آراء

شرعب.. وخرافة القسم!!

د. محمد شداد يكتب حول: شرعب.. وخرافة القسم!!


كثرت الخرافات الدينية والأيديولوجية في أوساط المجتمع اليمني المثخن بقضايا المعيشة والحروب والدمار المجتمعي والهوس السياسي والرُخص الإنساني المهول، حتى أُشكل على الكثير إدراك حقيقة ما يغتلي في قلوب الناس ويسحر عقول اليمنيين..

تداول الكثيرون "فيديو" يصور مجموعة من المنتفعين التائهين والمفلسين قدرات ومواهب، ترفع أيديها وتبايع الطاغوت في شرعب الرونة غير شرعب السلام، والكثير لا يعلم مغزى الحدث وأهداف التداول بشكل واسع للفيديو.. المغزى هو إخبار من هم في مناطق سيطرة الحوثي أن هذه هي شرعب الشافعية الاشتراكية الحزبية المتمردة على كل النظم والتي لم تعرف الشيُع والمذهبية قط ترفع أيديها مبايعةً بالولاية المزعومة.. والهدف هو إيصال رسالة لباقي الرافضين أنا قد احكمنا السيطرة ولم يعد للثائر جدوى في مواصلة الحرب ضدها ولم يعد له من فائدة.

قد يصدق الذي لا يعرف طبيعة أبناء شرعب وما رُوج له، والحقيقة أنهم جبلوا على التمرد وخلقوا ثواراً بالفطرة على الظلم والخرافة والاستبداد، دماء تغلي دون محرِّض يقتتلون لمجرد الإهانة الشخصية التي لا تستحق الشجار، يقوم البعض منهم بصناعة السُم لاستخدامه ضد خصومه، ويشتغل البعض الآخر منهم بالتمائم والأسحار، يتحزبون حتى النخاع، ويعشقون التعليم بطريقة استثنائية.

تجد كُتُب البردوني والزبيري والنعمان وتاريخ الثورة اليمنية وخرافات الإمامة التاريخية منتشرة عندهم في كل بيت، كانت شرعب من أوائل البلدان في التعليم بعد حيفان الحجرية في اليمن، والسباقة في رفد ثورة 26 سبتمبر و 14 كتوبر وفي محاربة نظام صالح عند انطلاق الجبهة الوطنية الديموقراطية في بداية العقد السابع من القرن العشرين، وقدموا الكثير من الضحايا والتضحيات، أنهكوا الدولة، هُجِّر الكثير منهم، رحلوا إلى البلدان القريبة والبعيدة وصاروا قمما مادية وعلمية وعملية.

التحقوا بالكليات العسكرية عندما سُمح لهم مع بداية الثمانينات لأنها كانت قد حُصرت على مناطق معينة دون غيرهم بعد أحداث أغسطس 68 في صنعاء عقب الثورة، لأنهم ورفاقهم رفضوا عودة الإماميين للمشاركة في الحكم بعد هزيمتهم وتقلُد المناصب والتحكم برقاب الثوار!!

وعند توزيعهم على الوحدات العسكرية والأمنية بعد التخرُج كانوا من أوائل المتمردين والرافضين لفساد عكفة الإمامة وهُدَّام النظام الجمهوري من داخله، بصقوا في وجوههم من أصغر كاتب مالي وإداري حتى قمة هرم الفساد، أُقصِيَ معظمهم التزموا بيوتهم كرهاً، عملوا في حقل التعليم والثقافة وأبدعوا فيه.

تنتشي اليوم الإمامة بولائهم استثناءً عن باقي البلدان والواقعة تحت سيطرتها، لسان حالها ها هي شرعب الشافعية الاشتراكية المؤتمرية الاصلاحية منارة كل شيء والمتمردة على كل خرافة ترفع يدها مبايعةً للإمامة، وتؤمن بالخرافة.. يا لها من نكتة سخيفة في مطلع العقد الثالث من القرن الواجد والعشرين!!

يا لها من فاجعة عجيبة إذا ما صدَّق الناس الذي يجري، فغر البعض فاه متعجباً بحسن نية وغمز آخرون بخبث ساخراً، حتى شرعب انحنت وبايعت ولم نكن نحن أول من أجرم وانحنى وبايع وصدَّق بالخرافة لم نكن وحدنا مثالاً للضعف والخور والهُون.

ها هي شرعب تسقط غير أن الساقطين فيها قلة وحُثالة لا يمثلون الطيف الأعظم والأعم من سكانها، وهؤلاء موجودون في كل مجتمع في اليمن وخارجه وفي أوروبا قلب العالم الحديث.

ألم ينشئ هتلر نظاماً عميلاً له من الفرنسين عقب اقتحامه لها في الحرب العالمية الثانية؟ وعملوا لصالحه بإخلاص غير أنهم هُزموا وخابوا في نهاية المطاف وسجَّلهم التاريخ عملاء وخونة ولفضتهم فرنسا كما تلفظ النار الخَبَث بعد النصر!!

ألم تزرع إسرائيل عملاء لها داخل كثير من النظم العربية وجواسيس هُدِّمتْ بسببهم خطط وهزمت جيوش؟ دون ذكر أسماء حتى لا يتحسس البعض من ذكرهم، غير أنهم شُنقوا وقُتِّلوا عندما اكتُشفوا دون تردد لأن خيانة الأوطان والمبادئ جريمة لا تغتفر.

فلا يجب أن يبني الناس على فرضيات غير صحيحة، ويعقدوا الآمال على أصوات كاذبة وأيادٍ مرتعشة وقلوب مُهشَّمة.

من ظهروا في خط المطار مؤيدين للحركة الحوثية في صنعاء ليسوا الملايين في محافظة صنعاء الأبية، ومن خانوا صعدة لا يعبرون عن الأغلبية الساحقة الرافضة لمشروع الحوثي فيها، ومن صفقوا في جامعة إب للمشرف والمرشد الحوثي ليسوا كل أبناء محافظة إب، التي كانت وأخواتها مدداً وسنداً لثورة السادس والعشرين من سبتمبر ضد الإمامة طيلة عهدها، ولم يكن الضعفاء والباعة من محافظة تعز مصنع الثورات ومحرك الحركات الوطنية والوقفة كالشوكة الحديدية في عيون عصابات الإمامة وقوات الجمهورية الخائنة طيلة عهدها وفي الحروب الأخيرة مثالاً لأبنائها.

وليست الحديدة عروس البحر الأحمر خائنة وإنما بيعت بالأمس وبعض أهلها بثمنٍ بخس، وها هي رفضٌ مستمر تقاتل صامدة، وكذلك البيضاء ومارب وعدن والجوف وشبوة والحديث عن نضال الكل تفصيلاً يطول لا يتسع له المقام.

وأخيراً من يعتقد أن الشعب اليمني قطيعٌ من بشر في حوشٍ واسع اسمه اليمن بمقدوره إغلاق عليه الباب كي يكون له حارس وخادم فهو واهم، ومن يعتقد أن العقول اليمنية لازالت أراضيَ صالحةً لزراعة خرافته فهو جاهل، ومن يعتقد أنه سيجرِّف عقول الطفولة بمعسكراته الصيفية ويقلع ويزع فيها ما يشاء فهو لا يعيش على كوكب الأرض المتلاطم والزاخر بوسائل التواصل الاجتماعي والإعلام الذي يجري من تحتنا ومن فوقنا كالأنهار والعلوم المذهلة والتثاقُف الواسع لا يعيش معنا بل يعيش في غيابة الجُب.

عناوين ذات صلة:

زر الذهاب إلى الأعلى