مخاطر حوثنة المناهج
عادل الأحمدي يكتب: مخاطر حوثنة المناهج
موضوع التعليم في اليمن مؤرق جدا ويؤرقني شخصيا باعتباري ابن السلك التعليمي. كنت طالبا في معهد المعلمين لثلاث سنوات، وهو الدبلوم الموازي لنظام الثانوية. ثم أربع سنوات في كلية التربية بجامعة صنعاء. وفي العام 1998م شاركت مع بعض الأصدقاء في تأسيس أول جمعية ومؤسسة أهلية مهمته في قضايا التعليم أسميناها " أجيال"، ولكننا للأسف لم نحصل على الترخيص من وزارة الشؤون الاجتماعية ذلك الترخيص الذي كان مرتبطا بموافقة من وزارة التربية وللأسف اكتشفنا بعد ذلك أن الذي لم يوافق على تلك المؤسسة هم للأسف منتمون للسلالة التي نحن الآن نتجرع ويلاتها ليل نهار.
الحديث عن التعليم مؤلم ومؤرق.. كنا نعاني من هفوات كثيرة في المنهج أيام كان المنهج أقل خطورة قياسا بهذه التعديلات التي شرع فيها الحوثيون الآن. كنا نعاني من قصور المنهج وأثبتت لنا الأيام الآن عندما نستعيد تاريخ اليمن وبطولات اليمنيين ورموز اليمن وهوية اليمن أن المناهج السابقة لم تقدم اليمن لليمنيين كما يجب، لم تعرفنا بتاريخنا ولا بأساسيات ديننا الرافضة لأي شكل من أشكال التمييز العنصري بين البشر. للأسف.. والآن فإنه رغم علات التعليم والمناهج السابقة إلا أنه يراد أن تكون المناهج المعدلة حوثيا، أداة أخطر لصناعة الجهل.
هذه هي المشكلة الآن: الجهل صناعة مثلما أن العلم صناعة. وعندما يتم تعميم الجهل عبر وسائل ومنابر مؤسسات الدولة في المدارس والجامعات وما إلى ذلك تكون الطامة أكبر وهذا ما يفعله الحوثيون حاليا، يريدون أن يحولوا المدارس إلى متارس وإلى منابر لنشر الجهل، بحيث تؤدي إلى ابتعاد الناس عن كينونتها الوطنية وعن التعامل الإنساني الخلاق، عن أن تكون منتجة محبة للخير والسلام والأمان والمساواة والحرية والكرامة والشجاعة إلى آخر هذه المصطلحات التي يهدف كل تعليم في العالم على اختلاف الدول واختلاف الأزمان والأديان، يهدف كل تعليم إلى أن يرسخها.
حاليا تأتي كل فعاليات الحوثيين الآن على النقيض من كل ذلك.
عموما، تأتي التعديلات الحوثية والمحاولات التي يمشون فيها بالتدرج في كل شيء ومعلوم أن المنهج المدرسي ليس محصورا فقط في الكتاب، إذ يعتبر النشاط المدرسي والأنشطة الصفية والأنشطة خارج سور المدرسة، نوعا من أنواع المنهج المكمِّل.
تقوم سلطة المليشيا بحرمان عشرات بل مئات الآلاف من المدرسين من رواتبهم بغرض تسريح أكبر قدر من هؤلاء وإحلال طواقم طائفية بدلا عنهم.
إلى ذلك تحول التعليم الآن في مناطق الميلشيا إلى مشكلة حقيقية وهذا هو الذي يجعل من ضرورة تسارع الخطى من أجل التحرير، أمرا ملحا، إذ يمكن أن نصبر على تفاقم الأزمة الاقتصادية وإن كانت فعلا قد بلغت مبلغا كبيرا في معيشة الشعب، ويمكن أن نصبر على أية أضرار أخرى، لكن يستحيل الصبر على قضية أن الحوثي الآن يريد أن يمغنط ويؤدلج أجيال اليمن ويفخخها بحيث تصبح عناصر أشبه بالعناصر الداعشية وأكثر من ذلك تغدو عبارة عن عناصر تموت فداء للعبودية.
هذه كارثة لا يمكن السكوت عليها، لهذا كلما كان لدينا مثلا اهتمام في الجانب التعليمي كلما غسرعنا في بقية الملفات. ولو انطلقنا من باب تصحيح التعليم لقمنا بتصحيح كافة الجوانب الأخرى من سياسية وعسكرية واقتصادية.
