دفعت مغادرة عبدربه منصور هادي صنعاء وإعلان عودته لممارسة السلطة من عدن، الأشقاء في دول مجلس التعاون الخليجي إلى التمسك ودعم قشة شرعية هادي في مقابل سلطة الأمر الواقع التي يمثلها الحوثي في صنعاء.
دول الخليج وفي مقدمتها المملكة العربية السعودية تعتقد أن بقاء شرعية هادي مهم يمكن دعمها واعتبارها كغطاء لمحاصرة الحوثي، وإن لم يكن هادي الخيار الأفضل، إلا أنه يمكن الاستفادة من بقائه لرفض خطوات الحوثي.
هذه السياسة وإن بدت الأمر الممكن الاستفادة منه بالحد الأدنى، إلا أن هناك أموراً مهمة يجب التنبيه إليها، حتى لا يقع الدور الخليجي في فخ يوسع الأزمة ويعمقها في اليمن. وهذه الملاحظات يمكن إجمالها فيما يلي:
- إن الرئيس هادي الذي فشل في الدفاع عن صنعاء وحماية الدولة فيها، لن يعيد أي دولة ولن يحفظها من عدن، بقدر ما يؤسس عاصمة جديدة لسلطة انفصالية ستتخذ من مقاومة الحوثي والتأكيد على التمسك بالوحدة، غطاءً مرحلياً، إلى أن تنتهي من بعض الترتيبات. وبتقسيم اليمن لن تنشأ دولة جديدة في الجنوب في مقابل دولة في الشمال، بل ستدخل البلاد فخاً من الصراع، إلى اللادولة والتقسيم، وهو بالتأكيد لن يخدم استقرار وأمن الخليج.
إن أزمة تقسيم اليمن خطر أكبر من وجود الحوثي وسيطرته على صنعاء، لأن اليمن أكبر من أن يبتلعه الحوثي أو أي طرف. ويمكن في ظل يمن موحد أن يفشل الحوثي في وقت قياسي.
- معادلة وجود هادي في السلطة هي من جعلت الحوثي يتصدر المشهد ويسيطر على صنعاء، لأن هادي يمثل أجندة دولية، لا تُخفى على دول الخليج التي تعلم أن الفوضى في اليمن ما هي إلا جزء من فوضى تحتاج المنطقة. وبسبب سياسات هادي فقد وُجدت أطراف دعمت الحوثي.
اليمن ليس في عدن، وما يسمى "الشمال" حسب تصنيفات التقسيم، هو أكثر من 20 مليون يمني خطط هادي ومن يدعمه خارجياً لإغراقه بالحرب الأهلية عن طريق استدراج ودعم الحوثي إلى صنعاء وتسليمه الدولة بغية بدء صراع بطابع مذهبي وسياسي ومناطقي في العاصمة. ليتسنى تقسيم البلاد وجرها رسمياً إلى مربع الفوضى.
- انقلب هادي على اليمنيين والمبادرة الخليجية التي تنص على الحفاظ على وحدة البلاد، وبدأ تقسيم اليمن أولاً كشمال وجنوب، ثم ما يسمى "أقاليم"، تُمنح الحكم الذاتي. ويمكن لأي دولة خليجية أن تدقق في هذا المشروع، وكيف أنه لم يكن إلا خطة إنهاء الدولة ونقل اليمن إلى فوضى وصراع مناطقي مركب.
- ألغى هادي المواطنة المتساوية بين اليمنيين وجعل - حسب مقررات مؤتمر الحوار - الوظائف العليا بالمناصفة بين "جنوب" و"شمال". مع أن سكان ما يسمى "جنوب" حدود 6 ملايين وسكان ما يُسمى "شمال" نحو 20 مليون. ولم يكن هادي أو المشروع الذي مثله، يهدف لإنصاف "جنوب" وإنما إشعال الفتنة بين اليمنيين والعبث بمفاهيم وأسس الدولة، التي تنص على المواطنة المتساوية وعلى الوظائف حسب الكفاءة وغير ذلك من المعايير.
