لو أن " المتذاكين " الذين أفرطوا اليوم في إبتكار السيناريوهات التآمرية لإفلات الرئيس هادي من الإقامة الجبرية ؛ علقوا " تذاكيهم " لثلاثة أيام في دواليب ملابسهم ، سيكون ذلك أفضل لهم وللجمهور الذي يجهدون أنفسهم لتشويشه ، وفرملة معنوياته المرتفعة.
الحدث فرمل الانقلاب بضربة قاضية وجهت إلى نقطة ضعفه القاتلة " الشرعية " ، وهي نقطة تشبه " كعب أخيل " في المروية التاريخية المتداولة.
هذا هو المدلول الأساسي لإفلات الرئيس عبد ربه ووصوله إلى محافظة عدن ، والباقي تفاصيل لا تؤثر في هذه الدلالة ، وإن كانت الطريقة التي سيظهر بها الرئيس اليوم ، والكلمة التي سيقولها ، ستكون حاسمة في تخفيض أو تعظيم مستوى التحول في المسار السياسي والوطني المترتب على هذا " الإفلات " من الإقامة الجبرية ، والذي يحمل في طياته مستوى واسع النطاق من الممكنات الإيجابية للفعل والقدرة على المبادرة للرئيس ولكل القوى المناهضة للانقلاب الحوثي.
إما إذا صمت الليلة ، فسوف يبدد إلى حد كبير الفرصة التي أوجدها ب " إفلاته " ليعود رئيساً شرعياً لليمن.
بخروج الرئيس هادي من صنعاء ، خرجت اليمن مؤقتاً من القبضة الحوثية. هذا الخروج مرهون بكلمته التي يترقبها الجميع ، وبتوجهات وطنية تقوم على إعلانه الرجوع عن الاستقالة ودعوة مجلسي النواب والشورى للاجتماع في عدن وإعلانها عاصمة مؤقتة لليمن .
أنتهى حوار موفمبيك الآن ، وعادت المبادرة السياسية بكلها إلى طاولة الرئيس الشرعي في عدن. وهذا يفتح إمكانية لحوار من نوع آخر ؛ يقوم على جدول أعمال تتصدره قضية إستعادة الدولة لدورها في العاصمة صنعاء وكل المحافظات اليمنية.
لا مجال لبلد موحد وآمن ومستقر وديمقراطي إلا بالدولة. هذه حقيقة لابد أن تستوعبها الحركة الحوثية وتراجع مسيرتها العنفية التي تتأسس على بنية إصطفائية ترى حركتها بديلاً للدولة ، وتمنح نفسها أحقية استخدام كل الوسائل العنفية لتحقيق هدفها.
هي لحظة فاصلة التي تمر بها اليمن اليوم بعد إفلات الرئيس من الاحتجاز القسري في صنعاء.
بإفلاته استعادت المؤسسة الرئاسية زمام الشرعية ، وأفلتت معه من الإقامة الجبرية في العاصمة المهيمن عليها من قبل الحركة الحوثية.
وهذا الافلات المزدوج من صنعاء سيعيد إنتظام الدولة بكلها على أرضية العاصمة المؤقتة عدن ؛ وقد أصبحت كذلك من ساعة وصل الرئيس اليها ، حتى من دون إعلان رسمي بذلك من قبله ، والإعلان عن ذلك لو تم سيكون نتيجة طبيعية وإفصاح عن واقع الحال.
والمتوقع أن يستدعي هذا التطور الدرامي للأحداث كل القوى المناهضة للاجتياح الحوثي للعاصمة إلى الالتفاف حول الشرعية العائدة من بوابة العاصمة المؤقتة عدن.
هده القوى لا تنحصر في مأرب والجوف وتعز والمحافظات الجنوبية ، بل وتشمل القوى السياسية والشعبية المعارضة للحركة الحوثية في عموم اليمن من صعده إلى المهره.
هذا لايحيل إلى حتمية المواجهة ، بل على العكس من ذلك ؛ يرجح حتمية تجنبها ، ويجعل من الحل السياسي السلمي الإمكانية الأقرب للواقع.
فلا الحركة الحوثية لها مصلحة في مواجهة ستكون خاسرة بكل المعايير ، لها كحركة ، ولليمن كبلد ووطن لكل أبنائه. ولا الشرعية المتمترسة في عدن والقوى الوطنية والشعبية الملتفة حولها لها مصلحة في الذهاب إلى مواجهة مسلحة ستؤدي ، حتى مع فرص نجاحها ؛ إلى تعميق الانقسام الوطني ، وتخفيض فرص التوافق الواسع على حالة إجماع وطني هي أهم ما يحتاجه اليمنيين في هذه المرحلة الانتقالية الدامية والعصيبة.
الكرة في مرمى الحركة الحوثية الآن
هل تفعلها الحركة الحوثية ، وتثبت لنا حتى لمرة واحدة ، أنها تقبل بتغليب المصلحة الوطنية لكل اليمنيين ولبلدهم ، وتتخلى عن نهج المكابرة والعنف ونزعات الهيمنة التي تلبستها وتكاد أن تودي بها وبالكيان اليمني كله : شعب ودولة وبلد..؟؟