حراك الأقيال وأهم التحديات
عمار صالح التام يكتب: حراك الأقيال في اليمن وأهم التحديات
العنصرية بين مفهوم العرق التاريخي والعرق السلالي الجيني'أ'.
في الوقت الذي يتسع فيه حراك الأقيال ويتمدد أفقياً ورأسياً كتيار ناشئٍ متنامٍ يؤمَّل المنخرطون فيه التحول إلى مشروع تجديدٍ فكري مفاهيمي، وسلوكي تنظيمي، داخل الكيانات الوطنية العامة والخاصة،الثقافية والتعلمية والسياسية والاجتماعية وغيرها. بما يشبه تشكل جماعات الضغط المشروعة داخل المنظمات عموما.
إلا أن الحراك القومي يتميز عليها كونه أقربُ بشكلٍ كبير إلى تيار الوعي القومي الأوروبي في عصر الفلسفة الواقعية والنظرية المعرفية التي أعادت صياغة وتعريف المجتمع الاوروبي، ودفعته لريادة الحضارة الإنسانية، بعد فك ارتباط المجتمع وقواه الحية عن كهنوت الكنيسة وتسلط ملوك الإقطاع، مع مراعاة الخصوصية الدينية والاجتماعية والفروق الجوهرية بين المجتمع اليمني والمجتمعات الأوروبية.
قبل التحديات التي أم حراك الأقيال لا شك أن هناك فرص عديدة أمامهم أبرزها التاريخ الإجرامي للهاشمية السلالية في حق اليمن واليمنيين والاجماع الوطني بنسبة غالبة للتخلص منها،
كما أن أصابة الكيانات الوطنية عموما بالتكلس والعجز الملحوظ بنسب متفاوتة في التعاطي مع مسار المعركة فكريا وعسكريا وسياسيا واقتصاديا في الداخل والخارج يمنح حراك الأقيال مساحة كبيرة للتأثير على المستوى الأعلى والمتوسط وعلى مستوى القواعد والأنصار من داخل الكيانات بتناغم جمعي متسارع، يسهم في تعزيز دور تلك الكيانات ويتجاوز مواضع عجزها بفتوة طاقاته وثوابت منطلقاته، مستفيدا من العامل الإقليمي بشقيه المساند للشرعية والمتحالف مع المشروع السلالي كحافزٍ خلَّاق يمنح الحراك زخماً وطنياً وتقبلاً إقليمياً وعربياً ودولياً في ظل الشرعية الدستورية.
ليس وحده خطر التحيز السياسي والتشكل في كيان محدد هو ما يهدد هذا الحراك الطرُّ الناشئ بغض النظر عن امتدادته التاريخية والنضالية، فثمة تحديات داخلية وخارجية أمامه تتطلب التفكير والتخطيط والتنظير لتجاوزها.
فلازال معظم المتفاعلين مع الحراك لم تتضح لهم الرؤية بعد ولم يحسن الحراك تعريف نفسه بما يتفق مع منطلقاته المبدئية وأهدافه للداخل والخارج بصورة واضحة بعيدة عن التأييد أو الرفض والأنحياز لدى كل الشرائح المعنية برسالته.
يتعين على الحراك مغادرة مربع ردة الفعل التي تسهم في رسم صورة سلبية نمطية لدى شرائح معنية برسالته في الداخل والخارج.
تحديات داخلية في علاقة الأقيال بمواضيع مهمة وخطيرة وتسببت في اثارة المخاوف والتساؤلات لدى قطاعات جمهورية وطنية واسعة حول علاقة الأقيال بالإسلام لما يمثل الإسلام من هوية دينية تاريخية لدى اليمنيين،
وكذلك عن علاقة الأقيال بالعنصرية وخوفهم من تحول الصراع من جمهوري شرعي وطني ضد عنصرية الهاشمية السلالية-إلى صراع عنصري مقابل: يفقد القضية الوطنية قداستها وعدالتها ويحقق للمشروع السلالي ما عجز عن تحقيقه في سبع سنوات.
