كان واضحاً للعيان أن لون واشنطن تغيّر منذ الضربات الأولى لعاصفة التحالف العربي الذي يستهدف أهدافا عسكرية للحوثيين الموالين لإيران وحليفهم علي عبدالله صالح في اليمن. وذلك لأسباب عدة أبرزها التحالف الأميركي الإيراني بالمنطقة وحرص واشنطن على ألا يلتئم أمر العرب في أي شأن.
وقد أحسنت السعودية في قيادة التحالف منذ الوهلة الأولى وخططت له بدقة وحشدت معها حزمة من الدول يصعب في اجتماعها أن تأخذ الولايات المتحدة موقفاً علنياً مناوئاً لما اجتمعت عليه هذه الدول، خصوصاً وأن الخطر الإيراني الذي يتهدد المنطقة عموما ودول الخليج خصوصا، صار أوضح من عين الشمس وأصبح التغاضي عنه ضرباً من التهلكة.
واهمٌ من يظن أن لواشنطن موقفاً مناوئاً للحوثيين رغم زعيقهم ليل نهار بالموت لها، وواهمٌ أيضاً من يعتقد أنها ستغض الطرف تماما عن نجاح التحالف العربي في مهمته لأن معنى ذلك استغناء المنطقة عن هيمنتها التامة وتشكُّل منظومة عربية مشتركة لا تخضع لابتزاز الشرق أو الغرب، من هنا سعت واشنطن للعرقلة بكل ما أوتيت من قوة وأطلقت لآلتها الإعلامية عنان التشكيك والدس والوقيعة بين دول العاصفة وأوعزت للحوثيين وصالح بالمكابرة والتحدي.
وباستثناء الجانب الإعلامي فقد ظلت كل تلك العراقيل من تحت الطاولة، وتحاشى إعلام التحالف التطرق لها أو الرد عليها، واضعاً نصب عينيه أنه أمام مهمة تاريخية لا ينبغي معها الالتفات للإرجاف والتثبيط والمكيدة.
وبعد أسابيع من انطلاق العمليات التي أطلق عليها "عاصفة الحزم" لجأ الأميركان إلى تحريك بوارجهم فاستشعرت قيادة التحالف أن لعبة أميركية إيرانية تحاك في الخفاء فبادرت دون سابق تهيئة، بالإعلان عن انتهاء "عاصفة الحزم" وبداية عملية "إعادة الأمل"، لقطع الطريق على أية مكيدة.
استمرت العاصفة بنفس الوتيرة تحت مسمى جديد، ويوماً عن يوم يخسر الحوثيون وصالح أوراقا جديدة على الأرض وسط عجز إيراني تام عن مد يد العون لأذرعها في اليمن، ووسط أزمة إنسانية خانقة في البلد بسبب توقف الملاحة وافتعال صالح والحوثيين لأزمة محروقات وقطعهم للتيار الكهربائي واستخدامهم للمنشآت الحيوية المدنية والأماكن السكنية مخابئ للسلاح.
في ظل ذلك، ازدادت الضغوط الأميركية غير المعلنة على قيادة التحالف لوقف العمليات في اليمن والعودة للحوار مع الحوثيين، وقيادة التحالف تعرف جيداً أن الضربة التي لا تكسر ظهر الحوثيين ستقويهم، تماما كما كانت حروبهم الست مع صالح، وأن الخطر على حدود الخليج ليس مزحة، وأنه لا أدل على ذلك من المناورة التي أجراها الحوثيون قبل العاصفة على حدود السعودية والتي شملت أسلحة متطورة من بينها صواريخ سام.
على الأرض استماتت ميليشيا الحوثيين وصالح في حرب المربعات والمثلثات على نطاق عدن وتعز وارتكبت مجازر فظيعة وجرائم حرب موثقة، لكن الإعلام الموجه من واشنطن ظل يحيل هذه المآسي إلى السبب الأول الذي هو في نظره عاصفة التحالف، متناسياً كل حروب الحوثيين التي لم تتوقف ضد اليمنيين وحكومتهم الشرعية منذ ثلاثة أعوام.
على عاتق ذلك كله جاءت فكرة قمة كامب ديفيد الخليجية التي تبدأ أعمالها اليوم الأربعاء بلقاء في البيت الأبيض ثم بجلسات مشاورة في منتجع كامب ديفيد الشهير، وحتى لا يتم استغلال التطورات الميدانية لصالح الضغوط الأميركية استبقت قيادة التحالف قمة كامب ديفيد، بإعلان هدنة مدتها خمسة أيام لإيصال المساعدات الإنسانية إلى اليمن، ويبدو أن القيادة حريصة على تنفيذ الهدنة خلال القمة مهما كانت الظروف، ولهذا بادر الحوثيون وصالح إلى خرقها بشكل سافر في مدينة تعز بعد ساعات قليلة من إعلانها مطمئنين من عدم الرد الجوي من طيران التحالف.
اليوم، تخوض قيادة الخليج الشابة (أربعة ممثلين شباب لدول التعاون من أصل ستة) أولى اختباراتها الحساسة حين تجلس إلى حليفها النذل الذي طالما حُسبت عليه، لتدافع عن أمنها القومي ومستقبل اليمن، وحريٌّ بها عدم الرضوخ للضغوط الأميركية مهما كانت، وعدم الاطمئنان للوعود التي قد تعرضها واشنطن بخصوص إيران، والحقيقة أن مؤشرات نجاح القادة الشباب في امتصاص الضغوط الأميركية وعدم الرضوخ لها، تبدو قوية، وأن العاصفة ستستمر حتى إعادة اليمن إلى البيت العربي واقتلاع الخطر الذي يهدد الجميع.