اهتمامات

التأليف وعيال طالب

د. أروى الخطابي تكتب عن: التأليف وعيال طالب


اليوم سوف أتطرق إلى موضوع مهم جدا وهو تأليف الكتب في اليمن خلال الماضي البعيد وحتى قيام ثورة ٢٦ سبتمبر الخالدة.

تحتوي اليمن على أكبر مخزون من الكتب المخطوطة في العالم كله، كتبت عبر العصور الطويلة والأيام السنوات المتعاقبة. ويشمل التأليف جوانب عديدة، ومواضيع كثيرة ومجالات متنوعة منها ما هو ديني كالفقه والتفسير والحديث والسير وما في مستواها، ومنها ما هو ثقافي في الآداب والفنون كالشعر والنثر والقصص والحكايات الشعبية، ومنها ما هو سياسي وتاريخي ككتب التاريخ والتراجم والتسجيل والرصد للأحداث والحوادث التاريخية. كما يوجد كتب في الفلسفة وعلم الكلام وغيرها من الكتب.

معظم هذ الكتب إن لم نقل كلها، كتبها عيال طالب. ويكاد يكون اليمني العادي مختفياً من تأليف أي كتاب أو مخطوط في أي مجال من المجالات. وإذا ظهر مؤلف أو كاتب من غير عيال طالب لابد أن يكون مرتبطا بهم كأن يكون قاضيا يعمل في خدمتهم أو فقيها يشتغل لصالحهم.

وكما اختفى اليمني العادي من حرفة التأليف اختفى تماما من مواضيع التأليف فلا أحد يعرف كيف عاش ولا كيف كانت طبيعة حياته وتطوره وانجازه.

لقد احتكر عيال طالب تعلم القراءة والكتابة تماما، فهم المعلمون وهم المتعلمون. هم القراء وهم المؤلفون. بينما جعلوا اليمني يقتصر على قراءة القران وبعض الأحاديث ودفعوه عكفياً معهم أو فلاحاً للأرض يزرع ويقلع ويرعى الأغنام والأبقار لكي ياتوا ليأخذوها زكاة وواجبات ومكوساً وضرائب، ويظل اليمني فقيراً معدماً أمياً جاهلاً يدور في حلقة مفرغة لخدمة عيال طالب.

إن من يقرأ كتب التاريخ اليمني المخطوط سيجد الآلاف من أسماء عيال طالب في موسوعات لتراجمهم مشفوعة بالألقاب الفخيمة والعبارات الجليلة والكنى الكبيرة كالعلامة الحبر الفهامة.. ثم يسرد ما قام به عيال طالب في علوم والفنون والتدريس.

وهكذا شغلت تأليفات ال طالب تدوين تاريخهم وتسجيل أيامهم وحوادثهم ولا يكاد يوجد اليمني الحقيقي الفلاح الراعي الصنائعي إلا لماما.

ولكي يبقى عيال طالب في قمة المجتمع عمدوا ليس تقسيم المجتمع إلى طبقات وفئات اجتماعية هرمية فقط، بل أيضا سعوا إلى احتكار الكتابة والخطابة والتدريس وبذلك يبقى اليمني مجرد مخلوق يخدم عيال طالب في وقت السلم في الحقول والمراعي وفي أيام الحروب في المعارك والقتال.

ومما يجدر ذكره هنا أنه قبل أن يتمكن بن طالب صاحب مران من إسقاط الدولة، سعى عيال طالب في صنعاء إلى إخراج موروثهم الضخم من المخطوطات عن طريق مكتبة الإمام زيد في صنعاء والتى يترأسها السلالي عبدالسلام الوجيه الذي ألف مؤلفا ضخما سمعاه أعلام مؤلفي الزيدية جمع فيها كل من اشتغل في التأليف والتعليم من الزيدية.

وثمة حادثة لابد من إيرادها في هذا السياق، فقد جاء عبدالسلام الوجيه وأحمد إسحاق إلى ألمانيا للحديث عن المخطوطات اليمنية وكان لدى الألمان مشروع ترميم ورقمنة المخطوطات. المهم حضر ورشة العمل الدكتور أحمد المصري وأنا. كان الأستاذ محمد عبدالسلام منصور حاضرا الندوات أيضا.

وفي أثناء ورشه العمل لاحظ الدكتور أحمد المصري أن الحديث كان مقتصرا على مخطوطات الزيدية في صنعاء فطرح سؤالا مهما وهو: لماذا يتم تجاهل المخطوطات في زبيد وفي حضرموت؟ فكان رد السلالي الوجيه نحن نهتم فقط بالتراث الزيدي . كان الرد بهذا المعنى.

المهم، وتلف الأيام وتدور الأحداث لنكتشف أن عيال طالب كانوا يضمرون الشر لليمنيين ومايزالون.

عناوين ذات صلة:

زر الذهاب إلى الأعلى