التحديات الخارجية كالتصنيف المبكر للحراك واحتمالية الاختراق الفكري والاستخباراتي والسياسي على قدر اهميتها الا أنها ستتجاوز بتجاوز التحديات الداخلية،
ويبقى من أهم التحديات الداخلية التي تواجه الأقيال مؤشرات الجمود الفكري والثقافي المبكر الذي قد يكبح جماح وعنفوان التأسيس الاستراتيجي لتيار وعي تنويري يرجى منه تغيير وجه المجتمع اليمني إلى الأفضل.
تغيير بصورة شاملة ويعيد صياغته وتأهيله ووضعه على سكة استعادة دوره الريادي تدريجيا في سياق الحضور الإقليمي والعربي بداية عقد الثلاثينيات القادم، أو وفق بعض المفكرين في منتصفه أي بعد خمسة عشر عاماً.
مفهوم العرق التاريخي
خصصت الحلقة الأولى أ-ب من هذه التحديات للحديث عن علاقة الأقيال بالعنصرية ومالفرق بين مرتكز ما تقوم عليه الحركة وهو البعث لمفهوم العرق التاريخي بالإجابة على عدة تساؤلات:
ماهو مفهوم العرق التاريخي؟
ما أهمية الحلم او الوهم الملهم أو الاسطورة الجبارة لنهضة شعب أو أمة ما؟
كيف يصل الجمهور الوطني إلى مرحلة الانصهار في بوتقة الحلم المشترك والمستقبل المشترك وجعل أعراقه وتنوعه الجغرافي والثقافي دوافع ومحركات للنهوض الحضاري؟
ماالفرق بين مفهوم العرق التاريخي ومفهوم العرق الجيني السلالي العنصري؟
مفهوم العرق التاريخي:
هو عبارة عن موروث وتراكم تاريخي للأمة اليمنية/المجتمع اليمني، القائم على اعتبار الجغرافيا بغض النظر عن التسلسل العرقي التاريخي لأبناء المجتمع اليمني.
مفهوم العرق التاريخي لا يتعارض مع الهوية الإسلامية بل تمثل رافد حيوي حد تعبير المفكر الجزائري مالك بن نبي لمفهوم العرق التاريخي.
وقد تناولنا هذا الموضوع بمقالات سابقة وأضعافها ويفوقها عشرات الكتابات لمجموعة من الأكاديميين والكتاب المعتبرين خلال الشهرين الماضيين والفترة السابقة عموما.
مفهوم العرق التاريخي كما يوضح الهدف الرابع لحراك الأقيال مع حذف كلمة العلمانية وملاحظة حشو كلمة دستورية تغني عنها كلمة جمهورية.
تأسيس الدولة القومية الوطنية لليمنيين بمضامينها الحديثة ، جمهورية ، دستورية ، ديمقراطية ، اتحادية.. واستنادا على أن لليمن هويتها وشخصيتها التاريخية المستقلة التي ميزت اجتماعها المدني منذ خمسة الاف عام ، مرورا باضافاتها التراكمية من عروبة وإسلام وليس انتهاء بانفتاحها على كل المشترك
الانساني الذي راكمته البشرية من قيم وأفكار ونمو واسهامات وحقوق انسان.
وسنفرد حلقة خاصة للحديث عن تحدي الأقيال والإسلام كروح حنيفة دافعة، وكرسالة مجردة عن تعريف الهاشمية السلالية لها بمفهوم سلالي ضيق ينافي عالمية وإنسانية الرسالة المحمدية على صاحبها أفضل الصلاة والسلام وهما أهم خصائص رسالته الخاتمة للعالمين صلى الله عليه وسلم.
أما علاقة مفهوم العرق التاريخي بالإسلام كوحي لا تجربة تاريخية، فهو يتعاطى معه وفق قاعدة شيخ الإسلام بن تيمية: التفريق بين قداسة المبادئ ومكانة الأشخاص ورمزيتهم الإسلامية، ويتعامل مع المذاهب الإسلامية كمدارس فكرية وفقهية يسعه تجاهها مايسع جمهور المسلمين، مستلهما قانون تقنين الشريعة الاسلامية في دستور الجمهورية اليمنية،
ويسعى للإسهام من خلال الأقيال المتخصصين في الحراك القومي في عملية الإصلاح الديني التي تدعو لها المجامع الفقية والهيئات العلمائية والجامعات الإسلامية في اليمن والعالم الإسلامي في هذا السياق مع التمسك بالخصائص الاجتماعية والتاريخية للمجتمع اليمني كما وثقها رواد مدرسة الحكمة اليمانية من أبي الحسن الهمداني إلى الجهود الدينية الإصلاحية التي شكلت نواة الحركة الوطنية في ثلانينات وأربعينات القرن الماضي كما ذكر الدكتور المقالح في مقدمة كتابه حكيم الثورة، حسن الدعيس.
