تقارير ووثائق

حصيلة المحادثات اليمنية: تقدّم نظري يواجه عقبات التطبيق الميداني

لم تنجح المحادثات اليمنية الأخيرة في سويسرا، في تحقيق اختراق كبير في جدار الأزمة اليمنية، على الرغم من الآمال الكبيرة التي سبقتها، غير أن المبعوث الأممي إلى اليمن، إسماعيل ولد الشيخ أحمد، ومشاركين من وفد الحكومة اليمنية، أصروا على أن الجولة حققت تقدّماً كبيراً وإن كان أقل مما كان يُرجى منها، وسط معلومات عن ضغوط دولية على الأطراف المتقاتلة لوقف الحرب.

 

تدابير لبناء الثقة
وأعلن المبعوث الأممي في مؤتمر صحفي عقده في ختام جولة المحادثات التي عُقدت على مدى ستة أيام ابتداء من 15 ديسمبر/كانون الأول الحالي وحتى 20 منه، حصيلة الجلسات، وعددها بالاتفاق على تشكيل لجنة عسكرية من خبراء من الطرفين تتولى الإشراف على تنفيذ وقف إطلاق النار والتواصل من أجل التهدئة في حال حصول أي تصعيد، وتكون بإشراف من الأمم المتحدة.

وفيما لم يتم الكشف حتى اليوم عن تفاصيل أكثر حول هذه اللجنة، توضح مصادر سياسية قريبة من مشاركين في المفاوضات لـ"العربي الجديد"، أن ما تم الاتفاق عليه هو تشكيل لجنة، ولم يتم بعد التوافق بشكل نهائي على أسماء أعضائها، فيما تشير بعض التسريبات إلى توافق على أن يرأسها العميد اللبناني المتقاعد سليم رعد.
من جهة ثانية، كشف المبعوث الأممي عن الاتفاق على مجموعة من تدابير بناء الثقة يأتي في مقدمتها الإفراج عن المعتقلين السياسيين، الأمر الذي أوضحه رئيس الوفد الحكومي، وزير الخارجية اليمنية، عبدالملك المخلافي، الذي أشار إلى أن الحوثيين وحلفاءهم من حزب الرئيس السابق علي عبدالله صالح، التزموا أمام المبعوث الدولي وأمام سفراء من الدول الدائمة العضوية في مجلس الأمن بالإفراج عن المعتقلين.
المخلافي وفي المؤتمر الصحفي الذي عقده الوفد الحكومي عقب انتهاء المشاورات، أوضح كذلك أنه حسب الالتزام المشار إليه، فمن المقرر أن يتم الإفراج عن المعتقلين أو جزء منهم خلال الأسابيع الثلاثة المقبلة. وذكر بالاسم وزير الدفاع اللواء محمود الصبيحي، ورئيس جهاز الأمن السياسي في عدن، ناصر منصور هادي (شقيق الرئيس عبدربه منصور هادي)، ووزير التربية عبدالرزاق الأشوال، وقائد اللواء 105 العميد فيصل رجب، والقيادي في حزب "الإصلاح" محمد قحطان.
إضافة إلى ذلك، وحسب إعلان الوفد الحكومي والمبعوث الأممي، فقد جرى الاتفاق على فتح الطرقات وتأمين طريق المساعدات الإنسانية للوصول إلى المدن، وخصوصاً مدينة تعز، التي كانت من أبرز عناوين النقاشات خلال المحادثات، إذ يحاصرها الحوثيون منذ نحو خمسة أشهر، على أن يبدأ التنفيذ يوم أمس الإثنين بإشراف مباشر من الأمم المتحدة.
وفي موقف لافت، اعتبر رئيس اللجنة الثورية العليا التابعة للحوثيين، محمد علي الحوثي، خلال لقائه أمس محافظ محافظة لحج أحمد حمود جريب، "أن عملية تبادل الاسرى التي جرت أخيراً تُعدّ رسالة واضحة للعالم أن اليمنيين قادرون على تجاوز خلافاتهم وباستطاعتهم وضع أرضية مناسبة للحوار والاتفاق شرط عدم التدخل في شؤونهم الداخلية وفرض الوصاية على أبناء اليمن الأحرار". وبحسب ما نقلت عنه وكالة "سبأ" التي يسيطر عليها الحوثيون، أكد الحوثي تعليقاً على مفاوضات سويسرا، أنه "لا يمكن أن يتفق اليمنيون إلا في حال كفّت دول العدوان أياديها عن اليمن ورفعت وصايتها، خصوصاً أن أبناء الشعب اليمني اليوم باتوا يعرفون أنه لا يمكن ان تكون هناك حلول وتفاهمات واستقرار في اليمن إلا بإرادة أبنائها الرافضين لأي وصاية خارجية".
وبالمحصلة فقد كانت أبرز مخرجات المحادثات اليمنية، تتلخص بالاتفاق على تشكيل لجنة عسكرية تشرف على تنفيذ الهدنة التي جرى تمديدها، وفقاً لما أعلنه رئيس الوفد الحكومي لسبعة أيام جديدة، وكذلك الاتفاق على تأمين ممر المساعدات الإنسانية إلى محافظة تعز على وجه التحديد، وأخذ التزام من الحوثيين بالإفراج عن أبرز المسؤولين المعتقلين، فضلاً عن الاتفاق على موعد جديد للجولة المقبلة.
ووفقاً لإعلان رئيس الوفد الحكومي، فإن الجولة المقبلة من المحادثات، التي جرى تحديد موعدها في 14 يناير/كانون الثاني، ستعتمد أولاً على نتائج ما يتم تنفيذه خلال الأسابيع المقبلة فيما يخص الإفراج عن المعتقلين والسماح بوصول المساعدات إلى تعز. ومن جهة عملية فإن "وقف إطلاق النار" الذي فشل منذ اليوم الأول بنسبة كبيرة، سيكون له تأثير كبير على الجولة المقبلة.
وبينما تحدثت أنباء عن أن الجولة المقبلة ستُعقد في إثيوبيا، نفى ولد الشيخ أحمد أن يكون ذلك قد أُقر بشكل نهائي، وأشار إلى أن الأمم المتحدة تأمل أن يكون هناك تمثيل أفضل للمرأة في الجولة المقبلة، الأمر الذي يشير إلى أن تحضيرات المحادثات قد تبدأ من الصفر وبالتالي فإن تأجيلها قد يصبح وارداً إذا احتاج الأمر لوفود جديدة.