كان مشروع هادي يقود حتماً إلى انهيار الدولة، لأن من المستحيل إعادة تأسيس اليمن على نظام يتركب من عدد من الدويلات والأنظمة المسماة "أقاليم" ولا تمتلك أية مقومات أو مؤسسات بقدر ما هي افتراضات تُثني اليمنيين عن بناء الدولة وتتجه بهم إلى صراعات محلية.
- مثل هادي أو الجهات الدولية التي يمثلها، غطاءً لسياسات مدمرة للجيش وغطاء للميليشيات، وبدأ منذ العام 2012 بافتعال معارك جنوباً كان يسحب الجيش إليها ثم يجعله تحت مطارق الجماعات الإرهابية. وأصبح معتاداً أن يتعرض الجنود والضباط لهجمات تخريبية في كل أسبوع، دون أن تتحرك قيادة الدولة لوضع حد لها. وعلى العكس من ذلك فقد مثل غطاء للميليشيات، فشمالاً طلب من الجيش "الحياد" ووضع ظهره مكشوفاً. ويمكن النظر إلى موقفه في عمران، حين احتفل يوم تم تشييع قائد اللواء 310 مدرع، حميد القشيبي، وتوجه إلى عمران معتبراً أنها عادت إلى "الدولة".
**
لم يكن هناك من حل في اليمن يوقف سير البلاد إلى الانهيار، إلا إسقاط هادي، لأنه غطاء لتوسع الميليشيات وقيد يمنع الجيش والأمن من فرض الأمن يستخدم الفصل السابع للتقوي على الداخل.
ويخطئ من يصدق أن الجيش لم يكن يوالي هادي، بل كان الجيش والدولة كلها بيدها حتى سقوط عمران، أثمرت سياساته انهيار ثقة الكثير من العسكريين ومع ذلك عاد نفوذ الرئيس السابق.
استغل هادي (أو المشروع الدولي الذي يمثله) الانقسام الحاد والتناحر بين الطرفين الرئيسين في البلاد، وهما صالح ومعارضوه.
تعامل كل طرف بطريقته الخاصة تجاه سياسات هادي، إذ التزمت قوى اللقاء المشترك، وتحديداً الإصلاح ومن يحسب عليه، سياسة دعم "هادي" في كل الأحوال. ورغم كل الأخطاء، حتى لا يعترفوا بفشل مشروعهم عام 2011 ويتيحوا المجال لصالح.
وفي المقابل، استثمر صالح سياسات هادي وتعامل بحرفية لاستعادة نفوذه وتصفية حساباته. ولم يكن إيصال الحوثي أو دعمه مشروعاً لصالح كما يردد البعض، بل إن دوره جاء كطرف ثالث ركب "الموجة". وكان ملخص رأيه، هو أن وقف الانهيار لن يتم إلا بإسقاط هادي الذي أصبح يمثل مشروعاً مدمراً في كل الأحوال.
وعلى الرغم من أن العصا الدولية استخدمها هادي ضد صالح وخصومه السياسيين على حد سواء، إلا أنه كان من الصعب التقريب بينهما.
**
إجمالاً. لا يمثل هادي الشرعية المقابلة للحوثيين ولا يمثل الدولة اليمنية بل كان الغطاء الأمثل للخراب، ويحمل مشروعاً مدمراً عنوانه "دولة اتحادية في اليمن" وترجمته إنهاء الدولة اليمنية وانتقال اليمنيين إلى اللادولة، لأنه لا توجد دول ستتحد، كما تنشأ في العادة الدولة الاتحادية، وكل ما هو موجود هو مشروع إنهاء الدولة وملامحها والتأسيس لصراع داخلي يمني يُراد أن يكون طويل الأمد، يضع اليمن رسمياً في حفرة على غرار الدول العربية المنكوبة.
