[esi views ttl="1"]

صالح والمملكة.. حقيقة الدور وأهمية تفادي الأخطاء في اليمن!

صالح والمملكة.. حقيقة الدور وأهمية تفادي الأخطاء في اليمن!


كان واضحاً من خلال العديد من المؤشرات والتصريحات في الفترة الماضية أن العلاقة بين الرئيس السابق علي عبدالله صالح والمملكة العربية السعودية الجار المؤثر والمتأثر، الأول، بالأوضاع في اليمن ليست في أفضل حال، والسبب هو ما تردد من اتهام لصالح وحزبه بدعم جماعة الحوثيين، التي تعتبرها الرياض تهديداً لأمنها.

ووسط مختلف التطورات المتسارعة والضخ الإعلامي اليومي الذي يرمي يميناً وشمالاً.. يطلع السؤال: ما حقيقة الاتهامات الموجهة للرئيس السابق وما الذي أغضب المملكة، وهل الحملة ضد صالح وحزبه -عقاباً على أي موقف- قرار صائب؟

**
من المهم، توضيح دور الرئيس السابق، صالح من وجهة نظر تختلف عما هو شائع، ولا تهتم بنفي أو إثبات وجود تواطؤ أو دعم أو تسهيل، من قبله للحوثيين، وإنما هل كان ذلك - إن وُجد - هو السبب فيما جرى؟

المتتبع للتطورات والمدقق في المعطيات والمواقف السياسية خلال السنوات الماضية، يرى أن تصعيد جماعة الحوثيين وتسليمها صنعاء، أمر ما كان ليتم لو لم يكن هدف السلطة الحاكمة في الأساس، ومن يدعمها من أطراف دولية، وهذا ما لا يحتاج إلى جهد لمن أراد التأكد منه.

بالنسبة لصالح، وكطرف حكم البلاد عقوداً، كان يقرأ المشهد من زاوية خاصة، وحدد خياره، وفقاً لمعطيين: الأول، أن مشروع التواطؤ وتصعيد الحوثيين هو مشروع السلطة وبعض من يدعمها دولياً، والثاني، أن مشروع تسليم البلد للحوثيين، مصيره الفشل، لأن حكم اليمن أكبر من أن تستفرد به الجماعة، التي تشكلت في عهد صالح ويعلم حجمها وتأثيرها ضمن خارطة القوى الأخرى في البلد، وفي ذات الوقت كيف أنه لا يمكن تجاهلها، كطرف فاعل.

من هذا المنطلق، وحسب هذا الرأي، حدد صالح موقفه وهو عدم مواجهة الحوثي والسماح بتوسعه، وربما أنه أراد بذلك استغلال اللعبة - التي هي في الأساس لعبة آخرين- لخلط الأوراق، وبما من شأنه، الإزاحة أو الانتقام من بعض الخصوم القبليين والسياسيين المحسوبين على الإصلاح وغيرهم، وثانياً، بما يضع السلطة في موقف انكشاف في حال لم تقم بدورها بفرض سلطة الدولة، ومن شأن ذلك، أن يؤدي لحزمة نتائج، كخلخلة التحالف الحاكم الذي صعد في 2011، وكان صالح يعلم هشاشته، وأيضاً، بما قد يدفع خصومه من آل الأحمر أو الإصلاح للتخلي عن هادي والعودة إليه، وغير ذلك مما يمكن أن ينتج بسبب التطورات الميدانية شمالاً.

**
أوصلت السلطة الحوثيين إلى صنعاء وسلمتهم الدولة، والأرجح، أن هذا ليس ما كان يريده صالح، فحساباته، كما تشير كثير من المعطيات، هي أن صعود الحوثي سيؤدي إلى وضع مختلف.. لكن هذا الموقف بالدعم أو الصمت أغضب الرياض. فمن الواضح أن موقفه، سهل أو ساعد فيما جرى، وكان موقف المملكة، كما أعلن المؤتمر في يوليو الماضي، هو دعم مصالحة بين الأطراف المختلفة تحول دون صيرورة الوضع إلى ما صار إليه، ويبدو أن صالح كان لديه حسابات دفعته لرفض المصالحة أو وضع العقبات أمامها، أملاً في أنه لا يزال بالإمكان التأثير دون اللجوء للتصالح، وهو موقف، أقل مما تتطلبه المسؤولية، بنظر آخرين؛ وقد انطلق من حسابات محملة بإرث الماضي وما خلفته سنوات الصراع من خصومة وكره وغياب ثقة.

