قصة هدم مسجد النهرين
سفير اليمن في اليونسكو الدكتور محمد جميح يكتب قصة هدم مسجد النهرين
لم أكتب خلال الفترة الماضية عن مسجد النهرين وهو المسجد الذي هدمه الحوثيون في صنعاء القديمة، مع العلم بأنه يعد جزءاً من التراث العالمي المسجل على قائمة منظمة الأمم المتحدة للتربية والثقافة والعلوم (يونسكو)، لم أكتب، لأنني آثرت ألا أخوض في الأمر حتى أستوفي المراسلات الرسمية الخاصة بهذا الشأن، مع اليونسكو ومع الجهات المعنية في اليمن.
معلوم أن مسجد النهرين واحد من أقدم المساجد ليس في اليمن، بل في العالم كله، وهو ضمن التراث الثقافي العالمي الذي تحرم المعاهدات الدولية - التي وقع عليها اليمن - المساس به.
وخلال الأيام الماضية قمت بالتالي:
-ناقشت قضية المسجد مع عدد من المسؤولين في المقر الرئيس لليونسكو في باريس، وفي مكتب اليونسكو في اليمن والخليج، كما تواصلت مع عدد من المسؤولين في الحكومة اليمنية بهذا الخصوص.
- بعثت إلى المنظمة الدولية - ممثلة بمديرة مركز اليونسكو للتراث العالمي الدكتورة مشتيلد روسلر - رسالة حول الموضوع، شرحت فيها الأهمية التاريخية للمسجد، وجريمة الحوثيين بهدمه.
-أرفقت لمديرة مركز التراث العالمي رسالة وزارة الثقافة اليمنية التي أدانت الجريمة وطالبتْ اليونسكو باتخاذ ما يلزم للحفاظ على المعالم الأثرية للعاصمة صنعاء، بحكم أن صنعاء القديمة تعد إحدى أهم المعالم الأثرية على قائمة اليونسكو للتراث الثقافي العالمي.
-ناقشت الموضوع مع الدكتورة أنا باوليني - مديرة مكتب اليونسكو في اليمن والخليج - وضع المسجد وتاريخيته، على عكس ما تزعم بعض الأطراف من أنه مبنى منذ عقود فقط، وهو على كل جزء من تراث صنعاء القديمة المشمول بامتيازات الحماية.
-تناولت الموضوع مع مي الشاعر مديرة وحدة الدولة العربية في مركز التراث العالمي، وتم أحاطتها علماً بما جرى للمسجد.
اليونسكو مقتنعة بتاريخية المسجد، ومقتنعة بأنه خاضع للمعاير الدولية لحماية التراث الثقافي العالمي، وهو أصلاً مشمول بامتيازات الحماية التي توفرها المعاهدات والقوانين الدولية.
وقد أرسلت مديرة مكتب التراث العالمي في باريس رسالة إليّ طالبة المزيد من التفاصيل، حول المسجد وملابسات الهدم وسبل المعالجة، وهو ما نعمل عليه مع الوزارات والهيئات المختصة في اليمن.
ملحوظات:
- الجريمة قد تؤثر على وضع صنعاء القديمة ضمن قائمة اليونسكو للتراث العالمي، وهي موضوعة أصلاً على قائمة التراث العالمي المعرض للخطر.
-كان هناك زعم أن المسجد بني في سبعينيات القرن الماضي، وهي رواية أسهم في نشرها الحوثيون للتغطية على جريمة هدمهم واحداً من أقدم مساجد التاريخ.
بعد ذلك تعللوا بأن هناك انحرافاً في (محراب) المسجد عن اتجاه القبلة، وأن الهدم جاء لتعديل ذلك الانحراف، الذي من خلاله يريد الحوثي أن يقول إن صلاة المسلمين خلال أكثر من 1300 سنة في المسجد كانت إلى غير القبلة، وأن ثورة الحوثي أتت لتصحح قبلة المسلمين، كما تصحح مفاهيمهم للدين.
ولو كان انحراف المحراب هو السبب فكان بالإمكان الإبقاء على الوضع على ما هو عليه، مع تغيير وضعية وقوف المصلين داخل المسجد بما يتماشى مع اتجاه القبلة، لو صدق الزعم أن انحراف المحراب عن اتجاه القبلة هو السبب في الهدم.
-تشيع أوساط الحوثيين أنهم سيعيدون بناء المسجد بشكل أفضل مما كان عليه، وسط معلومات تشير إلى نية إعادة البناء بشكل ييسر الاستفادة – تجارياً – من بعض ملاحق المسجد حين تتم إعادة بنائه.
-الحوثيون لم يخطروا الهيئات التراثية المختصة بهدم المسجد، وحتى تلك الهيئات التي تخضع لسيطرتهم في صنعاء لم تتلق اي إشعار بهدم المسجد، ولم تعلم بالجريمة إلا بعد وقوعها.
-الجريمة واضحة المعالم، ومكتملة الأركان، والحوثيون مسؤولون مسؤولية تامة - وطنياً ودولياً - عن جريمة هدم المسجد.
-هناك قائمة بعدد من المساجد التاريخية المعرضة للهدم بتوجيهات من وزارة أوقاف المليشيات – لسبب أو لآخر - في مدن يمنية أخرى يسيطر عليها الحوثيون، وعلى اليونسكو والمؤسسات ذات العلاقة العمل على منع استمرار هذا المسلسل، وبخصوص هدم مسجد النهرين، فإن على اليونسكو اتخاذ موقف واضح من هذا العبث وهذا التجريف المتعمد، والعمل على حماية التراث الثقافي اليمني على يد سلطات الحوثيين في صنعاء، وخاصة ذلك التراث المصنف على قوائم الثراث الثقافي العالمي.
عناوين ذات صلة: