ما الذي يجعل الشيوعي المعتق “سعدي يوسف” يؤيد الجريمة الارهابية التي قتل فيها 39 سائحا في شاطيء سوسه التونسي، ويعيد نقسيم المجتمع العراقي على اساس طائفي مدعيا ان السنة وحدهم هم العرب بينما البقية مجرد فرس واكراد؟ هل تغلب الانتماء الطائفي السني على الشعارات الشيوعية لاخر الشيوعيين العرب كما يسمي نفسه؟ وهل فاز ابو بكر البغدادي على كارل ماركس و"الصارم المسلول" على "راس المال"؟
وما الذي يجعل المثقف المتمرد والملحد ادونيس يؤيد النظام السوري تاييدا مطلقا؟ هل هي علمانية النظام الظاهرة ام علوية النظام وعلوية المثقف الباطنة؟ وما هو "الثابت والمتحول" عند المثقف المتمرد على كل العقائد؟ هل هو العقل ام الطائفة؟
ما الذي يجعل مثقفا يمنيا علمانيا يؤيد حركة دينية جهادية مثل حركة الحوثي، بينما تكرس ناشطة يمنية مغتربة متخصصة في الدفاع عن قضايا الاطفال والنساء جل وقتها لتسيير مظاهرات تاييد للزعيم الطائفي المسؤول عن مقتل اكبر عدد من الاطفال المجندين في الحروب في تاريخ اليمن ؟ وكيف يتحول شاب هاشمي حاصل على شهادة عليا من جامعة اكسفورد إلى مقاتل في احدى الحبهات الحوثية في عدن حاملا كلاشينكوف عليه لاصق الصرخة الشهير. وما الذي يدفع الباحثة المتغربة والمتمردة على كل ما هو شرقي إلى تاييد مبدا ولاية ال البيت والترويج لعمليات القتل التي تقوم لها الميلشيا الحوثية في تعز وعدن ومارب؟ وكيف يمكن ان يقوم فيلسوف اكاديمي ملحد بالترويج لعصمة عبد الملك وعلمه الالهي وقدرته على معرفة الغيب؟ هل هي طائفية "الزيدية السياسية" ام طائفية "الهاشمية السياسية"؟ ام خليط من هذا وذاك؟
في لبنان مثلا: ما الذي يجعل مناضلا شيوعيا لبنانيا ، ومفكرا ملحدا، واكاديمية ليبرالية منافحه عن حرية المراة يعرفون انفسهم ك "شيعة" وينخرطون في تاييد مطلق لـ"حزب الله" بصفته الممثل الرسمي للطائفة الشيعية في لبنان؟ ما الذي يجعل الشابة العشرينية المتحررة خرجية جامعة باريس الاولى تمشي في مظاهرات الحزب رافعة لافتة الخمينية مثلها مثل الشابة الاخرى التي تخرجت .
وكيف يجتمع قومي وبعثي وماركسي سني على طاولة المقهي في شارع الحمراء ليتحدثوا عن انفسهم باعتبارهم "سنه" مضطهدون وليطالبوا بجهود اكثر لضمان حقوق الطائفة السنية في البلد.
الانبعاث الطائفي امر صادم ومحير، لكنه ضوء كاشف على زيف وسطحية الانتماءات الحديثة للمثقف العربي. لهذا ليس غريب ان يكون المثقفون اكثر تطرفا من الاميين في تاييد الطائفية وترويجها .
الانتماء المذهبي يختلف عن الانتماء الطائفي. فالانتماء للمذهب يقتضي من الشخص ان يكون متدينا، اما الانتماء للطائفة فيمكن ان يكون من شخص ملحد! لهذا نجد ملحدين سنه وملحدين شيعه وحتى ملحدين يؤيدون داعش ومستعدون للقتال معها!!
الطائفية المعاصرة عابرة للحدود والايديويوجيات. تحت السماء الطائفية يجتمع الهاشمي الملحد مع الهاشمي السلفي و الهاشمي الفقير مع الملياردير، والهاشمية الامية مع الهاشمية متعددة الجنسيات ومتعددة اللغات في تاييد حصرية ولاية ال البيت وعصمة السيد والاصطفاء الالهي.
وتحت سماء الطائفية ايضا يؤيد السلفي السني والعلماني السني والملحد السني سيطرة داعش على العراق وسوريا وقطع الرقاب وابادة "الروافض والمجوس"! بل ان الطائفي السني لا يرى حلا لمشكلة الطائفية في اليمن الا بالمزيد من الطائفية. بشيطنة شمال الشمال الزيدي والمطالبة بعزله والانفصال عنع وربما ابادته ان امكن.
الطائفية ايضا انتماء عنصري عابر للحدود. يتفاعل الطائفي اليمني مع قضايا الاقليات الشيعية في البحرين والعراق اكثر مما يتفاعل مع قضايا الاقليات الاكثر ضعفا في تهامه أو الجنوب. انه يتفاعل مع الشيعي اللبناني والبحريني واللبناني اكثر من تفاعله مع المواطن اليمني. وهو يخرج في مظاهرات للتنديد بتضييق الحريات على الاقليات الشيعية في البحرين ، بينما يؤيد اغرق الصحف واعتقال الناشطين وتعذيب المعارضين في اليمن.لا وجود لفكرة "المواطنة" عند الطائفي. الطائفية ضد الوطن. بل ان الوطن اكبر عدو للطائفية لانه يقوم على المساواة بين الجميع وليس هناك اهانة للطائفي اكثر من مساواته بالاخرين.
المثير جدا ان الطائفي يقف مع الطائفة حتى ولو كان ذلك على حساب مصالحه الحقيقية. فنرى الطائفي العلماني يؤيد حركة تسعى لاقامة نموذج رقابة دينية بوليسية صارمة على الافكار والسلوك سيكون هو اول ضحاياها. ونرى رجل الاعال الطائفي يؤيد حركة تدمر اقتصاد البلد بحروبها اللانهائية فيما سيكون هو اول المفلسين لو انتصرت، بينما تنطلق الطائفية العصرية المتحررة في اقامة المعارض والندوات والمسيرات لتاييد حركة من بديهياتها ان المراة يجب ان تستقر في البيت وان لا تمارس اي نشاط أو ظهور عام الا للضرورة القصوى فقط.
الطائفي يتعصب حتى ضد نفسه وحتى ضد مصالحه. وهذا هو المثال الاعلى للعمى الطائفي، اشد انواع العمى ظلمة ما دام الاعمى يتغني برومنسية الظلام القادم ولديه استعداد ليفقأ عينية بنفسه ليتحقق حلمه الطائفي المقيت!