**
المعطيات لا تبرأ صالح من لعب دور أسهم بإيجاد وضع تخشى منه المملكة وتعتبره تهديداً لها، سواء في طريقة إدارته للحروب الست أو ما بعدها، حتى لو كان من خلال الصمت أو "التغاضي"، كما عبر هو عن موقفه؛ في إحدى الحوارات الصحفية مؤخراً، غير أن الأهم يبقى: هل كان دوره أساسياً، أم أنه دور السلطة؟

من يقرأ الصورة من أبعاد مختلفة سيصل إلى أن صالح لم يكن شريكاً أساسياً فيما حصل، بقدر ما لعب كطرف ثالث أو دور ثانوي، كان يعتقد أن النتائج ستكون مختلفة؛ ومهما كان هذا الدور، وعلى افتراض أنه "متورط" بشكل أو بآخر، بصيغة أو بأخرى، هل معاقبته أو محاولة إزاحته الخيار الأسلم؟

بالنظر إلى تحديات الواقع وخطورة المرحلة ومن زاوية حسابات استراتيجية، ومهما كان الأمر مستحقاً، ومهما كان الذنب المفترض، إلا أن اختيار الوقوف ضده، يزيد من تعقيد المشهد. وقد ارتكب الخليج خطأً استراتيجياً كبيراً، عندما تعامل مع العراق قبل 2003، بناء على الموقف من نظامه، مع وجود اختلافات جوهرية في الشاهد، فبعد 2003 انفصل العراق عن المنطقة وعن شعبه وفقدت الدول العربية قدرتها على التأثير الإيجابي الفاعل هناك. دخلت التقسيمات الطائفية وانتقلت الأزمة إلى أكثر من دولة عربية، وما الذي تبقى من العراق اليوم؟

استهداف صالح والمؤتمر والتعويل على المجهول، يبعد الخليج أكثر عن القدرة على التأثير في اليمن، فما دام صالح، مؤثراً وفاعلاً، فإن هذا أمر جيد، مهما كان قد أسهم في إيصال الوضع إلى ما وصل إليه.. فالمؤسسة العسكرية تتفكك والبلد يتفكك، والقوى السياسية، بما فيها الحوثيون، تُدفع إلى مربع يخسر فيه الجميع، والعراق وسوريا مثالان يبينان كيف أن لا أحد يربح.

**
المؤتمر الشعبي العام الذي يقوده صالح، قوة وطنية، ومركز قوته ووحدته الرئيسي في هذه المرحلة، علي عبدالله صالح، من موقع مكانته وتاريخه السياسي، واستهدافه ، يصب في كفة إزالة ملامح الدولة وإنعاش المناطقية والطائفية. فمن الواضح أن مكونات العمل الحزبي السياسي تتراجع، ومن الخطأ مقارنة المراحل التاريخية واستدعاء بعض التجارب في ظل معادلة مختلفة، بشكل كبير، ولعل تجربة السنوات الماضية أثبتت أن الرياض يمكن أن تتفاجأ بتطورات دراماتيكية في صنعاء القريبة منها، رغم أن العملية السياسية قائمة تحت عنوان "المبادرة الخليجية" التي تُعد الرياض أبرز رعاتها.

المملكة، هي الجار الأهم والمعني الإقليمي الأول، كان لها دور في الحد من تهديدات وأزمات عصفت باليمن، وما هو مؤكد أن التهديدات في هذه المرحلة استثنائية، والدولة تسير بسرعة إلى مزيد من التفكك والانهيار، ومن الواضح أن مواصلة العملية السياسية بنفس مسارها خلال الفترة الماضية أو محاولة التدارك المحدود فيها، ما هو إلا إكمال الطريق إلى حفرة قد تتغير معها عناصر المعادلة وترسخ حالة من الفوضى يتغير سقف وحدود الخيارات تجاهها.

الصومال والعراق أنموذجان لوضع ما بعد فقدان مؤسسات الدولة وتغير وجه المعادلة السياسية بشكل كبير، بل إن عدداً من التجارب، على مدى أكثر من عقدين، أثبتت أن البلد الذي يتعرض لانهيارات أو تسقط فيه الدولة، قد لا يعود، إلى حد مأمون من الاستقرار إلا بعد صراعات أهلية مريرة وبصورة أضعف مما كان في السابق. وهو ما يجب على جميع الأطراف اليمنية والإقليمية المعنية وضعه في الحسبان، وكيف أن البلد، يمكن أن يصل إلى وضع لا يربح فيه أحد، وفي ذات الوقت، ليس من السهل الخروج منه، لا قدر الله.

زر الذهاب إلى الأعلى