يلغي مفهوم العرق التاريخي كذلك تسمية المناطق والمعالم اليمنية والجماعات الوطنية بالمسميات المذهبية والطائفية. كزيدية، شافعية، هادوية تشكل هويات جزئية مستوردة تلغي الهوية الحضارية الجامعة لليمنيين في اطلاق الاسماء والأوصاف على المناطق والمعالم والاشخاص لإخراجها من سياقها الوطني التاريخي تدريجيا.
مفهوم العرق الجيني السلالي يعرِّف الإسلام ويحدِّد العلاقة بالإسلام ورسوله محمد صلى الله عليه وسلم من خلال أمرين:
الأول: من خلال السعي للحفاظ على الموروث الديني المتعارض بشكل جوهري مع أصل الدين ومنظومته العقائدية والعبادية والقيمية بصور متعددة،
هذا الموروث بشقيه السني أو الشيعي يمثل البنية التحتية للخرافة والإدعاء الجيني السلالي الذي يسعى لتشكيل العقل الجمعي اللاواعي للمجتمع اليمني من خلاله.
الثاني: وهو ما يحافظ على الأول يتمثل في التمسك بالفلسفة المثالية والنظرية السلوكية في التربية الدينية والخطاب الديني للمجتمع ومحاربة الفلسفة الواقعية والنظرية المعرفية الأقرب إلى تحقيق مقاصد الدين في استخلاف الأرض وعمارتها.
ويقوم مفهوم العرق الجيني السلالي على المبالغة في التقديس للدين بعموميات لاهوتية على حساب حقائق وقيم الدين الحق نفسه،
ومن ثم يضفي قداسة على التدين السلوكي وللرمزيات الإسلامية التاريخية والأسطورية السلالية من خلال مصطلحات أو طقوس في المناسبات الاجتماعية والدينية والعبادات،
وهي في مجملها دخيلة على الدين أو مناسبات طائفية يشرعن من خلالها لوجوده السلالي المزعوم وتقبل حقه الإلهي المفترى.
الحلم والوهم والاسطورة
يرى علماء الاجتماع وعلم النفس الاجتماعي والتاريخ وفلسفة التاريخ والحضارة ضرورة تكريس الحلم أو الوهم الملهم لاستنهاض شعب ما، وتجسيد أسطورة جبارة في العقل الجمعي اللاواعي كشرط أساسي يحدد بداية مشروع النهضة لهذا الشعب، لا سيما إذا كان كالشعب اليمني الذي تراكمت عليه ممارسات الكهنوت السلالي، والأطماع الإستعمارية قرونا من الزمن لقتل روحه الوطنية الوثابة الطموحة، والسعي لاغتيال قيمة اعتزازه بذاته اليمنية الأصيلة.
ومع ذلك فإن مفهوم العرق التاريخي باسقاطه اليمني في غنىً عن الحلم والوهم.
حيث ما كان لدى بعض شعوب الأرض من أساطير أنتجها الحلم والوهم فإن لدى اليمني حقائق تاريخية ومعجزات حضارية ستجسد أساطير جبارة. وشخصية اليمني الاعتبارية التي سيعيد مفهوم العرق التاريخي تعريفها وصياغتها هي أسطورة الأساطير.
العرق التاريخي والعنصرية
حسب مفهوم العرق التاريخي الذي يتشكل عبر التاريخ من خلال انصهار عناصر شعب ما ببعضها البعض تدريجيا.
وفكرته لاتؤسس على العوامل الشكلية كلون البشرة مثلا أو الفيزيولوجية الجينية. إنما تتأسس على عوامل الثقافة والاستيطان والتراث المشترك لشعب ما.
كما أن فكرة العرق التاريخي لا تستبعد التراكمات الوراثية من ساحتها.لماذا؟: لأن مفهوم اللاواعي الجماعي الذي يستمد منه شعب ما، الأسباب اللاواعية وسلوكه الاجتماعي العام من هذه التراكمات الوراثية.
