[esi views ttl="1"][esi views ttl="1"]
تقارير ووثائق

جبل صبر.. وكر النسور (فيلم وثائقي)

جبل صبر.. وكر النسور (فيلم وثائقي)


هل تخيل أحد يوماً ما أن يكون "سهيل اليماني" في متناول يده؟! من على سفح الجبل الحاضن لمدينة النجوم "ستتصعد السماء و"تبلغ الأسباب" بسهولة.
لا تذكر تعز إلا ويذكر معها جبل صبر الشامخ الذي سكنه الانسان اليمني منذ العصور الغابرة.
يرتفع الجبل عن سطح البحر بنحو 3 آلاف متر، ليكون ثاني أكبر جبل في الجزيرة العربية، ذكره أحد الرحالة العرب بأنه شبيه بجبل "قاسيون" في سوريا، وأسمى تعز ب"دمشق اليمن" بسبب وجود هذا الجبل الحاضن للمدينة وقبابها البيضاء الموردة بحمرة "القاهرة".
فيما أشار إليه الهمداني في كتابه "صفة جزيرة العرب" بأنه من الجبال المسنمة من المعافر ويسكنه الحواشب والسكاسك، ووصفه بأنه "مَلِك الجبال الجنوبية".
في صبر أنت على متحف تأريخي طبيعي سياحي على الهواء الطلق، وحيثما وجهت وجهك ستجد مآثر ودلالات وشواهد حضارية، وإلى اليوم ما تزال ثمة تسميات حميرية تُسبق بكلمة "ذي"، على الكثير من القرى في صبر ك"ذي مهنة" و"ذي عنقب" و"ذي مرين" و"ذي البرح".
ويرجع النسابة أصل الكثير من قبائل جبل صبر بمديرياته الثلاث (الموادم، ومشرعة - حدنان، والمسراخ) إلى أفخاذ وملوك حميريين كابن شهران، ومعفر، وبتع بريل، وذي مراثد، وجبأ، والرائش والكرندي بن سبأ الأصغر.
يتكون الجبل من صخور جرانيتية تعود إلى العصر الثلاثي، ووجد فيه مقبرة صخرية في قرية تدعى "المحراق" تقع في مديرية صبر الموادم، ويرجح أنها سبأية تعود إلى ما قبل الميلاد، فيما يعتقد بعض المؤرخين بوجود للقتبانيين في مناطق من الجبل خلال الخمسمائة السنة الأخيرة قبل الميلاد.
ويزدهر الجبل بزراعة الحبوب وبعض الحمضيات، ويتفرد بمناظر خلابة جعلته رمزاً للجمال والعشق، ومقصدا للأدباء والشعراء والفنانين.
من أكثر ما يميز أبناء صبر ونساءهم، الزي الصبري الجذاب الذي بات رمزاً للباس اليمنيين بشكل عام ويرتبط لباس المرأة الصبرية بزي السبأيات كما يؤكد ذلك شاهد قبر يعود إلى المائة الأخيرة قبل الميلاد لامرأة سبأية مدون اسمها بالمسند "حيوة ضمران" وهي ترتدي قميصاً مفترضاً فيه تطريز ينسدل من جهتي أعلى الصدر نحو الأسفل ليلتقي ويشكل حرف U بصورة تتطابق مع شكل وتطريز "القميص" الصبري.
وعلى مدى التاريخ تنافست كثير من الدول للسيطرة على جبل صبر وحصونه، كالدولة الصليحية ثم الزريعية فالأيوبية ثم الرسوليون إلى أن سيطر عليه الطاهريون، وأخيراً القائد التركي "أويس باشا" الذي أحكم قبضته على الجبل بمساندة جيوشة الجرارة المجهزة بأضخم العتاد، ثم الأئمة بعد خروج الأتراك.
وكان أدهى الأئمة هو الطاغية أحمد حميد الدين الذي اتخذ من تعز عاصمة لدولته، وقد كانت رؤيته أن من يسيطر على جبل صبر فقد سيطر على تعز قاطبة، لذلك فقد حاول إحكام قبضته على كل مناطق الجبل بالحديد والنار وسلط "العُكفة" على المواطنين من أبناء جبل صبر وغيرهم من مناطق تعز يسومونهم سوء العذاب بالنهب والغطرسة والابتزار.
وأشار الأستاذ أحمد محمد نعمان في كتابه "مذكرات النعمان" إلى الجبايات والتسلط الذي كان يمارسه هؤلاء الأفراد في حق الفلاحين في كل مناطق تعز وفرض الضرائب الفادحة وما يسمى بالزكاة والواجبات والتي كانت تتراكم على المزارعين حتى وإن لم تنتج الأرض بسبب مواسم الجفاف الأمر الذي أدى بكثير من فلاحي تعز إلى بيع الارض لتسديد ولو ربع ما فرض عليهم من قبل الكهنوت ثم الهجرة إلى عدن أو الحبشة للبحث عن مصدر رزق بعيداً عن غطرسة الإمامة السلالية وعكفتها الطغاة".
