رئيسية

الرواية تظل للأبد بينما ينسى الناس المقالات

الروائي والكاتب اليمني الكبير محمد ياسين يكتب: الرواية تظل للأبد بينما ينسى الناس المقالات


اكتب واقوم بالتعديلات ورغم الاجهاد في هكذا تعديلات اتذكر ما قاله يوسا من ان لذة العمل الروائي في المرحلة الثانية، يقصد الحذف والاضافة ومنح الرواية نغمتها الاقرب للكمال.

كان ديستويفسكي يفكر بحسرة في اخر ايامه لو انه قام بتعديل عبارات كثيرة من رواياته، وأفكر الآن في تساؤل حول إلى متى اظل انفي تهمة الغرور الذي يبدو من خلال حديثي عن يوسا وديستويفسكي وكأنني واحد منهم.

ثم يخطر لي تساؤل اخر: هل كان علي ان أولد في براغ مثلا ؟ ويكون اسمي ميلان بدلا من محمود الذي ولد في رجاح؟ وذلك لكي اتمتع بالأهلية الكاملة للتواجد في العالم الروائي بجدارة؟

قال ماركيز مرة انه عليك ان لا تكتب بتواضع، ذلك سيبقيك كاتبا متواضعا على اية حال، ولقد صادف وليم فوكنر مرة أحد الكتاب المتواضعين وهو يقول انه سيكتب قصة لأهالي البلدة فذلك ما يمكنه، بينما كان فوكنر يضمر كتابة رواية للعالم، وحصل كل منهما في النهاية على ما اراد.

أتدرون يا اصدقائي لماذا اكرر هذه اللكنة كلما كتبت؟ اقصد تجدونني اكتب عني واقول كنت وكنت وفعلت؟

تلك هي لكنتي الوجودية منذ وعيت العالم، ولقد عرفت لاحقا ان هذا مزاج روائي ايضا، وكوني يمني الان فأنا لست ملتزما بالتواضع الروائي.

أيا يكن ما قالته "تبادل الهزء" وما التقطتموه والانفعالات التي تمكنت من مشاركتها معكم او القدرة والاخفاق في منحكم حكاية يمنية وتنويعات فنية، الا انني ممتلئ بذلك الحس القاهر لكوني سأهمس في اذن العالم يوما بمروية يمنية توضع بعين الاعتبار وفي المكان اللائق بتجربة انسانية جديرة بالشغف.

ولا اغفل هنا ان اصواتا كثيرة قالت : انا العزي، وكانت تلك اعظم تحية تلقيتها وقد ارضتني تماما، "انا العزي " هي كانت هدفي ورجائي وانا اكتب لكم تبادل الهزء ولقد فكرت بها كثيرا وبحماس مفرط ومنتشي، كيف يغلق احدكم الرواية مع اخر عبارة فيها ويردد جملة "انا العزي "

السياسة يا اصدقائي مضنية مخاتلة وتجعل أحدنا متملقا لذهنية ما،ـ ويتورط في تلبية التوقعات، بينما في العالم الروائي ما من تسويات ولا حذاقة ولا تبرئة ساحة بموقف صارم، انها المكان الذي تتجول فيه بكامل اناك، عار ومتضرر ومتهكم وصوتك يخرج منك لا من الضرورة والخندق.

انجزت للان ثلاث روايات بعد تبادل الهزء، لكن السياسة لا تدعني مع ابطال رواياتي نتحدث بهدوء،

افكر ان بلادنا تتداعى وكيف لي ان ابدو بهذا الاسترخاء لأنهمك في عوالمي الروائية، لكنها هكذا اناي ووجوديتي الآن.

وان لم اتعرف ككاتب سياسي لنهاية هذه الحكاية المأساوية الا انني احاول بالمقابل سرد نهاية حكاية يمنية اتمكن فيها من تجنب ما داهمنا في الواقع.

ذلك انه وأيا تكن نهاية الحكاية الفنية الا انها بالتأكيد لن تكن بقسوة ما تخطه الأسلحة من نهايات شنيعة غالبا.

اقاوم قدر السلاح بانسانية الفن، ربما لن يترتب على ما اكتبه من روايات اي مجد وقد لا يصغي العالم يوما لمروياتي، لكنني سأسرد بلا توقف، ذلك ما يبقيني قادرا على التنفس.

صفحة الكاتب

اقرأ أيضاً على نشوان نيوز: “مدن لا يعرفها العابرون” لمحمود ياسين: أقواس الدهشة (نسخة الكترونية)

زر الذهاب إلى الأعلى