في ظل سلطة المليشيا لقد أصبح الجانب التعليمي مشكلة، بمعنى أن ولي الأمر الذي يذهب بابنه وابنته إلى المدرسة هو أمام خيارين: أن يعود هذا الابن مؤدلجا طائفيا ولديه معتقدات خاطئة عن الدين والوطن والعالم، أو أن يعود على صندوق أو أن يظل في البيت وهذا هو الخيار الثاني وبالتالي يكون أيضا جاهلا.
هناك كارثة حقيقية ويجب أن نستشعر الآن المشكلة ويجب أن تكون هناك معالجات كبيرة وملحة، ويجب أن يعمل المجتمع دورا في كبح هذه الجماعة عن محاولة أدلجة وتطييف التعليم.. في النهاية لا يجب أن يدفع المجتمع بأبنائه إلى محرقة فكرية تتمثل في صناعة الجهل.
الذي يحدث الآن من قبل الحوثيين هو صناعة الجهل، فالحوثي لا يستطيع أن يكذب على الناس إلا في وسط بيئة جاهلة وفي وسط مجتمع غير متعلم لهذا يحرص على اتساع رقعة الجهل لأنه كلما كان هناك وعي كلما كان هناك فجر كلما كان هناك حرية كلما كانت حظوظ الحوثي أقل ولهذا هو يسابق الزمن لاتساع رقعة الجهل أكثر.
ونلاحظ الآن مثلا قائمة القتلى من الأطفال والمغرر بهم في صفوف المليشيات الحوثية سنجد أنهم من الأشخاص محدودي التعليم، محدودي الاطلاع، محدودي الثقافة، جاء ليكذب عليهم باسم الله ورسوله وآل البيت وما إلى ذلك والموت لأمريكا والقدس.. وهذه الأسطوانة التي تنطلي على الكثير من البسطاء.
مشكلة التعليم لا تتوقف عن هذا الحد. وهنا أعود إلى النقطة الأولى أن علينا دور في المنابر الإعلامية والبحثية والمؤسساتية، وهناك دور يقع على المجتمع في مناطق المليشيا؛ عليه أن لا يستسلم أبدا لا في التعليم الأساسي ولا في التعليم الثانوي أو الجامعي.. لا بد أن يكون هناك نوع من الممانعة المجتمعية سواء من قبل النخب المثقفة أو من قبل الأعيان. لن تستطيع المليشيا ان تجبر مجتمعا كاملا على تغيير هويته وعقيدته إلا بالتحايل البطيء إن كان هناك نوع من الوعي.
الأمر الآخر يتوقف على جهود يفترض أن تقوم بها وزارة التربية والتعليم التي للأسف تتعامل على أنها وزارة للمناطق المحررة فقط من تعز وصولا لعدن ومرورا بالمهرة ومارب. هناك مسؤولية كبيرة تقع على الجانب الحكومي ولا يجب أن نعفيه من المسؤولية ويجب ان يتوجه إعلامنا نحو هذه القضية بشكل دائم ومستمر لأن المخاطر كبيرة والناس قد لا يخافون على حياتهم ولا على معيشتهم مثلما يخافون على مستقبل أبنائهم.
يجب ان ننبه المجتمع على خطورة ما يفعله الحوثيون الآن. إنهم يقومون بصناعة الجهل وعسكرة المدارس وتحويلها إلى متارس.
كما يفترض بالمحيط العربي والمجتمع الدولي أن يتنبه للمواطن الناجمة عن التساهل في في هذا الجانب، ما الذي ننتظره من جيلا يعتنق صرخة الموت وأية حياة سوف تأتي من جيل كهذا؟!
علينا من الآن أن ننبه أيضا وندق أجراس الخطر للمجتمع الدولي حتى يسهم بدعم الحكومة الشرعية كما يجب، ودعم إجراءات حسم المعركة لصالح المشروع الوطني الذي تؤيده القطاعات العريضة الشعبية وتؤيده الأحزاب ويؤيده الإقليم ويؤيده تاريخ هذا الشعب وهويته وإلا فإن المخاطر لن تتوقف عندنا كيمنيين لأن ثمة صناعة دائبة لقنابل مفخخة عن طريق تغيير المناهج.
أخيرا أشكر القائمين على هذه الندوة ويجب أن يكون موضوعا دائما للطرق، موضوعا دائما للبحث، للتذكير، ودق أجراس الخطر، لأن هذا موضوع لا يحتمل الانتظار ولا يحتمل التساهل أو التهاون.
- كلمة في ندوة مخاطر تطييف التعليم التي أقامها ملتقى أبناء اليمن في ماليزيا، 8 مايو 2021.
- رابط الكلمة في يوتيوب:
عناوين ذات صلة: