من الأرشيف

البيت الأبيض وتابعه مجلس الأمن

لم يعد هناك أدنى شك لدى الأنظمة والشعوب في العالم أن المؤسسات التابعة للمنظمة الدولية "الأمم المتحدة" قد صارت منذ وقت ليس بالقصير تابعة للولايات المتحدة، أو بتعبير أدق وأوضح خاضعة لهذه الدولة العظمى. وفي مقدمة هذه المؤسسات الدولية "مجلس الأمن"، الذي لا يتردد بعض الساسة الأمريكيين عن القول إنه يدار عن طريق وزارة الخارجية الأمريكية وإن كل ما يُطرح على هذا المجلس من قرارات ومشاريع قرارات يتم إعدادها وصياغتها النهائية في هذه الوزارة.

ومن هنا، وبعد هذا الانتهاك المباشر لمؤسسة دولية بهذا الحجم والمكانة الدولية، فقد تضاءلت أهميتها وفقدت قراراتها القيّمة التي كانت لها لدى الشعوب. وفي حين كانت الولايات المتحدة، في زمن الحرب الباردة، لا تكاد تمتلك في هذا المجلس سوى حق "الفيتو"، الذي هو من حق الدول الخمس الدائمة العضوية فقد تغيّر الحال الآن، وصارت لا تكتفي بحق "الفيتو" الذي استخدمته عشرات المرات ضد مصالح الشعوب وضد كل ما يتعلق بالقضية الفلسطينية على وجه الخصوص، بل صارت المتحكم الفعلي والوحيد في هذه المؤسسة الدولية..

كان آخر امتحان لمجلس الأمن لكي يثبت أنه ليس مؤسسة تابعة لوزارة الخارجية الأمريكية مشروع القرار الفلسطيني الذي قدمه الأردن إلى المجلس والخاص بإنهاء الاحتلال الصهيوني، ويتضمن القرار طلباً مشروعاً وموافقاً عليه من دول العالم أجمع، باستثناءات لا تكاد تٌذكر، لكن المجلس الذي تحوّل من مؤسسة دولية يهمها أمن العالم واستقراره إلى مؤسسة أمريكية تخدم مصلحة الدولة الكبرى ومن يدور في فلكها لذلك فإنه لم يخيب أمل الفلسطينيين وحدهم، بل أمل العالم وأثبت أن شيئاً لم يتغير في هذا المجلس، أو أن شيئاً فيه لن يتغير.. ومن الواضح أن الكيان الصهيوني كان قد ضاق ذرعاً بمشروع القرار الخاص بإنهاء الاحتلال ورأى فيه دعوة لموقف دولي ضد التمدد الاستيطاني والاستيلاء على أراضي المواطنين الفلسطينيين وتحويلها إلى مستوطنات سكنية لأصحاب الجنسيات المزدوجة، فكان عليه أن يلجأ إلى حاميته الأولى في إيقاف المشروع، وقد قامت بواجب الحماية كعادتها غير عابئة بما يلحقه انحيازها السافر من إخلال بدور المجلس ودور المنظمة الدولية وكان واضحاً منذ وقت طويل..

إن مشكلة الفلسطينيين خاصة، والعرب عامة، لم تكن مع الكيان الصهيوني وحده وإنما مع الولايات المتحدة أيضاً بوصفها الراعي الدولي المنحاز إلى هذا الكيان والمدافع عن جرائمه وحروبه المتلاحقة، لكن ما يؤسف له أن بعض العرب - وليس كلهم- لا يزالون يعبّرون عن ثقتهم العمياء بهذه الدولة الكبرى التي تنظر إلى جميع العرب، بل وإلى جميع المسلمين بعين الاحتقار، ولم تتمكن مصالحها الكبيرة في الوطن العربي من أن تروّض مواقفها أو تخفف من انحيازها، ولو في الحد الأدنى، الذي بدأت تظهر به فرنسا وبريطانيا، وهما من أوائل الدول التي احتضنت هذا الكيان العدواني ومكنتا له من الوجود على أرض لا علاقة له بها حاضراً وماضياً، ولا حتى في الأساطير التي روّج لها غلاة الصهيونية الأوائل وعتاة الرأسمالية الغربية الذين كانوا ينظرون إلى الوطن العربي كأرض ميعاد اقتصادية ومناطق استثمار زاخرة بالمنّ والسلوى.

ولو كنا جادين حقاً في البحث عن الحقيقة وعن أساس المشكلات التي يعانيها الوطن العربي لوجدنا أن العرب أنفسهم بمواقفهم المتقلبة واختياراتهم المتناقضة هم أنفسهم الذين صنعوا هذه المشكلات، أو على الأقل مكنوا لها من الظهور ثم التنامي، ولا يصح أن ننسى دور الخلافات الناشبة في الواقع الفلسطيني وما أدت إليه من صراعات أفقدت القضية كثيراً من أنصارها في العالم.

ومن هنا فكما ينبغي أن توجه أصابع الاتهام إلى الولايات المتحدة على مواقفها المنحازة والمؤيدة -بلا تحفظ- للكيان الصهيوني، فإن أصابع الاتهام نفسها لابد أن توجه إلى العرب جميعاً وإلى المنظمات الفلسطينية، التي أفسحت الطريق للتدخل المباشر في الشأن الوطني الفلسطيني لعدد من الدول والقوى اللاعبة في الخفاء لتبطل كل موقف جاد، وللتشكيك في كل خطوة هادفة لإعادة وضع القضية في مكانها الصحيح.

زر الذهاب إلى الأعلى