[esi views ttl="1"][esi views ttl="1"]
رئيسيةمنوعات

الأغنية اليمنية تواكب جائحة كورونا وتنقل مشاعر ملايين المغتربين إلى أهاليهم

مصطفى غليس يكتب حول الأغنية اليمنية تواكب جائحة كورونا وتنقل مشاعر ملايين المغتربين إلى أهاليهم


في هامش هذه الدراسة قصة طريفة لكنها حزينة في الوقت ذاتها، شهدها كاتب أغنية "المحب اليماني"، فبإغلاق دول العالم لحدودها على إثر تفشي جائحة كورونا وجد اليمنيون المغتربون في مختلف أرجاء الكرة الأرضية والمسافرون للعلاج، وجدوا أنفسهم عالقين وممنوعين من السفر للعودة إلى اليمن مثلهم مثل بقية رعايا الدول الأخرى، فكتب أغنية "المحب اليمني" في محاولة منه للتخفيف من وطأة الحنين الناجمة عن البعد وفراق أهاليهم. كانت النتيجة غير متوقعة، وسيتم سردها في موضع آخر من هذه الدراسة التي تقتضي منا التمهيد لها بما يناسب فكرتها.

يُنظر إلى الأغنية كوثيقة تأريخية واجتماعية، وفي حالات كثيرة يكون الفن الوعاء الأنسب لفهم تطورات المجتمع، وتوثيق تفاعلاته الاجتماعية، وهو ما ينطبق على الأغنية اليمنية، لا باعتبارها نصًا مسموعًا فقط، بل مدخلًا نفذ من خلاله الشعراء والفنانون إلى أوساط المجتمع اليمني لتجسيد تفاعلاته ورصد طقوسه بما فيها من أفراح وأرتاح.

في المؤلفات التي وثقت للأغنية اليمنية وخصوصا ما كتبه الفنان والمورخ محمد مرشد ناجي والموسيقار والباحث جابر علي أحمد، أو في موسوعة الشعر الغنائي اليمني في القرن العشرين، سيجد القارئ مئات الأغاني التي خصصها مؤلفوها للتعبير عن أحوال المجتمع اليمني خلال القرون الماضية، كأغاني الريف والزراعة بمختلف مراحلها من البذور إلى الحصاد، أو الأغاني المخصصة لرصد طقوس الأعراس والولادة وحتى الموت، وقس على ذلك بقية الأحوال والظروف الاقتصادية والسياسية والظواهر الاجتماعية التي عظم الشعراء حسنها وانتقدوا سيئها، واستمر الحال حتي وقتنا الحاضر.

وفي الوقت الذي كان فيه العالم على عتبة العقد الثالث من القرن الواحد والعشرين، بدأت وسائل الإعلام العالمية الحديث عن فيروس كورونا الذي بدأ بغزو دول العالم دولة بعد أخرى حتى غطاها جميعًا، وكان لهذا الانتشار غير المتوقع تبعات سلبية على مختلف الأصعدة، حيث وضعت جائحة كورونا العالم كله أمام أزمة إنسانية بالغة الخطورة لم تنته حتى اليوم. وبما أنه لا يمكن فصل الأغنية عن محيطها الإنساني بامتدادته السياسية والاقتصادية والاجتماعية، فقد تبارى شعراء اليمن كغيرهم من شعراء الدول في رصد أزمة كورونا ثقافيًا وتفاعلوا معها بنتاجهم الإبداعي، فكتبوا القصائد التي تعبر عن هذه المحنة الإنسانية، ووجدت إحدى تلك القصائد طريقها لتتحول إلى أغنية كتبها الصحفي مصطفى غليس، وغناها الفنان المبدع بشير الضيفي بلحن من التراث اليمني الغني بألحانه وإيقاعاته المتفردة.

والأغنية محل الدراسة تجسد شوق المغتربين اليمنيين، والعالقين خارج اليمن للوطن والأهل والأحباب والأصحاب بعد أن حوصروا في دول المهجر جراء قرارات حظر السفر بين الدول وإقفال المنافذ البرية والمطارات بسبب جائحة فيروس كورونا، وبهدف الحد من انتشار الفيروس المرعب.