كما أبرز ذلك أيضاً القيل مطهر الارياني في قصيدته البالة التي غناها الفنان الكبير علي بن علي الآنسي.
في العام 1920 سجل التاريخ ثورة ضارية لأبناء صبر ضد الإمامة وعكفتها الطغاة حينما أقدم العسكر على ممارسة سلوكيات قبيحة في منطقة "صَنِمات" -إحدى عزل مديرية المسراخ التابعة لجبل صبر- بعد أن ارسلهم عامل الإمام يحيى على صبر حينها حسين جبالة إلى تلك المنطقة.
وبدأت الحكاية وفقاً للباحث بلال الطيب حينما طلب قائد العكفة ويدعى حمود الرداعي من أحد ابناء "صنمات" إحضار امرأته كي تدلك له قدمه. فأوهمه المواطن بالموافقه ثم عاد سريعاً إلى أهله يخبرهم هول ما طُلب منه، لتقرع طبول الحرب ضد الكهنوتيين، فتوافدت الحشود من المناطق المجاورة، وفيما كان العسكر ينتظرون العشاء وتدليك الأقدام، داهمهم ثوار الكرامة وجزوا أعناقهم جميعهم، باستثناء أحدهم حاول الهروب عبثاً ليلحق مصير من سبقه.
وبعد الإجهاز عليهم والانتصار لكرامة امرأة "صَنِمات"
التي كانت مطلوبة لتدليك أقدام قائد العكفة، دخلت إلى الديوان الممتلئ بالقتلى من عسكر الإمام تدوس بقدمها على جثثهم واحداً واحداً مرددة "أني أفحسكم الآن" أي أدوسكم تحت قدمي. وخضبت يدها بالدماء وحطت ثلاث نقاط على وجهها اثنتين منها على خديها والثالثة على جبينها دلالة على الثأر لكرامتها بالدم، ليصبح ذلك فيما بعد تقليداً لدى نساء صبر تحول إلى زينة استبدلت الدم بالخضاب.
وبمجرد وصول الخبر إلى ما يسمى بالأمير علي الوزير حينها، جُن جنونه فأرسل ما لديه من "عُكفة" مزودين بمدفع للانضمام إلى عامل صبر حسين جبالة الذي رابط في قرية "الصراري" القريبة من "صنمات"، وتمكن بذلك من حصر وعزل الثوار في منطقتهم.
ولم يكتف ابن الوزير بذلك ولكنه أيضاً أرسل لطلب النجده إلى عامل إب فوصلت الإمدادات من إب ومناطق أخرى، ليتم توجيهها للّحاق بمن سبقها إلى "صنمات" وفقاً للمؤرخ السلالي عبدالكريم مطهر.
استعد أبناء "صنمات" للجيش الإمامي الكثيف، ورغم قلة عددهم أمام عسكر الامام، إلا أن الأخيرين لم يجرأوا على المواجهة رجلا لرجل، واكتفوا بقصف المنازل وتجمعات الثوار بالمدفعية حتى قتلوا الكثير من المواطنين ودمروا البيوت.
ثم اقتحموا المنطقة بعد ذلك واستباحوها وما حولها من قرى ونهبوا المواشي والحبوب ودمروا المدرجات الزراعية. ثم هدمت منازل "صنمات" من قبل العكفة بموجب توجيهات الإمام وفقاً لما أورده مؤرخ السلالة، وهي العادة التي يُعملها الحوثيون حالياً في هدم منازل معارضيهم مع الإشارة إلى استخدام الحوثييين تقنية التفجير عن بعد اختصاراً للوقت والجهد وكذا الإمعان في قهر الخصوم..
توالت ثورات الكرامة الصبرية ضد الأئمة وطغيانهم ومن "صنمات" ذاتها أتت الثورة الثانية ولكن هذه المرة ضد الابن أحمد يحيى حميد الدين الذي أرسل 500 مقاتل انتقاما للتنكيل ب"عكفيين" من قبل أبناء المنطقة ذاتها، وتم محاصرة "صنمات" حتى اقتحامها بصعوبة ومن ثم نهبها وتدمير المنازل كما فعل سابقوهم.
وخلال عهود الكهنوت برزت أسر مناضلة وأبطال كُثر من أبناء صبر على سبيل الذكر منهم لا الحصر أسرة عثمان، من بينهم الشيخ محمد علي عثمان، ذاك الصبي الذي أخذه الإمام يحيى رهينة طفلاً لكبح جماح أي دور ثوري ضد الامامة للأسرة وبخاصة والد الرهينة الشيخ علي عثمان، ليتحول الولد محمد إلى ثائر جسور فيما بعد ضد الإمامة السلالية.
