لا فضيلة للحوثي!
محمد دبوان المياحي يكتب: لا فضيلة للحوثي!
علينا مجابهة هذا المزاج الطفولي المبهور تجاه ما يقوم به الحوثي في البحر الأحمر. هذا التذبذب بين من يرفض الفعل ومن يصمت تجاهه، من يؤيده ومن يعارضه، هو برهان ارتباك فاضح، علينا تجاوزه. نحن بحاجة إلى موقف سياسي جذري يتناغم مع رفضنا لحكم السلالة الحوثية. رفضها وهي تتمسّح بالفضيلة؛ تمامًا كرفضنا لها وهي غارقة في الرذائل.
لقد شكّل موقف الحوثي التجاري، تجاه ما يجري في غزة، حدثًا مربكًا لخصومه من مختلف التوجهات؛ لكأنهم أمام إحراج لا يملكون أي تصور جاهز لمواجهته. بل تخطى الأمر أن الحوثي صار يتخذ من موقفه الفهلوني مدخلًا لادعاء تفوقه الأخلاقي على خصومه، وبما يُضاعف من صورته المستأسدة عليهم. وهنا يكمن جوهر العبث الحوثي الذي يستوجب مقاومته.
يُفزعني الصمت تجاه أعمال الحوثي في البحر الأحمر؛ بأكثر مما يخيفني تأييد أعمالها. ففي الصمت إزاء أعمالها العسكرية في البحر وما تُسميه "نصرة غزة"؛ إيحاء بإمكانية قبول حكمها؛ حالما انتهجت سلوكًا أخلاقيًا جيدا. لكأن رفضنا حكم السلالة هو مجرد اعتراض أخلاقي بسيط؛ يتعلق بعدالتها وظلمها، سواء كانت هذه العدالة تجاه الداخل أو الخارج، ففي الحالتين لا يصح اتخاذ سلوكها اللحظي مبررا لأي تعديل في الموقف تجاهها.
علينا أن نستحضر القصة من جذورها، قصة رفضنا لحكم السلالة وهي تغتصب السلطة، وتهتك كل أسس السياسة، وتفرض لعبة قسرية لا جدوى معها في الحديث عن أي خيرية أو شرور في سلوكها، إذ لا معنى لخيرية جماعة منحلة في جوهر وجودها السياسي، كما ليست شرورها المبرر الوحيد لمناهضتها.
للمرة الألف، الحوثي كلّه شر، وشرّه المطلق ليس نابعًا من انعدام أي فضيلة فحسب؛ بل من عدم امتلاكه لأي حق في ادعاء سلوك فضيلة، ناهيك عن أنٰ وجوده بكامله يتناقض مع أي محاولة لممارسة أي فضيلة.
وعليه يكون واجبنا، ليس بتجريد هذه الجماعة من الفضائل المدعاة، بل في مواصلة كشف جذورها النابتة في بحر كله رذائل. مهمتنا تجديد إثباتنا بأنّ رموز الجماعة يمثلون فيلق الجريمة الكاملة، حتى وهم يوزعون الخبز، ويصرخون بواجب نصرة الضحايا؛ لا تتبدل صورتهم ولا تتغير ملامحهم، فليس فيهم أي دافع داخلي طاهر. كما كانت تردد امرأة بابلية قديمة: "يا إلهي ما أوسخ عبادك الحوثيين؛ ليس فيهم روح طاهرة".
إنهم يثبتون شذوذهم عند ممارسة أي فضيلة بأكثر مما يفعلون، وهم يمارسون شرورهم الأصلية منذ زمن. وهذا هو المبدأ الذي يتوجب استخدامه كمعيار في تقييم كل موقف لهم، دون حاجتنا للتأكد من جوهر ما فعلوه كل مرة.
عليكم استحضار هذه الفكرة الأخيرة: في نضالكم السياسي ضد جماعة الحوثي، يُحظر أي افتراض لنوايا طيبة، يُحظر أي ارخاء للموقف الرافض لهم. عليك أن ترفض الصلاة خلفهم، ولو رأيتهم يرتدون الإحرام، وليس في حوزتهم أي أدوات للجريمة.
بدون هذا النهج، نكون قد ارتكبنا خيانة تاريخية وأخلاقية وحضارية بحق أنفسنا وبحق الأجيال، وفرطنا بمصير ومستقبل شعب كامل. ويا لها من انتكاسة فادحة، يجدر بكل إنسان يحترم وجوده؛ صيانة نفسه من تواطؤ كارثي كهذا.
الخلاصة:
لا يستند موقف الحوثي من غزة على أي أرضية أخلاقية صلبة وجديرة بالاحترام، كما لا يتضمن موقفه أي تغيّر أخلاقي أو مراجعات سياسية جذرية تتعلق بسلوكه الكلي. وعليه فمهما كانت الصورة الخارجية لما يقوم به، يتوجب رفضها. ما يعني أننا أمام جماعة ليس من حقها ادعاء أي فضيلة، ما دامت غير مؤهلة لأي سلوك فضيل.
وليس في الأمر مزايدة على ما تقوم به، بل تأكيد لجوهرها. ذلك أنك أمام جماعة فاقدة لأي مشروعية في تمثيل الشأن العام؛ بل لا تملك أي حق قانوني لتمثيل نفسها. جماعة عبثت بكل القواعد العامة للحكم، وألغت أي معنى للسياسة. إنها تقف فوق جرف هار، وتمضي على سطح هاوية صنعتها في كامل خارطة البلاد، وتريد أن يتناغم معها الناس، ويصفقوا لما تقوم به. هذا ليس مجرد استغفال للأمة اليمنية، بل إهانة لوجودها، وهزء بالوعي العام وبالمصير اليمني، قبل أن يكون تدنيسا علنيا لمعنى الضمير والمفهوم السياسي للأخلاق.