الأمور تتعقد، أكثر فأكثر، في اليمن منذ نهاية 2012. اخذ الرئيس هادي واللقاء المشترك والمؤتمر والحوثيون، اليمن في منحدر خطير يؤدي إلى هاوية.
اليمن على الحافة الآن. لدينا انقسام بين سلطة أمر واقع في العاصمة ومحافظات شمالية باستثناء تعز ومأرب، ولدينا سلطة شرعية في عدن ومحافظات جنوبية وشرقية.
في سيرورة الهرولة في المنحدر توصل المتحاورون إلى وثيقتين، إحداهما "وثيقة الحوار الوطني" والأخرى "وثيقة الضمانات". الوثيقتان هما محصلة "صناعة إجماع" لا "إجماع". ما يعني أنهما لا تصلحان أساسا لأي اصطفاف وطني من دون معالجة بعض المسائل الجوهرية فيهما. لكن أية معالجة لأي مخرج حواري يقتضي حوارا تكميليا.
أي مسار حواري جديد سيباعد بين اليمنيين إن لم تتم المسارعة إلى ملء فجوة الشرعية في المؤسسات سريعا. ونعلم أن انتخابات عامة، رئاسية أو برلمانية، غير متصورة في ظل هيمنة الميليشيات المسلحة على المدن الرئيسية وأغلب أجزاء اليمن. وهذا بدوره يستدعي التفكير مجددا في صيغة توافقية لمرحلة انتقالية قصيرة بمهام مبرمجة زمنيا، أبرزها إعادة النظر في المخرجات المختلف بشأنها أو التي تتطلب مراجعة خصوصا في ظل مفاعيلها الخطيرة على الأرض حاليا.
لقد أحدث انتقال الرئيس اليمني عبدربه منصور هادي إلى عدن انقلابا استراتيجيا في موازين القوة بعدما كان الرئيس السابق علي عبدالله صالح وعبدالملك الحوثي يظنان أن انقلابهما على الشرعية صار ناجزا، مستفيدين من الغطاء السياسي المحلي الذي توفره لهما أحزاب المشترك ومن الغطاء الدولي الذي يجتهد جمال بنعمر على ديمومته (إلى الحد الذي صار فيه مبعوثا لسلطة الأمر الواقع إلى بان كي مون!).
الحوثي (وحليفه الذي اعتذر له أمس، علي عبدالله صالح، وهذه بالمناسبة اول مرة يسمع اليمنيون فيها الحوثي يعتذر عن سوء سلوك. لقد اعتذر للرئيس السابق ونكل بالرئيس الحالي في إشارة إلى القيم التي تحكم سلوك هذه الجماعة) لديه القوة العارية من الشرعية، ولدى الرئيس هادي وأحزاب اللقاء المشترك (ناقصا حزب الحق الذي لا يمكن قراءة موقفه خارج العصبوية الطائفية والجهوية، من أسف) قوة الشرعية، وهي تتمثل أولا بالدستور باعتباره محور الشرعية التوافقية التي جاءت بهادي رئيسا ثم مددت له في فبراير من العام الماضي.
إن عودة الرئيس هادي مجددا كرئيس حر الإرادة، تستدعي تغييرا كليا لجدول اعمال الحوار الذي فرضه الحوثيون بالقوة الغاشمة على الجميع في موفنبيك مستفيدين من "الميسر" الدولي جمال بنعمر.
إن جدول الأعمال المقترح ينبغي ان يتمحور حول استعادة الدولة. واستعادة الدولة لا يتكون إلا بالتمسك بالشرعية. والشرعية لا تتجزأ. وفي هذا المجال يمكن أن يفكر اطراف الحوار في دور محتمل لمجلس النواب (الذي ترتبط شرعيته بشرعية الرئيس المنتخب) في إعادة "اليمن" إلى السياسة، من أجل ترويض الحوثي الجامح الذي يتوعد اليمنيين وغير اليمنيين بالعقاب إن لم يمتثلوا لتصوراته الخرافية عن "يمن" يربض فوق ثروة من "الحجارة"! [هناك بالفعل ثروات متنوعة في اليمن بينها ما يؤكده باحثون جيولوجيون من أن لدى اليمن القدرة على تصدير الكثير من المواد المستخلصة من صخور الجبال، لكن هذا مشروط أولا باستقرار سياسي أمني يوفر بيئة مناسبة للاستثمار].
اليمن في مسيس حاجة إلى مشروع وطني يوفر أرضية لاصطفاف وطني متجاوز للعصبيات المناطقية والطائفية. ويقنع الحوثيين (العقلاء منهم اولا) بأن هناك دائما فسحة أمام اليمنيين للعيش معا بلا حروب ومن دون اضطرار إلى إخضاع أي منطقة أو فئة في اليمن بالقوة.
اقرأ للكاتب أيضا:
دستور لا مسودة دستور
https://nashwannews.com/articles.php?action=view&id=10378