**
يمكن مراجعة تصريحات هادي وخطواته في عدن منذ مغادرته، للتأكد من أنه ينشئ عاصمة ولا يستخدم الشرعية سوى غطاء ولا يقف ضد الحوثيين.
كيف لرئيس سلم عاصمة الدولة وغادر أن يتم الاعتماد عليه، وهو الذي سلمها، وتآمر على البلد. على أنه لن يبني أي دولة انفصالية في عدن، بل يؤسس لفوضى يتبعها "داعش" وما إلى ذلك من حالة خارج السيطرة.
**
دعم هادي لا يضر الحوثي، حتى مع افتراض تم إسقاط الحوثي بهذه الطريقة التي تعتمد على النعرات المناطقية، فإن المشكلة في اليمن ستكون أعمق وأوسع.
كان وسيظل إبعاد هادي من واجهة الرجل الأول، هو الطريق الصحيح لوقف التدهور وإفشال مشروع صوملة وعرقنة اليمن.
مشروع هادي باختصار هو "الانفصال"، واليمنيون خارج نقاط دائرة هادي هم أكثر من عشرين مليون مواطن يسيمهم "شمال".
**
ما لم يتم الحفاظ على اليمن الموحد الذي تأسس عام 1990. فإن اليمن مهدد بأن يكون جرحاً عربياً كبيراً جديداً. ولتنظر دول الخليج ماذا بعد سقوط الكيان الوطني في العراق، وكيف أنه يصعب التحكم، بعد السكوت عن انتهاء دولة.
الحوثي الذي تقول الدول الخليجية إن سيطرته تهدد أمنها، يمكن أن تنتهي سيطرته وتنتهي مع وجود عوامل الرفض الكثيرة. غير أن التورط بتقسيم اليمن هو تدشين يمن خارج السيطرة، يتحول إلى عدة مراكز عملياتية للفوضى والجماعات المسلحة التي تنطلق لاستهداف دول المنطقة.
**
يتورط الخليج بدعم رئيس لا يمثل اليمنيين ولا يدافع عن دولتهم بل يمثل الوصاية الدولية المشجعة للميليشيات والمستهدفة لدول المنطقة. وهذا التورط يصبح أخطر.
إن دعم هادي هو عملية غدر واسعة النطاق تسلم مستقبل 26 مليون يمني مسلم إلى الدمار والتقسيم والشتات والفتن الطائفية والمناطقية.
**
لقد كان رئيساً في صنعاء، واسمه القائد الأعلى للقوات للمسلحة ورئيس الدولة، كان يمكن بسهولة أن يستقيل إذا لم يكن قادراً على إدارة البلاد والحفاظ على أمنه. لكنه ممثل "المؤامرة" وغطاء تنفيذها. وكان إسقاطه الحل الوحيد لإيقاف الانهيار، لأنه حتى بدون وجود حوثي كان يقود البلد إلى حيث لادولة.
**
إعادة هادي من عدن لن تعيد أي دولة وإذا سببت حصاراً وإرباكاً للحوثي، فهي كذلك تضر بالبلد. وليس على الخليج تجريب المجرب. ويجب التأكيد على أن اليمن ليس سنة وشيعة، وأن هذا التقسيم ليس ناجحاً حتى بنسبة 10%.
هادي لا يمثل الشرعية الدستورية فهو أول من انقلب على الدستور اليمني والمبادرة الخليجية، بل يمثل مشروع تمزيق اليمن وجره إلى اللادولة. وخروجه من صنعاء هو إكمال لمخططه بتمزيق اليمن.
**
الإفراج عن هادي كان "طُعماً" للخليج ليتمسك ب"قشة" ويدعم الطرف الخطأ في اليمن، بينما يترك اليمن الكبير فريسة للطائفية والصراع.
هادي مشروع انفصالي ودعمه عملية غدر كبرى باليمنيين لا تؤمن الخليج، بل تمهد لفوضى لن تقتصر على اليمن.