[esi views ttl="1"][esi views ttl="1"]
اهتماماتمنوعات

لوحة العشاء الأخير بين دافنشي وجيرلاندايو

لوحة العشاء الأخير بين دافنشي وجيرلاندايو - جمال حسن


في اللوحة الأولى نشاهد براعة ليوناردو دافنشي، وهو يعالج موضوع العشاء الأخير. تبدو اللوحة غير مبهرة، لكنها تجسد لنا عبقرية دافنشي مقارنة بقنانين آخرين عالجوا نفس الموضوع.

لنتحدث عن لوحة دومنيكو جرلاندايو، والذي يكبر دافنشي بثلاث أعوام فقط. سنجد لوحته تفتقر للترابط الموضوعي، ومشتتة بتفاصيل عديدة، تمثيله القاعة بسقف مرتفع، وجدران مزركشة بأشجار وطيور ومقوسة. أيضا كنا سنحتاج بعض الوقت لمعرفة موضع المسيح في المائدة لولا الحواري المجاور له الملقي رأسه تحت يديه.

في لوحة دافنشي، نعرف ما يمثله هذا في فن الرسم، هو بمثابة جاليليو في العلم، شكل منعطفا، ابتكر فيه أسلوبا سيغير التصوير وإلى الأبد. واقعيته، وبلوغه بالمنظور مرحلة الكمال. لكن أيضا طبيعة تصرفه بالألوان والمضمون العام، جعله اللوحة ترتبط بوحدة عضوية من خلال ترابط الألوان والمضامين الأخرى. صحيح أن القاعة مفتعلة، وغير واقعية، جلوسهم كما في ندوة. وهذا فن ليس بالضرورة تمثيل الواقع ونسخه كما هو.

لوحة العشاء الأخير جيرلاندايو
لوحة العشاء الأخير جيرلاندايو (شبكات تواصل)

عنصر اللون متزن ومترابط. لكن أيضا اللوحة تخبرنا بأن كل شيء يدور حول المسيح، بل أن المسيح هو مركز اللوحة، وكأن العناصر الأخرى تولدت من خلاله، وكل شيء أيضا يدور حوله. من الناحية الفنية، تمثيله للحواري الذي بجانبه على هيئة أنثى، ليس مركزي، حتى وان اراد تمرير فكرة ما، او شفرة، وفقا لما يثار من جدل حوله، وهو ما تحدثت عنه رواية دان براون بعنوان "شفرة دافنشي".

لكن دافنشي، هو من غير الأسلوب العام، وبز معاصريه بشكل واضح. اذن تحدثنا عن ثلاثة مسائل، المنظور، والوحدة العضوية للموضوع، وأيضا عدم تشتيت الرؤية البصرية في الألوان. وهو ما نلاحظه في الموناليزا، وليدا والبجعة، ولوحات أخرى. ربما بين الذين سبقوا دافنشي لفت نظري مازاتشيو في تعامله مع الألوان. بينما رسامي البندقية يتفوقون بشكل لافت عن نظرائهم الفلورنسيين. حتى في الأسلوب التقليدي عند جيوفاني بلليني، فأسلوبه مبهر، استخدامه التعتيم، أيضا تقدميته في لوحته امرأة تأخذ زينتها.

أما عند معاصر دافنشي كارباتشيو، فتظهر تقدمية دافنشي، بابتكاره المنظور، مع العلم المنظور بدأ في النحت وتحديدا عند النحات الفلورانسي جيبرتي، لكن في الرسم دافنشي هو من اهتدى اليه.

يظهر تأثر فناني البندقية بالفن الفلمنكي، في ارض الفلاندر. سنلاحظ ذلك عند بيليني، ثم في التصرف بالألوان، وتحديدا في التحيز للعتمة، مقارنة بأسلوب الفلورنسيين المشرق، على وجه الخصوص مايكل أنجلو الذي يميل للون الفاتح.

ورغم تفوق الفن الفينيسي عن نظيره الفلورانسي، سنجد موضوع العشاء الأخير عند فنان فينيسي هو تنتوريتو، والذي ولد بعد رحيل دافنشي بثمان سنوات، سنجده مهووس برموز وايحاءات، وتفاصيل عديدة. ما ميز دافنشي هو تحديد المضامين، لم يتشعب في المواضيع. نفس الأمر عند جورجيني وتيتيان، هذا الأخير بلغ بالفن الايطالي ذروته. تنتوريتو، زخرفه الباروكي كان صارخا، يبالغ في تمثيل الأشياء. البحر المضطرب زمجرة السحب، يحاول ان يوحي مباشرة بدلالة الحدث، كما في العشاء الأخير. لكن دافنشي، يترك الأمر عميقا ومعبرا دون تجسيم مبالغ في عناصر اضافية. فطريقة تعبير الحواريين وتمثيل جلوسهم في المائدة كان كافيا ان يعبر عن كل شيء. ربما اللوحة الأجمل لهذا الموضوع، تعود للفينيسي فيرونيزي، واسماها "وليمة في بيت لاوي". لكنه أضفى عليها حس لعبي صاخب، وليمة مرحة وفيها من الحفاوة بالحياة والثمالة، ما يجعلها تخرج عن مضمون الكنيسة، ما تسبب بمحاكمته.

فيرونيزي اخر الرسامين الفينيسيين العظام، ويضفي على لوحاته زخرف باروكي، كما يضفي عليها بذخا. اعتقد ان"العشاء في بيت لاوي" حيوية مقارنة بكآبة اللوحات السابقة ووقارها.

حاولت ان اشير الى جانب من أهمية دافنشي فأسرفت بالحديث عن أشياء أخرى، لكن ينبغي التركيز على أن أهميته تكمن بكونه لحظة مفصلية تغير فيها فن التصوير رأسا على عقب، وهنا قيمته، بينما لوحات رامبرانت وتيتيان وفيرمير وفيلاثكيث تفوق لوحات دافنشي، من نواحي جمالية كثيرة.

حتى ان مايكل انجلو طور من تقنيات أخرى مثل اضفاء حيوية على الجسد، عبر تدويرها وتجسيمها بخطوط منحنية،مع التركيز على تفاصيل مثل العضلات، مسألة ستبلغ ذروتها عند روبنز. رغم ان انجلو كانت لوحاته مشرقة لدرجة مضجرة. أظن الرسم مثل الموسيقى مليء بالتفاصيل المبهرة والرائعة.

* صفحة الكاتب

اقرأ ايضاً على نشوان نيوز:

زر الذهاب إلى الأعلى