كتبت قبل أكثر من عام ما مؤداه أن الحزب الاشتراكي بما هو حزب اليسار الرئيسي، وأحد اهم روافد الوطنية اليمنية، مطالب بالخروج من محبسيه الاثنين (محبس الفدرالية وداخله محبس أصغر هو فدرالية الاقليمين)، للاضطلاع بدوره الوطني حيال الحقوق المدنية والاجتماعية وحيال استنقاذ اليمن من التطرف الجهوي والطائفي.
ما زلت عند رأيي.
الحزب الاشتراكي ( القيادة لا الشباب الرائعون الذين ينزلون إلى ساحات الثورة دفاعا عن حلم اليمنيين في المواطنة والكرامة) بما هو رهين المحبسين، يعجز عن ملامسة احتياجات اليمنيين وهمومهم، ويبدو غالبا، عديم الحساسية حيال الانقسامات الراسية في الجماعة الوطنية اليمنية، طائفيا وجهويا، لأن لا يرى أمامه إلا "الفدرالية الشطرية"، هدفا استراتيجيا يجوز من أجله التضحية بكل نفيس، مدني وثقافي وحقوقي.
***
يستحيل قراءة الموقف الهزيل لقيادة الحزب الاشتراكي في الأسابيع الماضية خارج "العقيدة الفدرالية" التي صارت المحور والدليل في سلوكها السياسي وتحالفاتها وردات فعلها إزاء التطورات الخطيرة في اليمن.
الفدرالية ليست دينا ولا هي إله يعبد ويقدم إلى مذبحه الضحايا من البسطاء في أرجاء اليمن. وهي بالتأكيد ليست "ايديولجيا" اليسار التي تعوض عن خسارات الماضي وأفول الماركسية في نسختها اللينينية مع انهيار الاتحاد السوفييتي.
اليسار يصعد مجددا في قارات العالم. فالعدالة والكرامة والانفتاح الثقافي والحريات ومكافحة العنصرية والتطرف والشوفينية والنضال من أجل الحقوق، وبخاصة حقوق الاقليات والجماعات المهمشة، ورفض مقولات الليبرالية الجديدة وبخاصة "نهاية التاريخ" و"صراع الحضارات"، هي رسالة اليسار، قبل الماركسية اللينينة بنسختها العربية الفجة، وبعدها.
لكن "رهين المحبسين" لا يرى الغابة بل شجرة واحدة جرداء هي "الفيدرالية". وهو سوف يتحالف مع أي قوة على الأرض تعده بإيصاله إلى "الجنة الموعودة".
قيادة الاشتراكي عالقة في "المحبسين" لأن الأمر صار عقيدة مهما كانت المتغيرات غلى الأرض شمالا وجنوبا. ولأن العقيدة اكتست بأبطالها الملهمين الذين ينجرحون نرجسيا لمجرد أن تبشيريتهم المفرطة تعرضت لغدر الحلفاء في المشترك قبل عام ونصف، عندما ذهبوا مع الرئيس هادي في مشروع التقسيم الأكثر بدائية (6 أقاليم).
هناك ما يستعصي على التفسير في سلوك قيادة الحزب السابقة والمحدثة أخيرا، لدى كثيرين من شباب الحزب وأنصاره فضلا على المعلقين السياسيين. لكن مقاربة هذا السلوك (الكارثي) من زاوية "الاقليمين الاثنين) تساعد على تفكيك مواقف الحزب وتحالفاته وأولوياته في العامين الأخيرين.