العام الجديد في اليمن: نقمة على الحرب وتنافس بين الإحباط والأمل
“نعم أستعد للاحتفال بقدوم العام الجديد، وإن اختلف الاحتفال هذا العام عن الأعوام الماضية”، هكذا أجاب رزق الحميدي (موظف حكومي) عند سؤاله عن استعداداته لاستقبال العام الجديد.
يواصل الحميدي بالقول “دائماً كنت أخرج أنا وأسرتي من الصباح، ولا نعود إلا عند المساء، نذهب إلى الحدائق، نحاول تجربة مطاعم جديدة، نزور أماكن لم نزرها من قبل، نخرج أحياناً للريف القريب من صنعاء، لكن هذا العام مختلف، سأحتفل مع اسرتي في المنزل، وسأحاول أن أجعل منه يوما مميزا، بقدر ما أستطيع، الفرحة يجب أن تخلق من العدم، ونعيشها تحت أي ظرف”.
بينما ترد صفاء عصام بنبرة ممزوجة بالنقمة من واقعٍ مدمر تمر به البلاد، مع الدعوة إلى التفاؤل وإن كان ذلك على سبيل الأمنيات بالقول: “أحتفي بالعام 2016 بصرامة أكثر، بشغف لما أطمح أكثر، فمسألة أن تخلق الحرب في بلادي كل هذه الفجوة من التراجع الاقتصادي والأمني والتعليمي أمرٌ لا يمكن التهاون به”.
صفاء طالبة جامعية في العشرينات من العمر، من بلدٍ يقدر عدد سكانه بـ26 مليون نسمة، ثلثهم تقريباً بحسب التقديرات الرسمية من الشباب، بيد أن مستقبلهم تعبث به الحرب الطاحنة التي تصاعدت خلال العام الأخير، ومعها قتل عدد كبير من الناس، وأُغلقت الكثير من المدارس والجامعات والهيئات والمصالح التي كانت أحلام الشباب أو برامجهم العملية والعلمية مرتبطة بها، لتصبح حياتهم أقرب إلى كابوسٍ مزعج.
وداع ثقافي لـ2015
على الرغم من ركود المشهد الثقافي اليمني، إلا أن فعاليات تقدمها بعض المؤسسات الثقافية اليمنية، ودعت عام 2015 بفعالية ثقافية، مثل الحفل التي أقامته مؤسسة بيسمنت الثقافية احتفاءً بالذكرى السادسة على تأسيسها، إذ شارك في الاحتفال الكثير من الشباب والمهتمين بالفعاليات الثقافية.
وخلال الحفل تم عرض فيلم قصير عن المؤسسة وإنجازاتها خلال عام 2015، كما قُدمت مقطوعات موسيقية وأغانٍ عبرت عن المأساة التي تعيشها اليمن في الحرب. وبعد عدة كلمات، اختتم الحفل في جو من الأغاني والموسيقى، التي رقص الحضور على أنغامها.
وداع عام 2015
فرضت الحرب التي توسعت مع بدء التدخل العسكري في آذار/مارس الماضي، واقعاً جديداً لم تتقدم فيه سوى الحرب ورقعة الخسائر والمصالح المدمرة، وبسبب ذلك يجمع أغلب الشباب الذين استطلع “اليمني” آرائهم على أن من أبرز ما ينتظرونه من العام الجديد هو الخروج من هذا الواقع، فيما يباشر آخرون التعبير عن يأسهم وقهرهم من الواقع واعتبار الأمل خداعاً.
ولدى سؤال “اليمني” عن اهتماماته واستعداداته للعام الجديد، يقول رشيد عبده (20 عاماً): “أنتظر أن ينقضي هذا العام بفارغ الصبر”، وهو غير قادر على التخلص من مشهد العام الذي أوشك على الانقضاء ليتحدث عن العام الجديد، إذ يضيف: “أريد لعام 2015، أن يبتعد بذاكرته المليئة بمشاهد الدمار الذي لحق ببلدي”.
