آراء

الحوثيون وكلاء إيران لتصدير الثورة الخمينية

د. عبده البحش يكتب: الحوثيون وكلاء إيران لتصدير الثورة الخمينية


تشكلت النواة الأولى لجماعة أنصار الله الحوثي عام 1992، على يد حسين الحوثي المؤسس الأول لجماعة الحوثيين الذي تأثر بالخميني وبالثورة التي قادها في إيران عام 1979، ولم تخل محاضراته وخطبه من ذكر الخميني، إذ كان يرى فيه القدوة التي يجب اتباعها، فنقل هذه التجربة إلى اليمن، وحشد أتباعًا من حوله، وكسب ولاءهم وأحيا المناسبات الدينية الشيعية الجعفرية..

ثم بدأ تأسيس مجموعة شبابية أطلق عليها اسم منتدى الشباب المؤمن، والتي أكمل تأسيسها كل من محمد عزان ومحمد بدر الدين الحوثي، إلا أن ذلك المنتدى لم يستمر طويلاً بسبب الانشقاقات التي دبت في صفوفه وتحول على إثرها اسم المنتدى من مدلول ثقافي فكري، إلى مدلول سياسي وتحول إلى تنظيم الشباب المؤمن، الذي قاده حسين بدر الدين الحوثي، وأصبح مرجعية عليا للتنظيم كما أطلقوا عليه وتم إقصاء الآخرين بعد خصومات بين الأطراف بسبب اتهامات للبعض بالانقلاب على مبادئ الزيدية، وهي إحدى فرق الشيعة.

تبني الحوثي خطاب مماثل للخطاب الإيراني المعادي لأميركا والغرب ورفع الشعار الإيراني: "الله اكبرالموت لأميركا، الموت لإسرائيل، اللعنة على اليهود، النصر للاسلام"، وجعل القضية الفلسطينية الهمَّ الأول والقدس الهدف المنشود في جميع خطبه، وأحيا المناسبات الدينية الشيعية الجعفرية، وبعد مقتله اتَّبع أخوه عبد الملك الحوثي الزعيم الحالي للجماعة نفس الأسلوب.

هذا الإعجاب بالثورة الإيرانية شجَّع طهران على استقطاب آل الحوثي، مع الإشارة إلى صعوبة تحديد تاريخ بدء العلاقات الإيرانية الحوثية، إلا أنه يمكن القول: إن العلاقات بين الطرفين دخلت مرحلة الجدية مع نجاح إيران في استقطاب آل الحوثي وذهاب بدر الدين الحوثي-الأب الروحي للحوثيين- وابنه حسين الحوثي إلى إيران عام 1994، بعد مغادرتهم صعدة على إثر خلاف نشب بينهم وبين علماء الزيدية، وإن كان اختيار إيران ملجأ لهم في تلك الفترة ينمُّ عن وجود ترتيب مسبق بين الطرفين.

يأتي ظهور الحركة الحوثية في اليمن في إطار تفاعلات معينة تاريخية وسياسية واجتماعية ودينية وعرقية، حيث تمثل حركة الحوثي المذهب الزيدي للإسلام الشيعي. وهي أقلية طائفية تمثل حوالي 25% من سكان اليمن.

كما أنها تمثل عرقيًا فئة العائلات الهاشمية، التي تدعي أنها تنتمي إلى عشيرة النبي محمد. وتسعى جماعة الحوثي جاهدة لإعادة نظام الإمامة الزيدية الذي كان قائما في شمال اليمن حتى اندلاع ثورة 26 سبتمبر 1962، التي أطاحت بنظام الإمامة وأقامت جمهورية علمانية حديثة.

 

هناك عوامل داخلية ساهمت بشكل غير مباشر في ظهور حركة الحوثي، منها التنافس الطائفي الشرس بين الجماعات الإسلامية السنية والشيعية، التي زادت من نشاطها في العقود الثلاثة الماضية. حيث مولت السعودية الجماعات السنية بفرعيها السلفي والإخوان المسلمين، بينما مولت إيران جماعة الحوثي كممثل للجماعات الشيعية في اليمن ووكلاء للسياسة الخارجية الإيرانية، التي تعمل على توسيع النفوذ الإيراني في المنطقة وتسعى لتصدير الثورة الإسلامية الإيرانية بين شعوب الشرق الأوسط.

