في المادة 6 من المسودة، وهو النص الجاري على نحو:
"الشعب حُر في تقرير مكانته السياسية، وحُر في السعي السلمي إلى تحقيق نموه الاقتصادي والاجتماعي والثقافي من خلال مؤسسات الحكم في كل مستوى، وفق أحكام هذا الدستور والمواثيق الدولية التي صادقت عليها اليمن". (ورد النص في وثيقة حل القضية الجنوبية، المعروفة بوثيقة بنعمر، تحت بند رقم 2).
ذلك أن هذ النص مقروءا مع نص المادة 1 من العهد الدولي للحقوق السياسية والمدنية، المحال إليه، ومنطوقه:
( 1. لجميع الشعوب حق تقرير مصيرها بنفسها. وهى بمقتضى هذا الحق حرة في تقرير مركزها السياسي وحرة في السعي لتحقيق نمائها الاقتصادي والاجتماعي والثقافي.
2. لجميع الشعوب، سعيا وراء أهدافها الخاصة، التصرف الحر بثرواتها ومواردها الطبيعية دونما إخلال بأية التزامات منبثقة عن مقتضيات التعاون الاقتصادي الدولي القائم على مبدأ المنفعة المتبادلة وعن القانون الدولي. ولا يجوز في أية حال حرمان أي شعب من أسباب عيشه الخاصة.
3. على الدول الأطراف في هذا العهد، بما فيها الدول التي تقع على عاتقها مسئولية إدارة الأقاليم غير المتمتعة بالحكم الذاتي والأقاليم المشمولة بالوصاية، أن تعمل على تحقيق حق تقرير المصير وأن تحترم هذا الحق، وفقا لأحكام ميثاق الأمم المتحدة).
يعد تضمينا لقواعد القانون الدولي، المتعلقة بالحقوق المدنية والسياسية لـ"الشعوب" ، لا يتصور وروده في نطاق "عقد إجتماعي" ينظم إجتماعا بشريا لـ"شعب" يفترض أن يقرر مصيره -كشعب،وكمواطنين أساسا- بموجب هذا العقد الإجتماعي. أي لايتصور وروده كنص دستوري ضمن دستور لشعب مخصوص قرر -أو يقرر- مصيره بموجب هذا الدستور ذاته.
بمعنى، ألا داع لإدخال نص كهذا، إلا إذا أعتبر الشعب اليمني، في الولايات المنتجة تحديدا، شعوبا متعددة الأعراق والملل والنحل، بحيث يتوجب الإقرار بحقها في تقرير مصيرها، سعيا وراء أهدافها الخاصة في التصرف الحر بثرواتها ومواردها الطبيعية... إحتكاما لقواعد القانون الدولي، التي أصبحت، بموجب هذا الإدخال، نصا دستوريا واجب النفاذ.
وبدون ذلك، أي بدون إعتبار الشعب اليمني"شعوبا" في الولايات المنتجة تحديدا، لايمكن فهم منح الولايات صلاحية إدراة عقود النفط والغاز من جهة، وإدخال هذا النص،الدولي، في النظام التشريعي المحلي، المتمثل بالدستور، من جهة أخرى.
إذ لايتصور قيام أي دولة "إتحادية" في العالم على أساس من الإقرار والإعتراف الدستوري المسبق، بحق الوحدات المكونة لها (أيا كانت تسمية هذه الوحدات: أقاليم، مقاطعات، إمارات، ولايات...الخ)، في تقرير مصيرها،قولا بحقها في السعي "السلمي" لتقرير مكانتها السياسية والتصرف الحر بثرواتها ومواردها الطبيعية، من خلال " مؤسسات الحكم في كل مستوى " ووفق أحكام الدستور نفسه.
ذلك أن الدستور - أي دستور - إنما هو تعاقد وإتفاق على "الوحدة" أو على "الإتحاد" وليس على حق تقرير المصير، تحللا من تلك "الوحدة" أو ذاك " الإتحاد".