ليس صعباً على دول الخليج العربية مصافحة الرئيس حسن روحاني، وتوقيع اتفاق صداقة مع بلاده إيران، وطي خلاف ثلاثين سنة. نظرياً، هذا أمر سهل جداً لكنه يبقى اتفاقاً لا يساوي الحبر الذي يوقع به إن لم تكن له ضمانات. الصديق الأستاذ طراد العمري أهداني في مدونته مقالاً، عبر فيه عن رأي وخريطة طريق تتحدى تحذيرنا من إيران.
ولو كانت للأخ طراد حظوة في بلاط المرشد، أو له كلمة في البيت الأبيض، ربما غيرت رأيي، وسرت خلف اقتراحه بالانفتاح على إيران. لكنه مثلنا، بضاعته رأيه. وكذلك حكومات الخليج، لا تستطيع أن ترهن مصير ثلاثين مليون مواطن فقط على حسن النوايا، والتحليل الشخصي للأحداث.
في مقاله /192075/http://www.an7a.com تحدث عن شيء سماه المبادرة الخليجية للسلام، وهي ليست سوى «مبادرة طراد للسلام»! لا قيمة لها دون أن تتأكد حكومات المنطقة أن إيران فعلاً غيرت سياستها العدوانية تجاهها، أو قلصت قدراتها العسكرية الموجهة ضدها، أو قدمت دول كبرى ضمانات عسكرية كتأمين عليها.
لا شيء من هذه الشروط موجودة والنوايا الحسنة لا تكفي في العالم الحقيقي.
سهل على دولة عظمى مثل الولايات المتحدة تقع على أبعد من سبعة آلاف كيلومتر أن توقع اتفاقا مع إيران، لأن بحوزتها ترسانة ضخمة من السلاح، وذراع طويلة، وتقنية رصد استخبارات عسكرية، ومعلوماتية، ومالية، تستطيع بها أن تردع وتمنع وتمحق. اما نحن، فنسكن على مرمى حجر من شاطئ إيران، وبإمكانياتنا المحدودة لا نستطيع ان ننام على وعود النوايا الحسنة. دول الخليج تحتاج إلى براهين أو ضمانات على ان إيران تغيرت بعد الاتفاق مع الغرب، أو هي مضطرة لتحصين نفسها!
والدول مثل الأفراد، تعرفها من سيرتها وسلوكها، ولا يكفي ان نحلل نواياها، بالقول مثلاً ان كل هدف إيران كان توقيع اتفاق مع الغرب يرفع الحصار ويؤمن سلامة وجودها.
أصلاً العقوبات ضدها طبقت بسبب سلوكها العدواني، وليس العكس. توجد قائمة طويلة بعملياتها العدوانية منذ مطلع الثمانينات إلى هذه اللحظة، من الفلبين إلى بيونس آيرس، وهي التي تسببت في استحداث الحصار والعقوبات. اما عداؤها لإسرائيل فهو ليس دفاعا عن الفلسطينيين، كما يصدق الأخ طراد، بل جزء من الصراع الإقليمي الواسع. باسم فلسطين، تدير إيران منظومة عدوانية واسعة، اطرافها الأسد في سوريا، ونصر الله في لبنان، والزهار وشلح في غزة، وحواتمة في سوريا، ومحمد بديع في مصر، والبطاط في العراق، وعبد الملك الحوثي في اليمن. كل هؤلاء لا علاقة لهم بالدفاع عن فلسطين. يكفيك ان تعرف ما يجري في مخيم اليرموك الفلسطيني في محيط دمشق، من جرائم مروعة تقوم بها جماعات محسوبة على منظمات فلسطينية تابعة لإيران.
يوجد كم هائل من النشاطات العدائية عسكرية وسياسية، تنفذها إيران، أو جماعات تعمل وكيلة لها، موجهة ضدنا، وهي قديمة قدم الثورة الإيرانية، ليست ضد اسرائيل ولا ضد الغرب.
ولا أودّ ان أرهق الجميع بتفنيد ما كتبه عن الأساطير الثلاثة، لانها غير مهمة اذا احسنا الظن في الإخوة في طهران. اخ طراد لسنا جددا في فهم الخلاف وتحليله. لقد سبق لدول الخليج ان صدقت، وحاولت، وجربت، ومدت يدها إلى طهران وفتحت حدودها وعواصمها، ثم اكتشفت بعد ذلك ان النظام الإيراني زاد عدوانية ضدها.
سبق ان عقدت في التسعينات لقاءات تفاوضية متعددة، بل ووقعت اتفاقية تفصيلية مهمة في عام 2001. تقريبا خالفت إيران كل ما ورد وتعهدت به فيها. ومرة ثالثة حاولت السعودية واستقبلت الشيخ هاشمي رفسنجاني في عام 2008 في أطول زيارة من نوعها، جال لأسبوعين في جدة، والدمام، والخبر، والجبيل، والقطيف، ومكة، والمدينة، وينبع. وفتحت السفارات من جديد، وسمحت للطيران الإيراني بفتح مكاتب له، واستقبلت الرياض رجال اعمال إيرانيين واقامت لهم معارض تجارية، وتبادل الزيارات أمراء ووزراء وعسكريون. في الأخير تكتشف السعودية ان داخل النظام الإيراني من أراد استغلال طيب النية وحسن العلاقة لتهريب أسلحة، وتجنيد معارضة، والتآمر داخليا وخارجيا.
وبالتالي، ما يطرحه البعض عن ضرورة التصالح مع إيران يعبر عن منطق سليم لكنه لا يكفي دون ضمانات تحمي الخليج من حالة السعار العدوانية الإيرانية التي تحاصرنا بها، في العراق وسوريا ولبنان والبحرين واليمن والسودان. وأحب ان اطمئن الحمائم الخليجيين، وبينهم الأخ طراد، بأنه رغم الخلاف علاقتنا التقليدية مع الإخوة في إيران حية تتنفس. فاليوم يوجد بيننا سفراء وسفارات، وهناك سعوديون يسافرون إلى إيران، وإيرانيون يزورون السعودية للحج والعمرة، لكن التوجس من إيران بلغ أقصى درجاته، ويزيد بسبب فك قيودها المالية والعسكرية والدبلوماسية.