ومن أعمال الشيخ محمد علي عثمان الثورية توزيع برنامج رسالة الأحرار في تعز وإب فضلاً عن إسهامه في جمع التبرعات لإنشاء صحيفة "صوت اليمن".
أسهم عثمان في ثورة 1948 ونفذ مهمة الزحف بمتطوعين رفقة قبائل قضاء ماوية إلى مدينة إب ثم ذمار لإنقاذ وإطلاق الأحرار المعتقلين فيها، ثم مواصلته النضال فيما بعد من مصر لتنسيق العمل الوطني مع الأحرار هناك، وكان له شرف الالتحاق بمعارك الدفاع عن الثورة ضد قوى الكهنوت، حتى تم اغتياله غدراً في 30 مايو من العام 1973، وبذلك يكون دفع محمد علي عثمان رأسه ثمن نضاله ومواقفه الوطنية الثورية.
ومن أبطال صبر أيضاً الشيخ عبدالرحمن أحمد الثائر الفذ ضد الكهنوت، والذي ورث من أبيه الشيخ أحمد عبدالله عبدالغني النضال والرغبة في التحرر من الإمامة.
انطلق كالبرق يشارك في ثورة الـ26 من سبتمبر، ويعد أول من شكل جيش نظامي في تعز لحماية الثورة والجمهورية بدأ تحت مسمى "فوج صبر وجبل حبشي وشرعب". استخدم البطل عبدالرحمن علاقاته لاستقبال المتطوعين، ومن ثم سُمِّي الفوج بلواء السلام بعد تجهيزه وتدريبه، وعين الشيخ عبدالرحمن قائداً له، وقد انخرط لواء السلام مباشرة في الأعمال القتالية ضد الأئمة قي كل من معبر، ونقيل يسلح، والحيمتين، وجبال صرواح، وغيرها، وكان البطل عبدالرحمن أحمد من قادة فك حصار السبعين وقد تقلد أوسمة عدة، وتنقل في مناصب كثيرة في الدولة، ليحصل أخيراً على رتبة لواء، وتوفي في 31 من أكتوبر من العام 2014 بعد أقل من شهر على اكتساح الإمامة الجديدة صنعاء ومناطق أخرى.
ومن أعلام صبر الذين لا يشق لهم غبار من تذكر صبر ويذكرون معها الشيخ الدكتور عبدالوهاب محمود، أحد أعمدة الإدارة الحديثة في اليمن و"دايجرام" الاقتصاد الوطني وهو عضو أول لجنة مالية للإعداد للوحدة اليمنية وعضو مؤسس في مجلس إدارة كل من البنك المركزي اليمني والبنك اليمني للانشاء والتعمير.
تعين في العام 1974 وزيراً للاقتصاد، ثم وزيراً للزراعة في العام 1982 ثم سفيرا للكويت فالمغرب، ثم وزيرا للكهرباء في أول حكومة للوحدة اليمنية في العام 1990، وانتخب عضواً لمجلس النواب في أول انتخابات برلمانية بعد الوحدة في العام 1993 ثم انتخب من قبل اعضاء المجلس ليكون نائبا لرئيس مجلس النواب وتم إعادة انتخابه عضوا في البرلمان لفترتين أخريين في كل من انتخابات 1997و 2003.
في مواجهة الرجعية الإمامية الجديدة استبسل ابناء صبر بالمديريات الثلاث في الوقوف ضد المليشيا الحوثية ومرغوا أنفها، ومنذ أول محاولة اقتحام لجبل صبر شكلوا مجلساً عسكرياً طوعيا للمقاومة رغم أنهم شخصيات مدنية، وجمعوا التبرعات من أغنيائهم وتجارهم والمقتدرين وأحضروا الأسلحة ولقنوا الحوثيين دروساً بالغة في البطولة والتضحية ورغم الإمدادات العسكرية الضخمة والأرتال والمعدات التي كانت تدفع من قبل الذراع الإيرانية لاقتحام الجبل لكن الشجر والحجر والأطفال والنساء والشيوخ والشباب ابتلعت المليشيا ولم يعد منهم أحد، إلا من فر معاقاً أو مصابا، الأمر الذي أصاب زعيمهم بالهستيريا، ووجهم انتقاماً بقصف القرى بالمدفعية والصواريخ.
وما يزال نسور الجبل يرفدون الجبهات في تعز وخارجها ضد الأئمة الجدد، ولن يهدأ لهم بال إلا بإرجاع الكهنوتيين إلى كهوفهم، الكهنوتيين الذين لفظتهم تعز وأبناؤها منذ مجيئهم الأول.

عناوين قد تهمك:

زر الذهاب إلى الأعلى