ولا يختلف رشيد كثيراً في تقييمه للعام المنصرم مع صفاء التي تحاول أن تكون واقعيةً وفي ذات الوقت تصرعلى التفاؤل، في حديثها ل”اليمني” ، حيث تضيف “لا ننكر أننا جميعا فقدنا حصصاً دراسية أو محاضرات أو حتى أحلاماً كنا نخطط بالعام السابق أن ننجزها، كنت أود أن تكون نظرتي للعام الجديد أكثر فرحاً، لكنها حقا ضائعة بين قرارات السياسة والحرب المقيتة، لكنني سأتفاءل، فقاعدة الحياة تقول كل الأشياء السيئة مصيرها الزوال”.
تفاؤل محدود
ومن بين الآراء التي استطلعها “اليمني”، تتباين نسبة التفاؤل بالعام الجديد، ويصر البعض على التأكيد عليها، وإن على سبيل الأمنيات، وفي هذا السياق، يضيف رشيد بعد حديثه الناقم على العام المنصرم أن “الأمور ستتحسن، الأمان سيعم بلادي، الشباب سيجد العمل، سنتعلم مما حدث لنا، سنكتفي بما دمرته عبثيتنا، وسنقفز على فقرنا، وجهلنا، ومرارة عيشنا، سيسود الحب، وسينتشر الأمان في أرجاء وطني.. هكذا أنظر إلى المستقبل. إنه يمكث قريباً منا”.
أما محمد، وهو شاب جامعي في الـ25 من العمر، فيوضح ل”اليمني” أن لديه الكثير من الأمنيات والطموحات التي لم يستطيع تحقيقها في العام 2015 ويتمنى تحقيقها في العام الجديد2016 حتى ولو جزء منها، ويضيف ل”اليمني” أنه “برغم الحرب والوضع الصعب الذي تعيشه اليمن، إلا انني أحاول التغلب على الصعوبات والعراقيل، مع أني متشائم جداً من العام الجديد، وأنه قد يكون أكثر سوءاً من عام 2015”.
لا أريد أن أكذب
ولا يخفي الشباب اليمنيون، حالة الإحباط، وإن حاول البعض إخفاءها، وذلك ما تعكسه الإجابة الصريحة ل”نسيبة صالح”، رداً على سؤال “اليمني” حول احتفائها بالعام الجديد، حيث تقول: “لا أعتقد ان هناك احتفاء بهذا العام، لا أريد أن أتحدث عن التفاؤل لأنني لا أريد أن أكذب”، وتضيف “أريد أن أخبر العام الجديد أن جرعات التفاؤل والنظرة المشرقة للغد قد انتهت صلاحيتها بداخلي كفتاة يمنية عاشت ما يقارب العام بين صفعات حرب لا تعرف ما سببها غير أنها تثق جداً أنها حرب “لتدمير اليمن”، وتتابع حديثها أن “لقد دُمر اليمن الذي كان بداخلي لا محدود الجمال رغم بساطته، رغم كد العيش وضنك المعيشة فيه عند الكثيرين”، وتتعجب “دُمِر وطني و أراني أُسأل عن احتفائي بهذا العام، أي احتفاء؟”.
وفيما تتصدر أوضاع البلاد، اهتمامات الشباب ونظرتهم للاحتفاء بالعام الجديد، هناك من لا يزال يعتبر الاحتفال “بدعةً” وغير مرغوب في الدين الإسلامي، وفي هذا الصدد، يقول علي، (23 عاماً) ل”اليمني”: إن الاحتفال بالعام الجديد أمر مكروه “دينياً”، فهو تقليد للمجتمعات الغربية ولا يعني المسلمين”.
مستقبل في ظل الحرب
على أبواب العام الجديد، لا يزال مستقبل البلاد في فوهات مدافع الحرب المدمرة، ولا يعرف الشباب على وجه التحديد، أين ستستقر أوضاع البلاد، وكم حجم الخسائر التي لحقت بهم على المستوى الشخصي والعام في البلاد. ومع اختلاف نظرتهم للعام الجديد، فإن الأمنية التي يتفقون فيها، هي أن تغادر الحرب عامهم الجديد.