(1)
قد تصل مقالتي هذه إلى قارئها، وقد تغيرت الجغرافيا السياسية في الشرق الأوسط بالضرورة لغير صالح العرب. تجعلني أقول هذا القول نتيجة اجتماع فيينا الذي عقد 23 أكتوبر/تشرين الأول الجاري، بدعوة من روسيا الاتحادية، وضم وزراء خارجية روسيا والولايات المتحدة والعربية السعودية وتركيا، وهدف إلى البحث في المستقبل السوري، بعد دخول روسيا بكل ثقلها العسكري في المعركة الدائرة على الأراضي السورية، بذريعة محاربة الإرهاب والقضاء على ما تسمى الدولة الإسلامية (داعش)، وبعد استدعاء الرئيس بشار الأسد إلى موسكو، على طائرة عسكرية روسية من القاعدة الجوية الروسية في اللاذقية، وبرفقته مترجمه فقط.
(2)
تابعت، كغيري من المهتمين بالشأن السوري، أخبار المؤتمر، ولم أجد ضالتي في التصريحات التي أدلى بها السادة الوزراء. يقول الروس إنه لا مساومة على خروج الأسد من السلطة، وهذا حق الشعب السوري في القول الفصل في هذا الشأن كما يعلنون. يقول الأميركان إنه لا قبول للأسد في مستقبل سورية، غير أنهم يقبلونه في قبوله فترة انتقالية. يؤكد السعوديون أنهم لن يقبلوا أي مساومة في بقاء الأسد في هرم السلطة السياسية في سورية، وكذلك الأتراك الذين يقبلون ذلك في فترة انتقالية، لا تزيد عن ستة أشهر.
(3)
خرج علينا وزير الخارجية الروسي، سيرجي لافروف، بفكرة مؤتمر موسع، يحضره أقطاب فيينا الأربعة، مع إيران والإمارات وقطر ومصر والأردن، ينعقد في الأيام المقبلة.
وتقديري أن روسيا تعمل على هدر الزمن العربي والدولي معاً، باحتلال عسكري روسي للجمهورية العربية السورية والعرب يتفرجون، وتوسيع دائرة تحالف روسيا لحماية وجودها في سورية، عن طريق اتفاق/ تفاهم بين الأميركان والروس "على تجنب أو تفادي حدوث أي أخطاء محتملة، قد تؤدي إلى مواجهات غير مرغوب بها في السماء السورية"، ووقعت موسكو التفاهم/ الاتفاق، ليشمل الأردن وإسرائيل. وبذلك، نقول إن روسيا ضمنت عدم المساس بقواتها في سورية من أي طرف كان.
أتفهم دعوة الدول الخليجية (قطر والكويت والإمارات) وكذلك الأردن، لكني لم أستوعب دعوة مصر في هذه الظروف التي يمر بها النظام السياسي فيها، فهو مأزوم، أمنياً واقتصادياً وسياسياً، فماذا عساه أن يقدم في الأزمة السورية، إلا حضوراً، ليقال إن مصر هنا مؤيدة للمشروع الروسي في سورية. إيران لا شك طرف في المشكلة، لأن لها قوات على الأرض السورية، ولها مؤازرون ومؤيدون من طائفة محددة، لها مصلحة في الوجود الإيراني في بلاد الشام، منها مشاركون في القتال ضد إرادة الشعب السوري، قادمون من لبنان والعراق وأفغانستان وبعض الدول العربية. لكن، يجب أن يتعامل العرب مع الوجود الإيراني على الأرض السورية، مثل تعاملهم، طبعا بالرفض، مع الوجود الروسي، بل قد يكون ذلك أخطر من هذا على أي أرض عربية. أقول ذلك بحسرة وألم شديدين، لأن إيران لا تتعامل معنا، نحن العرب، كجوار جغرافي وشركاء في الملّة. إنهم يتعاملون معنا بتعالٍ، مشحونون بأحقاد تاريخية، وفي مشروع توسعي حان وقته.
"يتصرف الروس، اليوم، في الشأن السوري تحديداً، وهم على ثقة في تحقيق كل أهدافهم في هذه المنطقة من العالم، لسبب تفرّق العرب واختلاف مواقفهم تجاه المسألة السورية"
(4)
يتصرف الروس، اليوم، في الشأن السوري تحديداً، وهم على ثقة في تحقيق كل أهدافهم في هذه المنطقة من العالم، لسبب تفرّق العرب واختلاف مواقفهم تجاه المسألة السورية، اختلاف وتناحر قوى المعارضة السورية المسلح منهم وغير المسلح، شعور الروس بأنهم استطاعوا تشكيل تكتل ضد الهيمنة الاقتصادية الغربية (مجموعة البريكس)، والتي تضم الدول الأسرع نمواً اقتصادياً في العالم، وكذلك منظمة شانغهاي الاقتصادية، عجزت الإدارة الأميركية وحلفاؤها الأوروبيون في اتخاذ قرارات حاسمة في نصرة المعارضة السورية، وردع النظام الذي استخدم كل أنواع السلاح، لإخماد مطالبة الشعب السوري بالإصلاح والديمقراطية والحرية.
وقف الغرب والشرق ضد رئيس صربيا ويوغسلافيا سابقا، سلوبودان ميلو شيفتش، وقادوه إلى محكمة الجنايات الدولية، لارتكابه جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية، ومن التهم التي وجهت إليه أنه قام بترحيل واعتقال ربع مليون إنسان. بشار الأسد قتل ما يزيد عن 300 ألف إنسان، بأسلحة، منها المحرم دولياً، وقد شهد العالم على ذلك.
هجّر بقوة السلاح ما يزيد عن ستة ملايين، أجبر أكثر من خمسة ملايين على النزوح من بيوتهم ومزارعهم، دمر أكثر من 50 % من البنية التحتية للدولة السورية، كما تقول المعارضة، وما برح يستخدم البراميل المتفجرة على المدن والقرى من دون تمييز. السؤال: هل يستحق مثل هذا الرجل أن يبقى في الحكم، ولو فترة انتقالية حتى لو قصرت؟
يقول بعض قادة المعارضة السورية إنهم قدموا للحكومة الروسية كامل الضمانات للمحافظة على مصالحهم في بلدهم، وإن الشعب السوري، بقياداته المستقبلية، سيبقون أصدقاء أوفياء للشعب الروسي وحكومته، طالما بقوا أوفياء للشعب السوري، ومطالبه المشروعة في الحرية والاستقلال. فماذا يريد الروس أكثر؟ وماذا سيقدم لهم بشار الذي لم يعد له قبول في الشارع السوري، بعد كل ما فعل بهم؟
آخر القول: يريد الروس، اليوم، تلقين الغرب دروساً، والنيل منهم على ما فعلوا بهم من أفغانستان إلى جورجيا إلى أوكرانيا، وحصارهم الاقتصادي، بعد أحداث أوكرانيا، وتجاهلهم قوة دولية بعد انهيار الاتحاد السوفييتي، لكن الخاسر الأكبر هم العرب، فهل يستطيع من تبقى من القادة العرب على وفائهم لهذه الأمة، وصدق خدماتها، وتغيير المسار الدولي لصالح العرب؟ أتمنى ذلك.