آراء

إمام بـ500 ريال: صراع هاشمي عمره 1086عامًا، والقادم أسوأ (4)

بلال الطيب يكتب: إمام بـ500 ريال: صراع هاشمي عمره 1086عامًا، والقادم أسوأ (4)


نستكمل في هذا الجزء الرابع والأخير تاريخ الصراع الدموي بين الأئمة الكهنوتيين الذين عاثوا في اليمن فسادا على مدى 1086 عاما، ونبدأ من حيث انتهينا في الحلقة السابقة.
دخلت الإمامة بعد وفاة المهدي عبدالله بن المتوكل أحمد مرحلة الموت السريري؛ بل وعجزت عن حكم صنعاء نفسها، عصفت الخلافات الأسرية بشبه الدولة المُتبقي، وانحصرت دولة الإمامة بأئمتها الجدد في المناطق البعيدة، وعنهم قال المُؤرخ إسماعيل الأكوع: «وكان كل واحد يرى الحق معه، ولقد بلغ الحال ببعضهم أنْ قاتل أخاه وابن عمه، ورفع السيف على أبيه».
تولى علي بن المهدي عبدالله الإمامة بعد وفاة أبيه شعبان 1251ه، وتلقب ب (المنصور)، ولم تدم إمامته في جولتها الأولى سوى سنة وثلاثة أشهر، قام ابن عمه عبدالله بن الحسن بعزله، وأعلن نفسه إمامًا، تلقب ب (الناصر)، وزج به وعمه محمد بالسجن، وقد كانت نهاية الناصر قتيلًا على يد الإسماعيليين ربيع الأول 1256ه (مايو 1840م).
تولى الإمامة السجين محمد الذي تلقب ب (الهادي)، ثم السجين علي الذي تلقب ب (المهدي)، وعارض الأخير قريبه محمد بن يحيى الذي تلقب ب (المتوكل)، حظي بدعم حسين بن حيدر صاحب أبي عريش، وبه انتصر جمادي الآخر 1261ه، وما هي إلا أربع سنوات حتى ثار أهالي صنعاء عليه، أعادوا المهدي علي لكرسي الإمامة، ليأمر الأخير بضرب عنقه.
كان قد بويع في صعدة للمنصور أحمد الويسي إمامًا شعبان 1264ه، توجه جنوبًا، وحين فشل المهدي علي في صد زحوفاته، خلعه سكان صنعاء رجب 1266ه، ونصبوا العباس بن عبدالرحمن إمامًا، لينقسم سكان الأخيرة بينه وبين الإمام القادم من صعدة، ليؤول الأمر بعد خمسة أشهر لهذا الأخير، حبس العباس، وقام بتخريب وحرق بيوت مُعارضيه، ونهب أموالهم.
أما المهدي علي فقد نفد بجلده إلى وادي ظهر، وجدد من هناك دعوته، وتلقب ب (المُتوكل)، وحظي بمساندة القبائل التي ناصرت المنصور أحمد، ليجتاح صنعاء بـ6,000 مُقاتل، لتتعرض المدينة لأشنع جرائم السلب والنهب، أما الإمام المخلوع فقد خرج خفية إلى أرحب، وفيها استقر إلى أن قضى نحبه، وقيل إنَّه مات مسمومًا.
عمت الفوضى، وسقط الأمر من يد المُتوكل علي الذي فرَّ هو الآخر إلى يريم، ليكثر بعد ذلك أدعياء الإمامة، حتى أنَّ أحدهم أعطى أرباب الدولة 500 ريال (ماريا تريزا) لينصبوه إمامًا، نصبوه ليلة واحدة، أو بعضها، ثم عزلوه في الصباح.

إمام لثلاثة أيام!
ومن منطقة الروضة أعلن غالب بن المُتوكل محمد نفسه إمامًا شعبان 1267ه، وفي صنعاء عقدت البيعة لمحمد بن عبدالله، استمرت إمامته لثلاثة أيام، ولم يتجاوز خلالها عتبة داره، وقد كان مدعاة للتندر والسخرية، وفي كوكبان انقلب أحمد شرف الدين على ابن عمه محمد عبدالكريم، واستقل بحكمها لنفسه، ومن ضوران أعلن عبدالرحمن بن المُتوكل أحمد نفسه إمامًا، وتلقب ب (المهدي)، ومن ضلاع جدد المُؤيد العباس دعوته، وتوجه بالقبائل المناصرة له صوب صنعاء.
كان الهادي غالب قد سبق المُؤيد عباس بدخول صنعاء، لينقسم سكانها بين الاثنين، دارت حرب شعواء بين أنصارهما جمادي الآخر 1268ه، دفعت صنعاء ثمنه كثيرًا، ومن طريف ما يروى أنَّ الدعاء في خطبة الجمعة بقبة المهدي كان للعباس، وفي الجامع الكبير كان لغالب، تحققت بعد 52 يومًا الغلبة للأخير، ولم يتجاوز حكمه أسوارها.
اختلف الهادي غالب بعد ذلك مع أحمد شوع الليل، دارت بينهما حروب داخل أسوار المدينة المنكوبة، انتهت بداية العام التالي بخلع الهادي، توجه بعد ذلك وفدٌ من العلماء والأعيان إلى بني حشيش، حيث محمد الوزير، ألزموه الحجة، فأظهر دعوته، وتلقب ب (المنصور).