خاضت جماعة الحوثي المتمردة في أقصى شمال اليمن محافظة صعدة ست حروب متفرقة ضد الحكومة اليمنية التي تعاني من الفساد والمحسوبية وتعاني من الصراع الخفي بين أسرة الرئيس علي عبد الله صالح وعائلة الأحمر، أقطاب النظام الحاكم لما يقرب من أربعين عاما. بدأت حروب الحوثيين ضد الحكومة اليمنية عام 2004 وانتهت عام 2010، لكن نتائج تلك الحروب أدت إلى تنامي قوة جماعة الحوثي وخلقت المزيد من التحديات السياسية والاقتصادية والأمنية للحكومة اليمنية.

كان حسين بدر الدين الحوثي مؤسس حركة الحوثي مقتنعا بعدم جدوى العمل السياسي السلمي والديمقراطي والنشاط الحزبي كوسيلة ناجحة لاستعادة سلطة الإمامة المنهارة عام 1962، خاصة بعد مشاركته الفاشلة في الانتخابات البرلمانية 1993 و 199. حيث حصل حزب الحق على مقعد واحد فقط من أصل 301 في البرلمان اليمني.

لذلك قرر إنشاء حركة دينية شيعية مسلحة من الشباب الزيدي بشكل عام ومن الشباب الهاشمي بشكل خاص كوسيلة ناجحة للإطاحة بالدولة الجمهورية الحديثة وإقامة سلطة دينية طائفية تهيمن عليها العائلات الهاشمية.

بدا حسين الحوثي متأثراً بشكل كبير بثورة الخميني في إيران، وبعد زياراته مع والده لها، عاد مقتنعاً بضرورة تطبيق الآلية الثورية الإيرانية في اليمن، وبعدها صاغ شعار حركته المشتق من شعار الخميني، مع بعض الزيادات التي أراد من خلالها الحوثي نوعاً من التميز لحركته في اليمن، وقد هتف الحوثي بشعار الصرخة (تسمية خمينية)، في حشد من أتباعه، الذين أخذوا يرددون الشعار في بعض المساجد في صعدة وصنعاء، الأمر الذي أدى إلى ضرب من النزاع داخل المساجد، مما اضطر الدولة لمنع الشعار حينها، واتخذ الحوثي من عملية المنع دليلاً على أن النظام السابق كان عميلاً لأمريكا وإسرائيل، وهو ما يحتم الخروج عليه، مستعيناً بالمقولة الزيدية المعروفة "وجوب الخروج على الحاكم الظالم".

وبالفعل اندلعت المواجهات بين الجيش اليمني وأنصار الحوثي، بعد هجوم عناصر من جماعة الحوثي على نقطة عسكرية، لتندلع أولى ما عرف ب"الحروب الست". في 19 حزيران (يونيو) 2004، وهي المواجهات التي قتل فيها حسين الحوثي في 10 أيلول (سبتمبر) 2004، حسب إعلان الحكومة اليمنية، ليتولى القيادة والده بدر الدين الحوثي، وتندلع المواجهة الثانية التي انطلقت في 19 آذار (مارس) 2005، واستمرت لأسابيع فقط، قبل أن يتم توقيع اتفاق بين الجيش والمتمردين الحوثيين حينها، لتندلع أربع جولات أخرى بقيادة الشقيق الأصغر لزعيم الجماعة عبدالملك، انتهت في كانون الثاني (يناير) 2010 بما أشبه الهزيمة لجماعة الحوثي، التي وقعت على ستة شروط لوقف الحرب بعد تدخل السعودية لصالح القوات الحكومية آنذاك.

غير أن الفرصة الذهبية لاحت للحوثيين مجدداً مع اندلاع أحداث الربيع العربي في اليمن، في شباط (فبراير) 2011، حيث بدأ الحوثيون يطلقون على أنفسهم التسمية الحالية أنصار الله، جرياً على النمط الإيراني في التسميات، مثل: حزب الله، وثأر الله، وجند الله، وغيرها من التسميات ذات الأبعاد المغالية في استغلال لفظ الجلالة لأهداف سياسية.

عناوين قد تهمك:

 

زر الذهاب إلى الأعلى