[esi views ttl="1"][esi views ttl="1"]
آراء

التجربة الصومالية

حسين باراس يكتب: التجربة الصومالية


عام1991م بدأت الحرب الأهلية الصومالية، وتمزقت البلاد، وغابت سيادة الدولة بشكل كامل، وأصبح الشعب الصومالي وجه لوجه مع أمراء الحرب.
لم يعد أمام الشعب الصومالي أي خيارات، وقف العالم يتفرج على مأساة شعب يموت جوعا، وآخرون يرمون أعواد الثقاب والحطب، لكي تزداد النار اشتعالا، وقف العالم يتفرج على الشعب الصومالي وهو ينتحب.
لقد أدرك الصوماليون أن الخارج لن يقدم أي حلول، الكثير من المناطق وصلت إلى قناعة أنه ليس في إمكانها إصلاح كل الصومال، لكنها تستطيع إصلاح أقاليمها، الشعب أيضا يريد خدمات، لذلك عليه أن يعتمد على نفسه. بدأت الكثير من الأقاليم تدرك أنها في حاجة لبناء المؤسسات لم تنتظر لمقديشو لكي تأتي بالحل، كل إقليم شرع في بناء مؤسساته، بالتأكيد قد لا يكون الحل الأمثل، لكنه حل يعطي للشعب بعض الأمل.
كان لديهم مشكلة في الكهرباء، المؤسسات الإقليمية عملت على إيجاد حلول، وتم بناء منظومة معتمدة على سواعد أبناء الوطن، اتخذوا قرار شجاع، وفتحوا باب الاستثمار في تقنية المعلومات، والاتصالات، وبنوا منظومة اتصالات، تفوق مثيلاتها في دول تتمتع بالاستقرار، أصبح لديهم أسرع انترنت في القرن الافريقي، تحول بعض رجال الصومال إلى قراصنة لكي يحموا سواحلهم من العبث، وهو الحل الوحيد أمام عالم بربري، يسيل لعابه طمعا عندما يرى فيك ضعف.
كل هذه المؤسسات تم بناءها اعتمادا على سواعد أبناء الصومال لم يحتاجوا إلى دول تدفع الرواتب لأنهم يعرفون أن العالم ليس جمعية خيرية..
في الأقاليم الشمالية، وبكل شجاعة تم تنظيم انتخابات وتأسيس مجلس نيابي يعبر عن إرادة الشعب..
لم يكن ما حدث الحل الأمثل لكنه الحل الممكن، الشعب لن يعيش على الشعارات، والجيران طامعون لا يرون في الوطن الا مساحة للتعبير عن عقد النقص، توجه رجال الصومال إلى وطنهم وقدموا الخدمات..
لم يذهبوا إلى دول الجوار، ولبسوا العقالات ورفعوا الشعارات من فنادق اديس ابابا ودار السلام..
حتى من أراد الانفصال، ذهب إلى منطقته، وقدم خدمات و بناء دولة على الأرض، ورفع العلم على التراب، لم يتوجه إلى وسائل التواصل الاجتماعي، لبناء دولة افتراضية، يستعرض فيها اخر ماركة من الاشمغة، أو يتفاخر بركوبه لطيارة، ويرسل لنا صور سلفي يتقمص فيها دور الرئيس أو القائد.
نحن نقرأ التاريخ، ونذكر التجارب، ليس من باب المتعة ولكن لأخذ العبرة وتعلم الدروس.
من أراد بناء دولة عليه أن يتوجه إلى أرضه، ويقف عليها.
الحل لن يأتي من الخارج، الشعب يريد خدمات، وليس شعارات، نستطيع العيش بدون مقعد في الأمم المتحدة، لا نريد أحد ينفض الغبار عن المقعد، نريد فقط ننفض الغبار عن مطاراتنا، وموانئنا. نريد أن نكون أسياد على أرضنا.
وطني! يا أيها النسرُ الذي يغمد منقار اللهبْ في عيوني أين تاريخ العرب؟
تاريخنا الذي يجب نستند عليه في وطننا، تصرفوا على الأرض كدولة، ولا تتقمصوا دور الدولة إعلاميا.
في الجنوب وحضرموت واليمن عامة، عجزوا عن توفير الكهرباء، عن إنارة شارع، لكنهم يوعدوننا بدولة، وهناك من ينتظر!!!
ويعتقد أنهم سيأتون بها !!..
سيصل شعبنا يوما ما إلى ما وصل إليه الاشقاء، في الصومال الحبيب، إن الحل لن يأتي من أديس أبابا، أو عبر سفينة تروسو على سواحلنا، سيكون الدرس قاسي..
أيها النسر الذي يرسف في الأغلال من دون سببْ، أيها الموت الخرافيُّ الذي كان يحب، لم يزل منقارك الأحمر في عينيَّ سيفاً من لهب.. وأنا لست جديراً بجناحك كل ما أملكه في حضرة الموت: جبين... وغضب.