الإمام الذعرور
استقرت صنعاء في عهد الإمام الجديد نوعًا ما، ولم يكد العام 1270ه ينتهي حتى عاد رجال القبائل لغيهم، اجتمعوا في الروضة حول الحسين الذعرور، ساندوه ونصبوه إمامًا، تلقب ب (المُتوكل)، واقتحم صنعاء، ودارت مواجهات متقطعة بين أنصاره وأنصار المنصور محمد، وحين لم ينتصر أي من الإمامين، اجتمع أعيان صنعاء، ومشايخ القبائل، واتفقوا على خلعهما، وتنصيب محسن الشهاري إمامًا، تلقب الأخير ب (المتوكل)، إلا أن أمر صنعاء لم يستتب له.
وبالعودة إلى الأئمة الذين تم خلعهم، فقد أجمعوا أمرهم على عودة الهادي غالب لتولي الإمامة، ليدخل الأخير صنعاء للمرة الثانية دون حرب، وجعل الحاج أحمد الحيمي وزيرًا، اختلفا؛ فاستدعى الأخير علي بن المهدي، ونصبه إمامًا، حشد الأول القبائل المُساندة له، وحاصر بهم صنعاء، ثم وقع الصلح على خلع علي، وبقاء غالب إمامًا صُوريًا ليس له من الأمر غير الدعاء.
جدد المتوكل محسن الشهاري دعوته، وناصرته بعض القبائل، فيما راسل أنصار الحيمي بعد أن ثار سكان صنعاء عليه الحسين بن محمد في الطويلة، وطلبوا منه أن ينهض بالأمر، دعا الأخير لنفسه، وتلقب ب (الهادي)، وأطاعته أغلب القبائل، وكانت له بادئ الأمر سطوة عظيمة، وقد انتهى به الأمر مطرودًا من صنعاء بعد ثورة قام بها سكانها.
استقر التنافس بين المُتوكل محسن، والهادي الحسين، حاولا كلاهما السيطرة على صنعاء، ولم يحصل منهما - كما أفاد المُؤرخ الحرازي - للمسلمين فلاح، ولا ظهر من أحدهما في البلاد نجاح، لينجح الأول بالسيطرة على صنعاء جمادي الأولى 1279ه، إلا أنَّ بقاءه فيها لم يستمر طويلًا.
في بداية العام التالي جدد من الروضة الذعرور دعوته، وتلقب هذه المرة ب (الهادي)، ناصرته بعض القبائل، دخل صنعاء، ولم يكن له من الأمر شيء. كان لا يزال في تلك الأثناء الهادي حسين، والمُتوكل مُحسن الشهاري على دعوتهما، وبدأ كلاهما يتهيأن للانقضاض على ذات المدينة، وهدفهما الانتقام من سكانها الذين نكثوا بيعتهما.
كانت جبهة المُتوكل مُحسن الأكثر عددًا، توافد رجال القبائل لنصرته، وبدأ أنصاره داخل مدينة صنعاء يمهدون لوصوله، إلا أنَّ حاكمها محسن معيض فوت عليهم ذلك، ساند الهادي حسين، وتحقق للأخير دخول ذات المدينة ذي القعدة 1282ه، سيطر عليها بالكامل، وبايعه بعض سكانها.

أئمة يستدعون الأتراك
خفت بعد ذلك ذكر الهادي حسين، خلعه سكان صنعاء، وساندوا الذعرور، وكانت نهاية الأخير مطرودًا ومعه حشد كبير من أفراد أسرته، دانت المدينة لمُحسن الشهاري جمادي الأولى 1284ه، لم يطل بقاؤه هو الآخر طويلًا، جاء الأتراك بطلب من عدد من الأعيان والأئمة السابق ذكرهم 1289ه (1872م)، ولم تستعد دولة الإمامة جزءا من عافيتها إلا بعد تولي المُتوكل يحيى بن المنصور محمد حميد الدين الحكم 1322ه (1904م).
عارض الحسن الضحياني الإمام يحيى، وتلقب ب (الهادي)، اكتفى بحكم مناطق شمال شمال، وتسمى ب (إمام الشام)، وسمى منافسه ب (إمام اليمن)، وقد عمد بعض مؤرخي العهد المُتوكلي على تسميته ب (المشاقق)، صمد لخمس سنوات، وبالحيلة استطاع مُنافسه أنْ ينتصر عليه، وانتهى به الحال بالموافقة على العيش في باقم، مُتخذًا منها هجرة للعلوم الدينية حتى وفاته 1347ه (1927م).
كما عارض الإمام يحيى محمد المُؤيدي، كانت دعوة الأخير ذات حضور محدود، لم يتوسع المُؤرخون في ذكر تفاصيلها، ليقوم إمام صنعاء فيما بعد بحبسه 1349ه، ولم يخرج من السجن إلا بعد مرور 30 عامًا، وكان قد مضى من عمره الكثير، وكان الموت إليه أقرب.