ولأن منافذ السفر مقفلة، بدأ الشاعر بمناجاة الطير طالبًا مساعدته لينقله إلى صنعاء، فهو وحده الوسيلة المتاحة بعد حظر وسائل السفر التقليدية، ففي صنعاء، عاصمة اليمن وقلبها النابض، يجد الشاعر - المغترب ذاته َبها وحدها يطيب له المقام برفقة الأهل والأحبة الذين حرم من العودة إليهم بسبب جائحة كورونا التي خلقت أزمة إنسانية متكاملة الأركان:

طير يا طَير أمانة شلني نحو صنعاء
رد قلبي مكانه عل يسلا ويهنا
في زمان الكورونا فارق الخل خله
بالتباعد حكمنا رب يا رب شله

ولأن الأغنية تجسد حالة المغترب اليمني فسنجد شاعرها في المقطع الثاني من القصيدة، قد عاد لمخاطبة ذات الطائر ليسافر به على جناحيه إلى مدينة المكلا الساحلية شرق اليمن، عله يجد الفرحة التي يفتقر إليها ويتذوق عسل دوعن الشهير ليشفي جراحه التي خلفتها الغربة القاسية:

طَير يا طَير أمانة شلني للمكلا
رد قلبي مكانه عل يهنا ويسلا
نحو عش الأماني شلني ع الجناحي
واسقني من عسلها شهد يشفي جراحي

ولتأكيد البعد الوطني في هذه الغنائية المخصصة لكل مواطن يمني ينتقل الشاعر من حضرموت إلى العدينة، وهي الاسم القديم لمدينة تعز عاصمة الثقافة اليمنية، وعلى ذات الطائر فبلقاء الأحبة في العدينة قد يتلاشى الحنين وتخفت الأشواق التي بعثها البعد الطويل الناجم عن حظر السفر وإقفال المطارات، ومع تزايد الحنين والشوق تتزايد الأسئلة الملفوفة بالحيرة والعذاب:

طير يا طير أمانة شلني ل العدينة
رد قلبي مكانه عل يخفت حنينه
قفلوها المطارات كيف برجع بلادي
والعذابات زادت من طويل البعادي

وفي حجة يجد الشاعر بهجته المفقودة، لكن تلك البهجة مرهونة بالعودة إلى المدينة المعلقة في قمم الجبال لتعانق الجبال المتراصفة في أقصى شمال اليمن، لذلك نجد الشاعر وقد فقد صبره وزاد في إلحاحه على الطائر الذي لا يحده حظر ولا يمنعه قفل الحدود عن العبور إلى حيث يريد، ولذلك يلجأ الشاعر المغترب إلى استعطاف الطائر لتحقيق حلمه في العوده إلى أرضه واللقاء بأهله وناسه:

طير يا طير أمانة شلني نحو حجة
رد قلبي مكانه عل يشعر ببهجة
قوم يا طير بربك حقق الحلم وامضي
واجعل الحب دربك نحو ناسي وأرضي

ومع تعاظم الحنين، يفقد الشاعر المغترب صبره، فيحاول الضغط على الطائر ليختصر المسافات والزمن ويعود به إلى موطنه الذي يحمل ذكرياته الجميلة، ويطالبه فوق ذلك بأن يصدح بألحان اليمن الفريدة، وذات الخصوصية المائزة فإذا كان شماليو اليمن يصدحون ب"البالة" ويترمون بها، فإن لها شقيقًا فنيًا هو "الدان" القادم من جنوب اليمن ومن حضرموت تحديدا، وبهما يحلو السهر والسفر على السواء:

طير ياطير والآن شلني في ثواني
واعزف البال والدان للمحب اليماني

وعودٍ على بدء، ولإكمال قصة هذه الأغنية، كما أشرنا في مقدمة هذه القراءة السريعة، فإن كاتبها هو الصحفي مصطفى غليس. كُتبت في مارس من العام 202 0 وغنيت في أبريل من العام ذاتها، خلال الإقفال التام للحدود وما رافقه من حظر تجوال في مغظم دول العالم، بما فيها المملكة العربية السعودية التي يقيم فيها الشاعر مع أسرته، وحينما أعادت الدول فتح حدودها توجه إلى القاهرة لإجراء امتحانات الماجستير في العاصمة المصرية القاهرة،

وقبل أن تنتهي الامتحانات أعادت المملكة إغلاق حدودها أمام عشرين دولة من ضمنها جمهورية مصر، بسبب الموجة الثانية من كورونا، فوجد كاتب الأغنية نفسه يشرب من ذات الكأس التي تجرعها كل المغتربين اليمنيين، ويعيش ذات المشاعر القاسية، بعد أن عجز عن العودة إلى أسرته في الرياض، لكن معاناته تضاعفت أكثر مع حلول موعد ولادة زوجته بعملية قيصرية فيما لا يزال بعيدًا عنها وعن أطفاله حتى كتابة هذه الأسطر في القاهرة، على أمل أن تفتح الحدود مجددًا ويلتقي بأسرته بعد غياب مستمر منذ نصف عام وأكثر قليلا.

رابط الأغنية:

 

عناوين ذات صلة:

 

زر الذهاب إلى الأعلى