آراء

عن الشاشة الرمضانية

عبدالله شروح يكتب عن الشاشة الرمضانية


الفنان الحقيقي لن تدفعه شحة الإمكانات لارتكاب فظاعات في حق نفسه وفنه ومجتمعه. إن لم تكن الإمكانات كافية لتحقيق الحد الأدنى من اشتراطات الفن وروحه، فإن الفنان الحقيقي سيختار عدم الظهور.
يبرر البعض كمية السخف هذه التي تدلقها الشاشات على حواسنا كل رمضان بأنها انعكاس أمين لواقعنا ونمط حياتنا. هؤلاء يخلطون بين مفهومين مختلفين كل الاختلاف: القسوة والرداءة. حياتنا قاسية لكنها ليست رديئة، مأساوية لكنها ليست سخيفة.
لا يمكن أن يكون هذا السخف تعبيراً عن حيواتنا وواقعنا.
هذه الحالة تحيل إلى مشكلتنا السياسية في أحد جوانبها المحيرة، جانب التمثيل السياسي... من يمثلوننا سياسياً يكادون لا يمتون لنا بصلة، وكذلك يأتي الأداء الإعلامي، الدراما والبرامج التلفزيونية.
الواقع أن إلقاء نظرة على الآلية والزمن اللذين يتم من خلالهما ارتجال هذه الأعمال يلقي الضوء على الكثير من مكامن الخلل.
بدايةً ثمة هذا الإجماع من كل القنوات التلفزيونية على أن رمضان وحده هو الموسم الذي يجب أن يتضمن مسلسلاتها وبرامجها. وكل قناة تتبع جهة ما، هذه الجهة تمتلك بدورها ممثلين وإعلاميين يدورون في فلكها.
وكي تستمر في احتوائهم، ولإعالتهم أيضاً، وأيضاً لأن رمضان يوجب عليها تقديم جديد ما، يتم الاستنفار من قبل رمضان بشهرين على الأبعد. في غضون الستين يوماً تلك يُستنفر كاتب السيناريو/ معد البرنامج، الممثلين/المذيعين، المخرجين، ...، وتُسلق هذه الإنتاجات على هذا النحو البائس.
القنوات التلفزيونية، ونتيجة لانحصار هم القائمين عليها على التسبب بأقصى ضجيج ممكن، حيث يبدو أن وعيهم لمسألة الإعلام تقتصر على ذلك، باتوا يدورون في حلقة مفرغة ليس ثمة ما يربطها بالمجتمع.
ليس ثمة لا وقت ولا اهتمام ولا مؤهلات تسمح بأن تغدو هذه القنوات مؤسسات تحترم نفسها فتأتي برامجها ومسلسلاتها بناء على تقييم يأتي من صميم المجتمع، قضاياه وهمومه وطبيعته. ومن أجل تحقيق الضجيج المنشود وبنفس الوقت حصر التكاليف قدر الإمكان، ترى أن المنتجين والمخرجين صاروا هم ذواتهم كتّاب السيناريو والممثلين، والناتج بالطبع هو هذه المهازل.

عناوين قد تهمك:

زر الذهاب إلى الأعلى