المحاكم

بعد سنوات من الحرب الأهلية، أصبح لدى الصومال حكومة كرتونية، موجودة فقط على الورق، بينما الشعب يعاني تحت قبضة أمراء الحرب، الذين تحولوا إلى جبات لأموال المواطن الصومالي، وبين الفينة والأخرى، تنشب معارك طاحنة بين الفصائل المتناحرة في معظم مدن الجنوب، بينما نشأت أقاليم في الشمال، تتمتع باستقرار نسبي..
العالم والاقليم الذي أراد مغنما من دون مغرم، اتخذ له وكلاء محليين، ليتحول أمراء الحرب لأدوات لحفظ مصالح القوى الإقليمية، والتي لا تريد صومالا قويا..
كانت دول الإقليم تخشى الصومال، كيف لا وهناك مناطق وأقاليم صومالية تحت سيطرة دول الجوار.
الجيران لم ينسوا معارك طاحنة، خاضوها مع الدولة الصومالية فيما سبق..
من بين كل هذا الركام، نهضت حركة المحاكم الإسلامية، والتي لم تكن حركة منظمة أو جبهة عسكرية، كانت مجرد مجموعة من القوى الوطنية، ذات الخلفية الإسلامية، مع تحالف رجال أعمال وقوى سلفية، مزيج من المتناقضات، وحدهم الضيق ذرعا بالعبث الذي يحدث في بلادهم..
المحاكم لم تقم بالكثير فقط إحلال السلام، وتقديم الحماية للمواطنين، وحفظ مصالح التجار، ومصادر عيش المواطن..
ما كان يبدو بسيطا أصبح إعصارا يعصف بالمنطقة، لتسقط المدن تباعا في يد المحاكم، ويتم طي صفحة سوداء من تاريخ الصومال، والقضاء على الكثير من أمراء الحرب ..
لا يحتاح برميل البارود إلا لشرارة لينفجر الصومال، لم تكن المحاكم قوى منظمة أو مدعومة إقليميا، لكنها أعطت للغريق قشة، فتمسك بها الانسان الصومالي الذي مل العبث بوطنه..
الإقليم الذي ظل يتفرج طويلا على معاناة الشعب الصومالي، ولم يحرك ساكن، تدخل أخيرا، ليس من أجل حفظ السلام، ولكن للقضاء على المحاكم، لا بأس أن يموت آلاف الصوماليين، لكن لا يمكن أن تحكم قوى غير مرضي عنها..
رغم كل هذا إلا أن ما قبل المحاكم ليس كبعده.
لم يعد هناك مكانا للأدوات..
31 يناير 2009 م تم انتخاب رئيس المحاكم الإسلامية شيخ شريف شيخ أحمد رئيس للصومال، وتبدأ الصومال تخطو خطواتها نحو الاستقرار..
رغم الاحداث والعقبات والتي تلت ذلك، إلا أن اللحظة التي أدرك الشعب الصومالي أن الأدوات لا تصنع دولة، ولا تعيد أمن، كانت لحظة فارقة، تلك الذي وصل لها الشعب لهذا الإدراك، ومن المفارقات العجيبة، أنه في المرحلة التي بدأ الصومال يمشي إلى بر الأمان، أخذ بقية الوطن العربي يهرول إلى المجهول، سبحان الله وكأنهما أضداد لا تلتقيان، وقد تنهض بلدان الاضطراب يوما، ليغرق بدلا عنها من كان يقف على البر متفرجا.
علمتنا الصومال أنه من لا يخوض غمار المعركة لا يمكن أن يكون فيه خير للشعب، ومن يعتقد أنه يستطيع أن يحكم وطن من فندق في دولة أجنبية، لا أمل يرجى منه، الشرعية هي شرعية الأرض، لاشرعية الورق، ومن يظن غير ذلك، فإن مآسي التاريخ والجغرافيا هي الفيصل، 15 عام أخذها الشعب الصومالي، ليستوعب الدرس، سنوات عجاف قاسية، كانت كافية ليدرك كل ذي عقل عبثية المشهد، الذي مر به الأخوة في الصومال..
في وطني الجميع يعرف عبثية ما تمر به اليمن، لكن النخب تخشى الحديث تخشى قول الحق، الجميع يريد أن يحافظ على ما بين يديه، وآخرون يتمنون أن يكونوا مخطئين، وبين كل هذا وهذا رصيد كبير من الارتزاق، وكل يعتقد أنه يستطيع إنقاذ نفسه وهذا يكفي.

*صفحة الكاتب.

عناوين ذات صلة:

زر الذهاب إلى الأعلى