لأنه مركب منها كما تتركب الارض من الطبقات الجيولوجية المتراصة بعضها فوق بعض كما يشير المفكر الجزائري مالك بن نبي في كتابه ميلاد مجتمع عن المجتمعات التاريخية التي تحتفظ بعوامل وجودها الأول وتظهرها بعد دورة السبات التاريخي الحضاري والدخول في دورة تاريخية وجغرافية تفضي بها إلى النهوض الحضاري من جديد.
اللاواعي والعرق التاريخي
اللاواعي الجماعي هو التكوين العقلي للشعوب، والشيء الذي يتحكم به هو العرق التاريخي. وقد عرف عالم الإجتماع الفرنسي غوستاف لوبون العرق التاريخي:
عندما تخضع شعوب من نفس الأصل أو تنتمي إلى أصول مختلفة،ولكن غير متباعدة جدا لنفس العقائد والمؤسسات والقوانين طيلة قرون عديدة فإنها تشكل عندئذٍ
العرق التاريخي
وعندئذٍ يمتلك هذا العرق نظاماً أخلاقياً وحتى دينياً وسياسياً مركباً من مجموعة من المواضيع والأفكار والعواطف المشتركة التي هي منغرسة في النفوس إلى الحد الذي تقبل فيه دون نقاش.
وبهذا فإن مفهوم العرق التاريخي أقرب منه إلى مفهوم ألأمة أو الشعب منه إلى مفهوم العرق بالمعنى العنصري للكلمة، كما يفهمه حراك الأقيال أو بالأحرى ما يتعين أو يكون عليه.
وهو بذلك يتناقض مع مفهوم العرق الجيني السلالي البيولوجي أو الفيزيولوجي لدى الهاشمية السلالية في اليمن.
ونعرف مفهوم العرق السلالي بالمعنى العنصري لجماعة عرقية تتمايز عن المجتمع اليمني التاريخي بكل مكوناته العرقية،بواسطة جملة من الخصائص الجينية المزعومُ توراثها لتمثل تفرَّد وتميَّز فوقي داخل النسيج الاجتماعي.
كما أن العرق التاريخي لا يدَّعي أفضلية فوقية أزلية للشعب اليمني على بقية الشعوب والامم الأخرى، فمنطلقاته:الإنسانية تجعله يؤمن بسنة التدوال الحضاري بين الشعوب والأمم، ويسعى للتميز التنافسي المحمود معتزاً بذاته وهويته اليمنية وفق سنة التدافع وفق المشتركات الإنسانية بين الشعوب.
في حين أن العرق الجيني السلالي تتراكم لديه الأحقاد الرافضة للتراكمات التاريخية الكلية للمجتمع، وتخرجه عن طور الدوافع الإنسانية المحتملة في الخير والشر، إلى الدوافع الانتقامية المحضة من كل فئات وأفراد المجتمع حين يتمكن لرؤيته الفوقية في أن البشر خلقو مسخرين لعرقه المزعوم وأفضليته السلالية المقدسة.
ومن خلال الفلسفة التي يعكسها مفهوم العرق السلالي لم تكف خرافة الهاشمية السلالية عن سعيها تاريخيا عن تمزيق النسيج الاجتماعي وإشعال الفتن والصراعات وتكريس العنصرية الطبقية، لتصنع وتحفظ بيئة وجودها الشاذ، الذي لن يتحقق وفق سلوكها العنصري إلا بسحق مقومات النهوض الحضاري لدى المجتمع اليمني، وقتل أشواق وتطلعات الارتقاء الشخصي لكل ابناء اليمن، عدى المنتسبين للعرق السلالي.
وهذا هو السبب الرئيسي للتخلف والتمزق والصراع اللامنتهي في اليمن خلال قرون من الزمن، ولن تنتهي إلا ببعث العرق التاريخي للمجتمع اليمني بتراكماته ومورثه التاريخي، وطي صفحة وتاثير العرق السلالي الجيني البيولوجي وإعادة تأهيله في العقود الخمسة القادمة ودمجه ضمن النسيج الاجتماعي والهوية الوطنية الجامعة.
يتبع........
مؤسسة جذور للفكر والثقافة-مأرب.