 
إجراءات تنتظر التطبيق
على الرغم من تأكيد الوفد الحكومي والمبعوث الدولي أن ما تحقق يُعدّ تقدّماً كبيراً وإن كان أقل مما كان يُعوّل على هذه الجولة من المحادثات، إلا أنها فشلت عملياً حتى اليوم بالتوصل إلى اتفاق لوقف إطلاق النار، وكذلك تبقى بقية الإجراءات التي تم الاتفاق عليها نظرية تنتظر التنفيذ واختبارها على أرض الواقع خلال الأسابيع الثلاثة المقبلة.
لكن وقف إطلاق النار يلقى دعماً دولياً قد يجعله يصمد بشكل نسبي، إذ نقلت وكالة "فرانس برس" عن دبلوماسي عربي، لم تكشف اسمه، أن "عدداً من دول مجلس الأمن الدولي وخصوصاً الولايات المتحدة، تضغط على جميع الأطراف المتقاتلة في اليمن لوقف الحرب". كما أوضح دبلوماسي آخر للوكالة، أن "واشنطن تُجري اتصالات مع دول من التحالف العربي، وخصوصاً السعودية والإمارات، لتأمين وقف إطلاق نار دائم".
الجدير بالذكر أن آمالاً كبيرة كانت تنعقد على هذه المحادثات قبل انعقادها بالنظر إلى الفرص والمعطيات التي توافرت لها من خطوات ترحيبية من الطرفين ومن دعم إقليمي ودولي، وقد كانت، على الرغم من الفشل، أول جولة محادثات يلتقي فيها الطرفان وجهاً لوجه، وقد أشرف المبعوث الأممي شخصياً في ختام الجلسات على إجراء مصافحة بين أبرز الشخصيات في الوفدين.

زر الذهاب إلى الأعلى