صراعات الأسرة الحميدية
وفي العام 1341ه (1922م) كان تمرد بيت الوزير الأول، قاده محمد بن علي الوزير، كان الأخير نائبًا عن أبيه في قبض واجبات خولان، شجع بعض عقال الجبل على التمرد، وحين تم القبض عليهم تخلى عنهم، ليعاود الظهور من ذات الجبل، بعد أن تجمع معه جماعة من بني جبر، وخولان، وبني بهلول، وأعلن نفسه مُحتسبًا، وشرع في بث رسائله إلى الجهات مُعترضًا على أسلوب الإمام يحيى في الحكم، إلا أن الأخير قبض عليه، وزج به بالسجن، ليتدخل ابن عمه عبدالله في الإفراج عنه، وكانت نهايتهم جميعًا بعد فشل ثورة 1948م.
وفي العام 1936م أعلن أحمد بن محمد زبارة نفسه مُحتسبًا، وطالب بتأليف هيئة من كبار العلماء على رأسها زيد الديلمي، لتنظر في ذلك الموضوع، وقد أحال الإمام يحيى أمره لوالده، فما كان من الأخير إلا أن أخذ ولده إلى المقام، فقدم المُحتسب اعتذاره، وقضي الأمر.

إمام الدستور
وفي العام 1946م انضم إبراهيم بن الإمام يحيى إلى صفوف الأحرار، الأحرار الذين حسموا أمرهم بثورة لبست العباءة الزّيدِيّة، ونصبوا عبدالله الوزير إمامًا دستوريًا ربيع الثاني 1367ه (فبراير 1948م)، تلقب الأخير ب (الهادي)، وكان بشهادة كثيرين أسوأ من سلفه بكثير.
استغل ولي العهد أحمد يحيى حميد الدين حادثة مقتل أبيه، وحشد الحشود لدخول صنعاء، ولم يكد يصل حجة حتى ظهر إمام آخر، يدعى علي بن حمود شرف الدين، أحد رجالات دولة الإمام المقتول، إلا أنَّ الأخير سريعًا ما أذعن وأعلن ولاءه للسيف أحمد، وكان من أبرز رجالاته في سحق الثورة الدستورية، وكوفئ بتعينه أميرًا للواء الحديدة.
دخلت قوات السيف أحمد صنعاء؛ فانتهت بذلك إمامة ابن الوزير التي استمرت لـ26 يومًا، في اليوم التالي لسقوط تلك المدينة أعلن السيف أحمد نفسه إمامًا، وتلقب ب (الناصر)، أسرف في سفك الدماء، وقتل شقيقه إبراهيم بالسم، وقتل أيضًا أخوه يحيى بنفس الأسلوب، كما أعدم عبدالله الوزير و36 ثائرًا بدون محاكمة.

إعدام عبدالله والعباس
وفي شعبان 1374ه (مارس 1955م) قامت انتفاضة المقدم الثلايا، ولم تخرج هي الأخرى عن العباءة الزّيدِيّة، أجبر الإمام أحمد أنْ يتنازل بالإمامة لأخيه غير الشقيق عبدالله، وجاء في وثيقة التنازل ما نصه: «حملنا الأخ سيف الإسلام عبدالله الحجة، وكان التنازل على أنْ يقوم بالأمر»، انطلت الخُدعة على الإمام الجديد الذي تلقب ب (المُتوكل)، وحين نصحه البعض بإعدام الإمام المعزول، زجرهم، وصدق أنَّه أصبح الإمام الفعلي، ولم يفق من حلمه إلا بعد خمسة أيام، وإذا بمن عفا عنه بالأمس يأمر بفصل رأسه عن جسده، وفصل رؤوس 16 آخرين، منهم أخوه الشقيق العباس.
بعد عدة محاولات فاشلة لاغتياله، توفي الناصر أحمد في مدينة تعز ربيع ثاني 1382 (19سبتمبر 1962م)، فخلفه ولده محمد البدر، تلقب الأخير ب (المنصور)، وأعلن بعد يومين من الجامع الكبير بصنعاء خارطة طريق حكمه، وأنَّه لن يحيد قيد أنملة عن نهج أسلافه، ليهرب بعد خمسة أيام بصعوبة؛ وذلك بعد أنْ أعلن الثوار بقيادة الزعيم عبدالله السلال قيام (الجمهورية العربية اليمنية).

*عن صحيفة 26 سبتمبر

عناوين ذات صلة:

زر الذهاب إلى الأعلى